يخلط بعض الكتاب بين القصة والقصة القصيرة، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور متوغلة في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيداً ضخماً من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن، لكن القصة القصيرة بمفهومها الحديث فن وافد إلى الأدب العربي المعاصر من الغرب والشرق.
ولا يبرر هذا الخلط بين القصة والقصة القصيرة ما تشهده ساحة الإبداع الأدبي من فوضى نتيجة تداخل الأجناس الأدبية على أيدي المغرمين بتقليد أدباء الغرب، حتى أصبحنا نقرأ ما يسمى شعراً ما ليس له علاقة بالشعر، أو نقرأ قصة ما ليس له علاقة بالقصة، كل ذلك بحجة التجديد، وما هو سوى تقليد أعمى يتجاهل الذائقة الفنية للقارئ العربي الذي تربى على تلقي ألوان أدبية شكلت ذائقته الفنية بل وساهمت في تشكيل شخصيته العامة، وهي ألوان قابلة للتجديد وفق السياق العام للتطور الذي تشهده الحياة في المجتمع العربي المسلم، لا وفق ما يراه الآخرون.
قواعد صارمة
إن الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يحمـل كمـاً هـائلاً من القصص التي لا يمكن أن ينطبق عليها مصطلح القصة القصيرة، رغم أن هذا اللون الأدبي ـ أي القصة القصيرة ـ هو أكثر الألوان الأدبية قابلية للتطوير والتجديد، وهذا ما تؤكده النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة التي وضعها كتّاب القصة القصيرة الأوائل، أو التي استنتجها النقاد من كتابات أولئك الرواد. وبصرف النظر عن مدى تقبل المتلقي للنصوص القصصية الجديدة، فإن على المبدعين التعامل بحذر مع النص قبل الإقدام على مغامرة التجريب، حتى لا يتخلى النص القصصي نهائياً عن كـل مقومات القصـة القصيرة.. ليصبح لونـاً أدبياً آخر يمكن تصنيفه في أي ( خانة ) من ( خانات ) الأدب باستثناء القصة القصيرة.
فن جديد
وكما قلنا: يعتبر فن القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي عرفها الأدب العربي في هذا العصر، وإن كان هناك من يرجع جذورها الأولى إلى بعض الفنون الأدبية القديمة، لأنها تشترك معها في بعض الملامح، لكن حقيقة الأمر أن القصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد، ليس في الأدب العربي فقط، ولكن حتى في الآداب الغربية الأخرى، إذ لم يظهر هذا الفن إلا منذ حوالي قرن تقريباً وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل : ( وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجاً، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية.
عصر السرعة
أما من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيراً من الشبان بكتابتها رغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص، ولذلك يخفق 70% على الأقل في كتابتها. وأما من حيث العوامل الخارجية، فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، ومئات الصحف والمجلات تحتاج كل يوم لمئات القصص وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، ثم يذكر من هذه العوامل الإذاعة أيضاً، والناس الذين سيطرت على حياتهم السرعة في كل شيء حتى فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ضالتهم، لأنها تلائم روح العصر بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة. ثم إن (القصة القصيرة لا تزدهر مع حياة الخمول، بل تزدهر مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به، وما اهتمامها بالإنسان إلا اهتمام بالطبقات المسحوقة بشكل خاص).
وفي هذا العصر يعيش الإنسان أقسى أنواع المعاناة، وأشدها وطأة على النفس، وفي مثل هذه الظروف تزدهر القصة القصيرة.
معطف جوجول
مواقع النشر (المفضلة)