بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عيكم ورحمة الله وبركاته
تباح الغيبة في مواقع وهي:
1-التظلم: كالتظلم للسلطان و القاضي.
و دليله: ما روته عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه و سلم: إن أبا سفيان رجل شحيح (أي بخيل حريص)، و ليس يعطيني ما يكفيني و ولدي؛ إلا ما أخذت منه و هو لا يعلم؟ قال: "خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف" [رواه البخاري (7180)، و مسلم (1714)]
و لحديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "قال رجل: يا رسول الله! إن لي جاراً يؤذيني. فقال: "انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق". فانطلق، فأخرج متاعه، فاجتمع الناس عليه، فقالوا: ما شأنك؟ قال: لي جار يؤذيني، فذكرت للنبي صلى الله عليه و سلم، فقال: "انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق". فجعلوا يقولون: اللهم العنهُ، اللهم أخزه، فبلغهُ، فأتاه، فقال: ارجع إلى منزلك؛ فوالله لا أوذيك" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (124)، و حسن إسناده الحافظ المنذري في "الترغيب و الترهيب" و غيرهما]
2 الاستفتاء: كأن يقول للمفتي: ظلمني أخي، أو فلان؛ فما طريقي في الخلاص؛ كما في الحديث السابق.
3 الاستعانة على تغيير منكر أو رفع بلاء عن مسلم. لحديث هند السابق.
4 تحذير المسلمين و نصحهم من أصحاب الشر و ممن يضرّ بالمسلمين.
و منها جرح المجروحين من الرواة و الشهود، و ذلك للذب عن حديث الرسول صلى الله عليه و سلم.
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه؛ قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله. و قال: لئن رجعنا إلى المدينة؛ ليخرجن الأعز منها الأذل. فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ، فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل، فقال: كذب زيدٌ رسول الله صلى الله عليه و سلم. قال: فوقع في نفسي مما قالوه شدة، حتى أنزل الله تصديقي {إذا جاءك المنافقون}. قال: ثم دعاهم النبي صلى الله عليه و سلم ليستغفر لهم فلوّوا رؤوسهم". [رواه البخاري (4903)، و مسلم (2772)، و هذا لفظه، و معنى: "لوّوا رؤوسهم"؛ أي: أمالوها إعراضاً و رغبة عن الاستغفار]
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى في هذه المسألة: "و مما يدلّ على ذلك دلالة بيّنة ما ورد في النصيحة لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم و خاصتهم؛ فإن بيان كذب الكذابين من أعظم النصيحة الواجبة لله و لرسوله و لجميع المسلمين" [كتاب "رفع الريبة" بتحقيق الأخ: محمد إبراهيم الشيباني (ص 27)]
و مما قاله أيضاً: "و كذلك جرح من شهد في مال أو دم أو عرض بشهادة زور؛ فإنها من النصيحة التي أوجبها الله على عباده، و أخذهم بتأديتها، و أوجب عليهم القيام بها".
و عن الشّريد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لَيّ الواجِدِ (1) يحلُّ عرضه و عقوبته" (1) أي: القادر على قضاء دينه [أخرجه أبو داود (3628) (صحيح أبو داود / 3086)، النسائي، و ابن ماجه، و غيرهم، و حسنه شيخنا في "الإرواء" برقم (1434)]
قال ابن المبارك: "يُحلُّ عرضه: يغلِّظ له. و عقوبته: يحبس له".
و مما جاء في "فيض القدير" للمُناوي في شرح هذا الحديث: "(ليّ الواجد)؛ أي: مَطْل الغني، و (اللَّيُّ)؛ بالفتح: المطْلُ. و (الواجد): الغنيّ؛ من الوُجد؛ بالضم؛ بمعنى السّعة و القدرة، و يقال: وجد في المال وجداً؛ أي: استغنى. (يُحِلّ): من الإحلال. (عرضه): بأن يقول له المدين: أنت ظالم، أنت مُماطل، و نحوه مما ليس بقذفٍ و لا فُحش. و (عقوبته): بأن يُعَزِّرهُ القاضي على الأداء، بنحو ضربٍ أو حبسٍ حتى يؤدّي".
5 المشاورة في أمور الزواج أو المشاركة أو المجاورة، و نحو ذلك.
لقول النبي صلى الله عليه و سلم لفاطمة بنت قيس - في استشارتها من خِطبة معاوية و أبي الجهم حين خطبها- : "أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه (1)، و أما معاوية؛ فصعلوك (2) لا مال له".
(1) فيه تأويلان مشهوران: أحدهما أنه كثير الأسفار. و الثاني أنه كثير الضرب للنساء. و العانق: هو ما بين العنق إلى المنكب. (2) الصعلوك: الفقير. [رواه مسلم (1480) و غيره].
و في الحديث: "حق المسلم على المسلم ست". قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته؛ فسلّم عليه، و إذا دعاك؛ فأجبه، و إذا استنصحك؛ فانصح له…" [رواه مسلم (2162) و غيره].
1 ذكر المجاهر بما فيه، أو صاحب البدعة ببدعته و لا يذكره بغيره من العيوب إلا لحال مما سبق ذكره.
عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه و سلم، فقال: "ائذنوا له؛ بئس أخو العشيرة" [رواه البخاري (6054)، و مسلم (2591)]
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد و أهل الريب (بقوله: "باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد و الرّيب".
و عن عائشة رضي الله عنها أيضاً؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما أظنّ فلاناً و فلاناً يعرفان من ديننا شيئاً" [رواه البخاري (6067)].
قال الليث: كانا رجلين من المنافقين.
2 التعريف: إن كان الإنسان معروفاً بلقب معين؛ كالأعرج، و الأصم، و الأعمى، و نحو ذلك.
و لا يحل إطلاقه على وجه التحقير و التنقيص، و إن أمكن تعريفه بغير ذلك؛ فهو أفضل و أولى.
عن أسَيْر بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا على عمر رضي الله عنه، و فيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيِّين(1)؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال: "إن رجلاً يأتيكم من اليمن، يُقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض (2)، فدعى الله، فأذهبه عنه؛ إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم؛ فليستغفر لكم"
(1) نسبته إلى قبيلة قرن. (2) أي: برص. [رواه مسلم (2542)]
قال الإمام الشوكاني(1) رحمه الله تعالى: "فإن قلت: فإن كان صاحب اللقب لا يُعرف إلا به و لا يُعرف بغيره أصلاً؟ قلت: إذا بلغ الأمر إلى هذه النهاية؟ و وصل البحث إلى هذه الغاية؛ لم يكن ذلك اللقب لقباً، بل هو الاسم الذي يُعرف به صاحبه إذ لا يعرف باسم سواه قط" [رفع الريبة (ص 33)]
و جاءت هذه الأغراض الشرعية منظومة شعراً في بيتين:
القـدحُ ليـس بغيبة في ستةٍ ************************ متظلمٍ و معرفٍ و محذرِ
و مجاهرٍ فسقاً و مستفتٍ و مَنْ *********************** طلب الإعانة في إزالة منكرِ))
و قد أشار الشيخ العوايشة حفظه الله إلى أنه أخذ النقاط من (1-7) عن كتاب "رياض الصالحين" للنووي، شارحاً ما رآه لازماً مقروناً بالأدلة.
و قد قدّم لهذا الفصل بكلام ينبغي حفظه و الالتزام به في جميع ما ذكر أعلاه، فقال -حفظه الله-:
((و لكن؛ ليحذر الإنسان من خلال المباحات أن يلبس عليه الشيطان، فيفتح عليه باب المحرمات، فلا يزال لسانه رطباً بالغيبة؛ فالمباح بقدر و حدود، و لا بد أن يقترن كل ذلك بنية صحيحة ليس فيها تشفٍّ لغيظٍ، و لا رغبةً بتشهير، و ربنا سبحانه يعلم خائنة الأعين، و ما تخفي الصدور.))
اعذروني على الاطالة
م.ن
مواقع النشر (المفضلة)