ヾヾالفتور أسبابه و علاجة .ヾヾ للشيخ محمد حسانヾヾ
محاضرة قيمة للشيخ الفاضل محمد حسان أسأل الله ان تكون فى ميزان حسناته و يجزيه عنا خير الجزاء و يثبته و يرزقه الصحة و العافية و يكثر من أمثاله . مع حذف اجزاء قليله من المحاضرة .
أولا : الفتور لغةً واصطلاحاً .
معنى الفتور لغة :قال ابن منظور في لسان العرب : فتر يفترُ فتورا أي : سكن بعد حدة لانَ بعد شدة .
والفتور يطلق في اللغة على معنيين:
الأول: الكسل أو التراخي ، أو التباطؤ بعد النشاط والجد ،
الثاني: السكون بعد الحركة والانقطاع بعد الاستمرار .
ومعنى الفتور اصطلاحا: داء ومرض خطير، يصيب بعض المسلمين، أو بعض العاملين للإسلام أدناه الكسل، أو التراخي أو السكون بعد الحركة، وأعلاه الانقطاع بعد الاستمرار.
وقد أثنى الله– جل وعلا– على ملائكته فقال سبحانه: { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ{19} يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }[ الأنبياء /20،19] { لَا يَفْتُرُونَ } ، لا يتكاسلون ، ولا يتوقفون عن الذكر ، والتسبيح ، والطاعة ، والعبادة .
ثانيا : أعراض الفتور :
أعراض كثيرة: إعراض عن القرآن ، إعراض عن قيام الليل بعد رمضان ، إعراض عن الذكر والاستغفار ، والتسبيح ، إطلاق للبصر ، للنظر إلى ما حرم الله ، وكأن الإنسان قد فك من قيود أو عقال ، صورة خطيرة من صور الفتور التي تصيب كثيرا من المسلمين الصائمين القائمين بعد رمضان .
يا أخي : لو نظرت إلى الفجر الأول من شوال لصدمت ، لبكيت والله دما بدل الدمع ، أين من كانوا يملؤون المساجد في الليلة الفائتة ؟ في الصبح الفائت ، أين ذهبوا ؟ هل هذه هي الغاية التي من أجلها صُمت ؟ ما حققت الغاية قط .
كان من المنتظر أن يكون رمضان دافعا للأمة ، لتتخلص من هذه الانتكاسة المؤلمة بعد ما انتصرت إرادتها على الشهوات، بعد ما انتصرت إرادتها على الضعف الكامن في النفس، فصامت الشهر كاملا، وقامت الليل، وتصدقت وأنفقت، واستغفرت وتهجدت، وقامت بالأسحار ، لتستغفر العزيز الغفار .
كان من المنتظر أن تدفع هذه المدرسة الإيمانية الكبرى ، أفراد الأمة إلى الثبات ، إلى مزيد من البذل والعطاء ، والاستمرار على طاعة الله – سبحانه وتعالى – لكنك ترى عكس ذلك تماما عند كثير من المسلمين والمسلمات ، إن دل ذلك ، فإنما يدل دلالة واضحة على أن كثيراً من الناس يصومون ، ويقومون الليل ، دون أن يخرجوا من هذه المدرسة الإيمانية الكبرى ، بالغاية العظمى التي من أجلها فرض الله الصوم على من وحدوا الله وآمنوا برسول الله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة/183] .
ما هي التقوى ؟
التقوى : هي الاسم من اتقى ، والمصدر : الاتقاء ، وكلاهما مأخوذ من مادة وقى .
والوقاية : هي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره ، فأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية ، فتقوى العبد للرب : أن يجعل العبد بين سخط الله ، وغضبه وعذابه ، وقاية تحفظه وتمنعه تلك الوقاية ، هي : فعل الطاعات واجتناب المعاصي والمداومة على الطاعات ، الاستقامة على الطاعة ، هذه حقيقة التقوى .
فمن تخلى عن الثوابت الإيمانية الكبيرة التي كان عليها في رمضان ، بعد رمضان ما خرج إطلاقا من هذه المدرسة ، بتقوى الله – عز وجل – أبدا .
ما حال الإيمان في قلبك بعد رمضان ، إن كنت ممن ازددت قرباً ، فهذه علامة قبول توبتك من الله ، وإن كنت ممن عدت إلى حالتك الأولى قبل رمضان ، فقل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وابك على نفسك دماً بدل الدمع . ولا زال في العمر فسحة ، فجدد التوبة والأوبة وأعلم بأن الله لا يمل حتى تمل .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
أســـباب الفــــــــــتور
الاول ضعف الإيمان بالله – جل وعلا :
محال يا أخي، أن تتذوق طعم الإيمان، وحلاوة الإيمان ، وأن يضيء قلبك بنور الإيمان ، محال بعد هذا أن نتخلى عن مواد الإيمان ، ألا هي الطاعة فضعف الإيمان في القلب، من أخطر أسباب الفتور، من أخطر أسباب التراخي والتكاسل والتباطؤ، ومن أخطر أسباب الإعراض والانقطاع عن الطاعة ، وعدم الاستمرار عليها .
فالإيمان حصن الأمان وهدايتك للطاعات بتوفيق رب الأرض والسماوات ثمرة حلوة للإيمان.
قال – جل وعلا: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [ التغابن 11]
، كما قال ربنا جل وعلا: { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء /89،88] .
وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير ، أن النذير البشير r قال: (( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ))(1) .
وقال أبو هريرة : القلب ملك الأعضاء ، والجوارح جنوده ورعاياه ، فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا ، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا .
فالإيمان حصن الأمان ، فإن قترت وتكاسلت وتباطأت ، وتوقفت وانقطعت عن العمل ، ففتش عن حال وحقيقة الإيمان في قلبك ، إيمانك يحتاج إلى تجديد ، إيمانك يحتاج إلى تقوية ، ونحن ندين الله أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية، فإن تباطأت وتكاسلت ، وانقطعت عن الطاعة ، ففتش عن حال الإيمان في قلبك .
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه : اطلب قلبك في ثلاثة مواطن ، اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن ، وفي مجالس الذكر – أي العلم – وفي أوقات الخلوة ، فإن لم تجد قلبك في هذه المواطن ، فسل الله أن يمن عليك بقلب ، فإنه لا قلب لك .
فهل تحمل قلبا ؟ هل تحمل في صدرك قلباً حقيقياً ؟ فتش عن قلبك الآن .
ثانياً : ضعف الإرادة والهمة :
قال ابن القيم – لله دره : اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله تعالى بقلبه وهمته لا ببدنه ، فالتقوى في الحقيقة تقوى القلب لا تقوى الجوارح .
قال تعالى : {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج/32]
قال تعالى:{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج/37] .
وأشار النبي r يوما إلى صدره الشريف وقال: ((التقوى ها هنا، التقوى ها هنا)) (1)
قال جل جلاله :{ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً{18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً{19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً{20} انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء / 18-21] .
وقال – جل وعلا{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ } [الواقعة/10-14] .
قال ابن القيم: (( فالسابقون في الآخرة إلى الرضوان والجنات هم السابقون في الدنيا إلى الخيرات والطاعات، فعلى قدر السبق هنا يكون السبق هناك)) .
ضعف الإرادة والهمة ، فمن الناس من تنشط همته ، وتقوى إرادته في جمع المال ، بل ربما لا ينام الليل والنهار ، ولا يعنيه هل سيجمع المال من الحلال أم من الحرام ؟ ومن الناس من تنشط همته ، وتقوى إرادته في البحث عن امرأة جميلة حسناء في الحلال أو الحرام سواء ، ومنهم من لا هم له إلا أن يحقق شهرة ، ولو بالكذب والباطل ، ومنهم من يحمل هموم أمته ودعوته ودين الله – تبارك وتعالى – فضعف الإرادة والهمة من أخطر أسباب الفتور ، ومن أخطر أسباب التباطؤ، أو الانقطاع عن العمل لدين الله تبارك وتعالى ، وسأبين العلاج إن شاء الله – جل وعلا .
ثالثاً : : الاستهانة بصغائر الذنوب :
يقول الأخ بعد رمضان : لقد صليت القيام في رمضان كاملاً وصمت ثلاثين يوماً ، فيتصور ويزين الشيطان له أنه في يوم العيد صار في فسحة ، فيطلق لبصره العنان ، وللسانه العنان ، ولجوارحه العنان ، ثم يزين الشيطان له أنه واقع في صغائر الذنوب ، فيستهين بصغائر الذنوب، وإن كنا معتقد أن الذنوب وإن كانت من الكبائر ، فهي لا شيء في عفو الرحمن – تبارك وتعالى – شتان شتان بين هذا وذاك ، فنحن لا نُكَفِّر بالكبائر ، أقصد أننا كأهل السنة ، لا نكفر أحدا بكبائر الذنوب ، وإنما نعتقد اعتقادا جازما أنه مهما ارتكب الإنسان من الكبائر ، فتاب إلى الله فنزع واستغفر ، وجدد الأوبة والتوبة ، وندم على ما مضى ، فالله – سبحانه وتعالى – يغفر له بل ربما يبدل الله سيئاته حسنات
قال جل وعلا : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}[الفرقان/70] لكنني أؤكد على قضية الاستهانة بالذنب ، وإن صغر ، هذا أمر خطير ، وأمر كبير ، لا تستهن بالذنب قال رسول الله : (( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ))([1][1]).
ماذا في مسلسل أجلس معه بعد القيام ؟ ماذا في جلسة أجلسها علىب مقهى من المقاهي ؟ ماذا لو دخلت غرفة من الغرف للدردشة مع فتاة شرقية أو غربية ؟
ماذا لو جلست في مكان أجلس فيه على ناصية شارع من الشوارع والطرقات ؟ لأنظر إلى هذه وإلى تلك ، ماذا لو قلت هذه الكلمة ! ماذا لو صنعت كذا وكذا : فيحقر الذنب وهو يراه صغيرا وهذا عند الله – ورب الكعبة – كبير
(( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ))
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة/7 ]
فكل شيء تفعله مسطر عليك في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى ، وكل صغير وكبير مستطر، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة/8،7] فالاستهانة بصغائر الذنوب من أخطر الأسباب التي تصيب القلب بالفتور ، لأن للذنوب أثرا على القلب .
قال ابن عباس : (( إن الطاعة نورا في الوجه – إي والله – إن الطاعة نورا في الوجه ، ونوراً في القلب ، ونوراً في البدن ، وسعة في الرزق ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للمعصية سوادا في الوجه ، وظلمة في القلب والقبر ، ووهنا في البدن ، وضيقا في الرزق ، وبغضا في قلوب الخلق )) .
قال – جل وعلا : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }[مريم/96] أي : محبة ومكانة في قلوب عباده المؤمنين .
اللهم اجعل لنا في قلوب المؤمنين وداً .
رابعا :: التخلي عن العمل لدين العزيز الغفور. العمل للدين يدفع الإنسان دفعا للطاعة ، ويثبت الله – سبحانه وتعالى – من يحمل هم الدين في قلبه ، تراه حتى وهو على فراش نومه ، يحمل هم الدين ، وربما تنحدر الدموع مدرارا على وجنتيه ، وامرأته إلى جواره ، ولا تشعر به ، يفكر في واقع الأمة ، في الدماء التي تنزف في الفلوجة ، في الدماء التي تسفك على أرض فلسطين ، في الدماء التي تسفك على أرض الشيشان ، أو في أفغانستان .
فالدعوة إلى الله ودين الله ، وواقع الأمة همه في الليل والنهار ، شغله في النوم واليقظة ذكره في السر والعلانية ، هذا الشعور الذي يحرق قل، يحرك وجدانه ويحرك جوارحه في كل ساعات النهار بل والليل ، ليعمل لله سبحانه .
فتراه مذكراً لله تارة ، تراه متململاً بين يدي الله كتململ العصفور المبلل بماء المطر تارة ، تراه مذكراً للآخرين من زملاء العمل في الوظيفة تارة ، تراه مذكراً لامرأته ، تراه حريصاً على مجالس العلم ، تراه حريصاً على إسعاد الفقراء والمساكين ، تراه حريصاً على تكثير سواد المسلمين في محاضرة عامة ، تراه حريصا على لصق إعلان لخطبة أو لمحاضرة ، المهم أن قضية الدين تملأ قلبه ، وتحرك عليه وجدانه ، وهي التي تشغل باله ، وعقله وجوارحه في الليل والنهار .
من أعظم الأسباب التي يثبت بها الله عبده على الطيبات والصالحات ، أن يعمل لدين الله – تبارك وتعالى – قال الله – جل وعلا : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } [ العنكبوت/69].
والجهاد مراتب:
جهاد النفس مراتب: أن تجاهد النفس ، لتتعلم الحق هذا جهاد ، وأن تجاهد النفس لتعمل بالحق، وأن تجاهد النفس لتبلغ الحق لأهل الأرض بحق، وأن تصبر بعد ذلك على الأذى، لأنك لو عملت بالحق وبلغت الحق للناس ، لابد أن تتعرض للأذى فيجب عليك أن تصبر قال جل جلاله : {وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }[ العصر1، 2] لابد لمن تواصى بالحق أن يستعد للمحن والفتن والابتلاءات ، لأنها طبيعة الطريق، فيجب عليه أن يجاهد نفسه في تصبيرها على الحق .
جهاد الدعوة ، جهاد الكلمة ، جهاد البذل ، صور عديدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }[العنكبوت/69]
خامسا : من أسباب الفتور الغفلة عن سنن الله في الكون .
فبعض العاملين للإسلام ... وأنا أتحدث بصفة عامة عن الفتور ... بعض العاملين للإسلام يريد لحماسه الفَوَّار ، وإخلاصه القوي أن يغير المجتمع في يوم وليلة ، يريد أن يغير المجتمع : عقديا وتعبديا وأخلاقيا وسلوكيا ، وهذا أمر جميل ، لكنه يغفل عن سنن الله الكونية ، يغفل عن ذلك ويغفل عن أن الحق – تبارك وتعالى – قد أودع الكون سنناً ثابتة ، لا تتبدل ولا تتغير ، وأن الله قد جعل لكل شيء آجلا ، ولن يجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا .
سادسا : هجر مجالس العلم :
من أخطر أسباب الفتور أن يهجر المسلم مجالس العلم التي تجدد إيمانه وتقوي إرادته ، وتنشط همته للعلم ، لدين الله – تبارك وتعالى .
ففي مجالس العلم تحصل من الأجر والسكينة والفضل والعلم بالحلال والحرام وتجديد الإيمان ما لا يمكن البتة أن تحصله إن حبست نفسك في مكتبتك الخاصة لتطالع من الكتب ما يسر الله لك أن تطالع .
فاحرص على مجالس العلم واصطحب امرأتك واصطحب بناتك وأولادك ، لتتعلم في مجالس العلم الحلال والحرام ، ولتتعرف على الحق والباطل .
فمن أعظم الأسباب التي يرفع الله لها همتك ويقوي بها إرادتك ، لتعمل لدين الله ، ولتستمر على الطاعة أن تكون في مجلس علم يذكرك فيه عالم هذا المجلس بالله ، وبرسول الله r، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وإن من أعظم البيئات التي يتجدد فيها إيمانك بيئة مجالس العلم قال– جل وعلا:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر/28] قال جل وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة/11] قال – جل وعلا: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [ الزمر/9] .
فهو يريد أن يحول المجتمع في يوم وليلة إلى مجتمع إسلامي رباني نبوي دون مراعاة لهذه السنن، بطريقة هي إلى الوهم والخيال أقرب منها للحقيقة والواقع ، فحين يعجز عن ذلك يصاب بالفتور ، بل ربما بالإحباط ، بل ربما باليأس والقنوط ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ضاعت الأمة، ضاع الدين ، طالما دعونا، الناس لا يستجيبون، قضت الفضائيات على الناس لقد انشغل الناس بالدنيا عن الدين ، لقد ضاع الدين إلى غير رجعة لقد سيطر الكفر على الأرض كلها، يا شيخ ، لا تتعب نفسك، لا تتعب نفسك أسعد نفسك وأولادك وفقط .
هلك الناس، وقد حذر النبي r من هذه القضية المهزومة الخطيرة كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه r قال: (( إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكُهم أو فهو أهلكَهم))(1) أي: هو الذي حكم عليهم بالهلاك، أو هو أشد الناس هلاكاً، يصاب بالفتور بل أحيانا باليأس والقنوط، كما هو حال كثير من العاملين الآن للإسلام بصفة عامة، ومن طلبة العلم بصفة خاصة ممن لم يفهموا إلى الآن سنن الله الثابتة في الكون ، تلكك السنن التي لا تجامل أحدا من الخلق بحال ، مهما ادعى لنفسه من مقومات المجاملة أو المحاباة .
سابعاً:عدم الترويح على النفس بالمباح
سبب رهيب قد لا يلتفت إليه كثير من أحبابنا وإخواننا، إذا دخل رمضان قام الليل بطوله ، أو جل الليل وشرع في قراءة القرآن فقرأ في أول ليلة عشرة أجزاء، وهو لم يفعل ذلك ولم يجاهد نفسه قبل ذلك عل فعل ذلك ، لكن هناك من إخواننا من أهل الفضل من يختم القرآن بالفعل ، في كل ثلاث ليال مرة ، وهذا أمر عادي وصار ديدنا له ، وصار ملازما له ، لا يشعر في ذلك بثقل على نفسه ، بل صارت هذه سعادة نفسه لكنني لا أتحدث عن الصنف الكريم ، فالحديث ليس لهؤلاء ، وإنما الحديث لهذا الذي فتر وانقطع عن هذا الخير ، مع أنه لم يمرن نفسه على ذلك البتة ، ثم بعد ذلك بعد أيام قليلة جدا ، يصاب بفتور قاتل لا يصل إلى حد التراخي فحسب بل قد يصل إلى حد الانقطاع ، عن هذا العمل الجليل المبارك .
القصد القصد ، الاعتدال الاعتدال ، روح عن نفسك بالمباحات ، فلا إفراط ولا تفريط ، والإفراط يعادل التفريط والتفريط ، لا يقل خطرا عن الإفراط .
فإن كثيراً من الناس يقول : ساعة لقلبك ، وساعة لربك يقصد بساعة القلب ، أن يطلق العنان في المعاصي .
لا بنص الحديث ، ساعة لاعب فيها زوجتك يا أخي ، داعب فيها أولادك انشغل بالمال انشغل بالتجارة ، لا حرج عليك البتة .
بل أؤكد لك لو أنك انشغلت بامرأتك ، وانشغلت بأولادك ، وانشغلت بتجارتك إن صححت النية ، فأنت في هذه اللحظات التي تسري بها عن نفسك ، أنت في عبادة لرب البرية ، تريد الدليل على ذلك ، خذ الدليل تريد الدليل على ذلك ، أيها اللبيب .
خذ الدليل من قول البشير النذير ، في صحيح مسلم (1) من حديث أبي ذر أن ناسا أتوا رسول الله r فقالوا : يا رسول الله : ذهب أهل الدثور بالأجور . أي ذهب أصحاب الأموال بالأجر .. يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم فقال النبي r: (( أو ليس الله جعل لكم ما تصدقون به إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة )) اسمع (( وفي بضع أحدكم صدقة )) والبضع لغة : هو الجماع أو الفرج ذاته (( وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجرا ؟! قال : (( أرأيتم لو وضعها في الحرام أيكون عليه وزر ؟ قالوا : نعم قال : (( ولو وضعها في الحلال فله فيها أجر )) (2).
السبب الثامن : مصاحبة ذوي الهمم الضعيفة والإرادات الدنية
مصاحبة ذوي الهم الضعيفة والإرادات الدنيئة الدنية ، يصيبك بالفتور وأدناه التباطؤ عن العمل والانقطاع ، وأعلاه الانقطاع عن العمل ، عن الطاعة ، وهذه أخطر صور الفتور كما أصلت في أول اللقاء ، فلا تصاحب إلا أصحاب الهمم العالية ، لا تصاحب إلا أصحاب الإرادات القوية ، واضرب مع أهل كل عبودية بسهم .
واضرب مع أهل كل عبودية بسهم ، بمعنى : اصحب أهل الصلاح ، واضرب معهم بسيف واصحب أهل الإنفاق ، واضرب معهم بسهم ، واصحب أهل القيام ، واضرب معهم بسهم واصحب أهل الذكر ، واضرب معهم بسهم .
وهكذا كلما صحبت أهل الفضل ممن فتح الله لهم أبواب العبودية، نظرت إليهم فاحتقرت عملك واحتقرت نفسك واحتقرت جهدك، فأكثرت من العمل، وزدت في الطاعة والعبادة، فإن صحبت الأخيار تنعكس عليك ((والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) والنبي r يقول: (( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي )) (1) .
يتبــــــــــــــــــــــ ــع
مواقع النشر (المفضلة)