إخوانى وأخواتى فى الله
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وجعلنا من أتباع خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه، فسبحان من أنعم علينا وتفضل وأسبغ عطاياه وأسبل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمداً عبده المجتبى ورسوله المرتضى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد ....
فقد هبَّت على القلوب نفحة من نفحات نسيم القُرب، وسعى سمسار المواعظ للمهجورين في الصلح، ووصلت البشارة للمنقطعين بالوصل والمذنبين بالعفو والمستوجبين النار بالعتق.
فيا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي
ويا شموس التقوى والإيمان اطلعي
ويا صحائف أعمال الصائمين ارتفعي
ويا قلوب الصائمين اخشعي
ويا أقدام المتهجدين اسجدي واركعي
ويا عيون المتهجدين لا تهجعي
ويا ذنوب التائبين لا ترجعي.
ها هو رمضان بيننا ونعيش فى خيره وفضله وبركته، فمرحى بشهر طيب مبارك تُفتح فيه أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب النيران، فهَلُمَّ يا باغي الخير إلى شهر يضاعف فيه الأجر للأعمال، فَنَصَبُ وتَعبُ المجتهدين في هذا الشهر هو الراحة الحقيقية، ولله در القائل:
يتلذذون بذكره في ليلهـم ويكابدون لدى النهار صياماً
فسيغنمون عرائساً بعرائس ويُبَـوَّؤن من الجنان خياماً
وتَقَرُّ أعينهم بما أخفي لهم وسيسمعون من الجليل سلاماً
لقد علم السلف الصالح فضل هذه الأيام فكانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر بعد رمضان أن يتقبله منهم ويدعون ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وإن كانت حياتهم كلها رمضان، إلا أن لرمضان وخصوصية القرآن فيه شأناً آخر، فهل تشوَّقتَ لأن تسمع أخبار هؤلاء الصالحين؟ فإن الحديث عنهم عذبٌ رقراق لا يُمَلَّ سماعُهُ شهيٌ إلينا نَظْمُه ونِظَامُه، فرحم الله أَعظُماً طالما نصبت و انتصبت، إنْ ذكرت قلوبهم عَدلَه رَهِبَت وهَرَبَت وإن تصورت فضله فرحت وطربت، وحسبك أن قوماً موتى تحيا بذكرهم القلوب، وأن قوماً أحياء تقسو برؤيتهم القلوب، سلام الله على تلك القبور، ورضوان الله على حشو تلك اللحود.
أماكن تعبدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية. زال التعب وبقي الأجر وذهب ليل النصب وطلع الفجر، وهم مع هذا لا يشاهدون سوى التقصير في حق سيدهم مولاهم.
ينادي واحدهم بلسان الخوف والرجاء قائلاً:
اعفُ عني وأَقِلْنِي عَثْرَتي ياعَتَادِى لِمُلِمَّات الزمن
لا تعاقبني فقد عاقبني ندم أقلق روحي من البـدن
ولقد اشتهر بقيام الليل كله سعيد بن المسيب وصفوان بن سليم ومحمد بن المنكدر المدنيون والفضيل بن عياض المكى وطاووس ووهب اليمانيان والربيع بن خثيم الكوفي ويزيد الرقاشى وحبيب العجمي ويحيى البكاء وكهمس ورابعة البصريون وخلق كثير لا يعلمهم إلا الله وما يضيرهم أن خَفَوا على أهل الأرض وعُرِفُوا عند أهل السماء، فتأسَّف يا جيفة اللحد وابك يا عريان الغفلة .
هذه طريقهم فأين السالك ؟!
لئن طَوَاهُم الفناء، لقد نشرهم الثناء وأين الأرض من صهوة السماء؟
رجال كحَّلوا أعينهم بالسهر وشغلوا خواطرهم بالفِكَر، وأَشْغَلُوا قلوبهم بالعِبر
نازلهم الخوف فصاروا والهين وجَنَّ عليهم الليل فرآهم ساهرين وهبت رياح الأسحار فمالوا مستغفرين، فإذا رجعوا وقت الفجر بالأجر، نادى منادى الهَجْر : يا خيبة النائمين.
قيل للحسن: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس
وجوهاً ؟!
قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
إخوتى وأحبائيّ فى الله
أيام ورمضان يتركنا... الا ننتهز الفرصة قبل الرحيل
لنعمل حتى يكرمنا الله ويجعلنا من عتقائه
أسأل الله أن ينفعنا بما نكتب وبما ننقل
وفقنا الله وأياكم الى صالح الأعمال
مواقع النشر (المفضلة)