بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد لا يكون الإنسان مغالياً ، أو مجافياً للحقيقة ،ولا متجنياً على الواقع ، عندما يسم إنسان هذا العصر بأنه يعيش حياة ضنكاً ، حياةبئيسة خالية في الغالب من بروق الفرح والمرح والمسرة والسعادة . إذ المتأمل فيماحوله ، ومن حوله ، يجد أن حياة الصخب ، والنَصب ، والتعب ، هي الغالبة وصفاً لحياة الكثيرين من الناس ، ولحظات الهدوء وراحة البال وخلوه في حياتهم نادرة .. نادرة . الغرور يملأ الأنفس ، والغطرسة تأخذ بالتلابيب ، وترتقي مؤشرات القوة المادية لكن بالمقابل تنحدر في خط نازل نزول مخيف مستويات الأخلاق . يغدق المولى جل وعلا على الإنسان نعمه فيزداد فسوقاً ونكراناً وجحوداً وكفراً .
أحضر إجتماع أي أسرة من الأسر _ هذا إن اجتمع أفرادها _ على مائدة غداء أو عشاء لتجد أن الأفواه مكممة ،والحوارات الأسرية شبه معدومة ، بل كأنها محرمة ، وإذا وجُدت فهي لا تجاوز الأمر والنهي مطلقاً والإخبار أحياناً ، الأنظار مشدودة إلى برامج تلفازية تافهة ،والعقول تسبح في عوالم أخرى ، الله تعالى وحده أعلم بسرائرها ، الابتسامات مفتعلة ،والأحاديث مكررة ومملة ، والتململ واضح ، تكشف عنه تعابير الوجوه وإيماءات الجسد وحركاته .
وزُر _ إن شئت _ أي مجلس من المجالس ، أو استراحة من الاستراحات، أو مقهى من المقاهي ، أو منتدى من المنتديات التي يلتقي فيها الناس ، وأصغ السمع جيداً ، لتجد أن الحوارات تدور حول التفكك الأسري الذي يكاد يعصف بالأسرة المسلمة ،والبطالة التي تبدد أحلام آلاف الشباب ، فرص العمل قليلة ، وفرص التعليم المتماهية مع متطلبات السوق أقل ، العنوسة يسقط في براثنها غير قليل من فتيات المجتمع ،والعزوف عن الزواج سمة من سمات شباب هذا الزمان بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف الاقتصادية لفتح البيوت ، التضخم المستمر يجعل من حصول الكثيرين على الكثير من السلع والبضائع والخدمات والاحتياجات الأساسية أمراً صعب المنال ، والتنافس على أشده بين الصغار والكبار للمشاركة في المسابقات الإعلانية والتسويقية التي تعقدهابعض الجهات والمؤسسات والشركات التجارية وتُطمع من خلالها الأغرار من الناس والطامعين في تحقيق أمانيهم بطرائق سهلة ولتحقيق سلع استهلاكية وتلبية احتياجات ترفية ، والنقد السلبي على أشده للحكام والوزراء والعلماء والمشايخ وأصحاب القرار .
وقم _ غير مأمور _ بفتح هذه الآلة السحرية المسماة بجهاز التلفاز في أي لحظة من لحظات الليل أو النهار لتجد أن الأخبار التي لا تسر هي ما ينهال على مسامعك ويفري فؤادك . احتقار للإنسان المسلم ووسم له بالإرهاب ، إهانة له وقتل وطرد وتشريد، في فلسطين ، ولبنان ، والعراق ، والصومال ، وأفغانستان ، والشيشان ، وكشمير وغيرها من بلاد العروبة والإسلام ، حروب واقتتال هنا وهناك ، جبروت وبطش واحتلال . انقلابات وثورات .
استعمار جديد مرتد للبوس العون على التقدم والتنمية والإنماء والتطوير ، وحماية حقوق الإنسان . مظاهرات لأناس يشجبون ويستنكرون أوضاعهم البئيسة ، مجاعات مهلكة ، براكين متأججة ، زلازل تدك الأرض دكاً ، وتخلف أشنع الخسائر في الأرواح والأنفس والممتلكات ، فيضانات مدمرة ، عواصف وحرائق تجتاح الأخضر واليابس ، وتقضي على كل أمل في حياة كريمة تليق بإنسانية الإنسان .
تعر قبيح ، رقص فاضح متشنج عبر مقاطع الفيديو كليب ، غناء ماجن مثير للغرائز من قبل مغنين متميعين ، ومغنيات يتلوين على المسارح على إيقاعات أفعوانية وحركات شيطانية تحت هالات وبقع ضخمة مبهرة من الضوء وعلى إيقاعات طبول ودفوف همجيةوموسيقى نحاسية صاخبة متسارعة لها إزعاج يصم الآذان ، ويشاركهن فيها ألوف الراقصين والراقصات كالأشباح يدورون ويتحركون حول المسرح بدون وعي وفي شبه غيبوبة .
مسلسلات وأفلام تراجيدية وكوميدية وبرامج تم إعدادها خصيصاً لتأجيج الغرائز الجنسية والقضاء على العفاف في الأنفس والفضائل في الديار ، أفلام وبرامج ومشاهد تبث الخوف والعنف والرعب ، ومشاهد تروج للفساد ، ولقطات تحض على الشذوذ ، وتبارك الانحلال والانعتاق من ربقة الدين الوسط والعادات الأصيلة المتجذرة في أعماق التأريخ .
ثم ، حاول أن تتصفح جريدة أو مجلة مما هو سائد وتتخطفه الأيدي هذه الأيام لتجد العجب العجاب ، انهيار في أسعار أسهم الشركات وصناديق الاستثمار ،وأنباء عن خسائر فادحة يتكبدها العامة لا سيما ذوي الدخل المحدود ، وما يستتبع ذلك من خلافات عائلية وانهيارات أسرية ، وتشنجات وأوجاع مؤلمة ، وربما وفيات مفاجئة من هول الصدمة .
متابعة مجنونة للأحداث الكروية المقامة على المستويات المحلية والإقليمية والقارية والدولية ، وإبراز لوقائع انتخابات مزورة لا تعبر عن نبض الشارع ولا حقيقة ميولات الشعوب ، وأخبار مخيفة عن سقوط أعداد كبيرة من أفراد المجتمع في ظاهرة تعاطي الدخان والمسكرات والمخدرات ، وازدياد معدلات الوفيات والعاهات الناجمة عن الحوادث المرورية ، وتفشي الأمراض القاتلة ، كالايدز ، والسرطان، وأنفلونزا الطيور ، وتنامي الأعراض الخطيرة لأمراض عضوية ونفسية غير معروفة العلة والأسباب ، أخبار تسد النفس عن تزايد معدلات البطالة ، والجريمة المنظمة ، والعنف ،والأمية الأبجدية والفكرية والتقنية ، والتخلف .
ومقالات وأخبار وتحقيقات صحفية عن جرائم لا يُصدق حدوثها في مجتمعات يُفترض أنها من أشد المجتمعات محافظة والتزماً بالدين ، اكتشاف لمصانع يٌحفظ فيها أطنان من عبوات المواد المسكرة ،وإحباط لعمليات تهريب كيلوات ( تصل أحياناً إلى العشرات والمئات ) من الموادالمخدرة والمنشطة والمفترة ، فساد أخلاقي يتضمن الاعتداء واختطاف الصبيان والنساءوالفتيات وعمل الفاحشة بهم وبهن ، كما يتضمن الاعتداء على المحارم ، وقطيعة الرحم ،وعقوق الوالدين ، خنا ، زنا ، لواط ، شذوذ ، اغتصاب ... الخ . فساد مالي ، ورشوة وشراء للذمم ، انتحار ، قتل ، إرهاب ، سرقة ، تزوير ، تزييف ، غسل للأموال ، غش تجاري ومالي ، تستر ، نصب واحتيال ، ربا ، تحرش ، ابتزاز ، إساءة استخدام بعض الأجهزة التقنية كالبلوتوث ، أو الكاميرا العادية أو الرقمية الخفية لهتك الأستار .
إعلانات تحرض على الاستهلاك ، عبوات من الكلمات المعسولة الجذابة الناعمة ،تخلط المفاهيم ، وتزيف الحقائق ، وتغير المعاني ، وتقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ،إعلانات فاضحة وبأساليب مبتذلة مكشوفة عن المقويات الجنسية وأدوية التجميل والتزين وتخسيس الوزن أو زيادته ، إعلانات عن صفقات مشبوهة ، وعن مشاريع زائفة وغير مشروعة، استخدام سئ لجسد المرأة وابتذال له في الإعلان عن كل شئ حتى ما لا علاقة للمرأة به ، و... الخ . وإن شئت ، فانتقل إلى المذياع وصف لي بالله معظم ما تبثه غالبية المحطات الإذاعية من مسامع .
أليست أغان وأشعار ذات كلمات ساقطة ، وموسيقى صاخبة ؟! أليست أكاذيب سياسية ؟! أليست أخاديع من القادة للشعوب ؟! أليست برامج حوارية تُكمم فيها الأفواه وتُغيب فيها الحقائق ويتحدث فيها مقدم البرنامج أكثر ممايتحدث ضيفه ؟! أليست مديحاً مذموماً ؟! أليست إشادة بمقولات أقوام يدعون إلى الحفاظ على حقوق الإنسان وجنودهم أكبر من يدوس على رأس هذا الإنسان ويحطم جسده لتكون أشلاءمتناثرة وينتهك إنسانيته ويزري بكرامته بشكل لم يسبق له مثيل ؟!أليست دعوات مشبوهة للتحرر والسفور والاختلاط والفجور؟!أليست كلاماً معسولاً عن الحرية ولاحرية ؟! وعن الديمقراطية ولا ديمقراطية ؟! وعن المساواة ولا مساواة ؟!
أليس بعض ما يبث لمضامين أكذوبة العدالة التي تعتمد ازدواجية المعايير وتكيل بمكيالين وتزن بميزانين ؟! ثم ، أنزل _ من فضلك _ إلى الشارع وتجول فيه ساعة من نهار أو ليل ، تجدأن صبياناً يدورون بلا هدف ويتسكعون انتظاراً للاشى ، وشباب بسياراتهم ينهبون الشوارع نهباً ويمشطونها تمشيطاً بحثاً عن مجهول ، يفحطون بسياراتهم بأساليب قاتلة لهم ولغيرهم ، ينتهكون حقوق الطريق ويضايقون المارة ، خاصة الفتيات والنساء .
ونساء يتجولن مع سائقيهن وتلحظ من حركات أيديهم وأجسادهم أنهم يتبادلون في خلوتهم أحاديث الله أعلم بحقيقتها ويسيرون إلى مقاصد الله وحده العالم بوجاهتها . وشباب يطاردون بسيارتهم هذا النوع من السيارات التي تُقل عوائل يقودها سائقين ،حركة دائبة في الليل والنهار لكنها قليلة المردود عديمة الجدوى . إعلانات تحرض على الاستهلاك ، عدم عناية بالمرافق العامة ، انتهاك لأنظمة السير والمرور من خلال الوقوف في الأماكن الخاطئة ، وقطع إشارات المرور ، واستخدام منبهات السيارات حتى في الأماكن الممنوع فيها استخدامها ، رفع متعمد لأجهزة التسجيل التي تبث الأغاني التي تدغدغ المشاعر وتؤجج في الأنفس أحاسيس الحب الكاذب وأخاييل الهيام والغرام والحرمان، تجاوز لتعليمات الصيانة والنظافة برمي المخلفات على قارعة الطريق وتحطيم الأرصفة وكسر الأشجار واللوحات الإرشادية وسحق الأزهار وتلطيخ الجدران بالعبارات السوقية والكلمات المنحرفة التي تنم عن حمق أصحابها وجهلهم وتفاهة اهتماماتهم ورداءة تفكيرهم .
ثم حاول أن تذهب إلى سوق من هذه الأسواق التي من الله تعالى علينا فيها بكل الاحتياجات ، لتجد عمالة أجنبية مسيطرة على القرار التجاري تحت غطاءوستار أسماء محلية ، منتجات مستوردة من كل أصقاع الدنيا تخشى أشد خشية من عدم التمكن من الحصول عليها في حال حدوث حرب أو نزاع دولي بين بلدك ودول الاستكبار والجور التي لا تبالي بتجويع الشعوب المسلمة في حال الاختلاف مع قادتها ، غياب واضح للمنتج الوطني . أنظر لترى سفور النساء وتبرجهن من خلال كشفهن عن أجزاء من أجسادهن حث الدين والعرف على سترها وتعطرهن وتطيبهن وتزينهن ومشيهن في الطرقات بتكسر وتغنج وخروجهن من بيوتهن بدون أسباب وجيهة ولا لتحقيق غايات مرتجاة ، وانظر لتشاهد الأساليب التسويقية الفجة المحرضة على الاستهلاك وترويج المنتجات والتشجيع على امتلاك الكماليات ، لاحظ صراخ الباعة ، وكذبهم في وصف الأشياء ، وتغطية العيوب ،والغش في العلامات التجارية ، والحلف الكاذب لترويج السلع ، والمغالاة الفاحشة في الأسعار ، واستغفال الزبائن ، وبيعهم الأشياء المحرمة والممنوعة ، والتحرش بالمتسوقات من قبل بعض الباعة .
راقب مطاردة الصبيان والفتيان ، وحتى بعض الراشدين ، المتسوقين للفتيات والنساء بهدف مغازلتهن والإيقاع بهن في حمى الرذيلة ،تأمل في تباهي من حولك بأجهزة المحمول الخاصة بهم وإساءة استخدامها من قبل البعض ببث مقاطع البلوتوث الخادشة للحياء والمحرضة على ارتكاب الرذيلة ، فكر في أسباب تسكع الكثيرين ، رجالاً ونساءً ، فتياناً وفتيات ، فلا تجد إلا أن الهدف تزجية أوقات الفراغ وقتلها واستنزاف أحلى سني العمر ، لاحظ تضييع الناس لأهم عبادة ،الصلاة ، استمع إلى الكلمات الساقطة التي يتم تبادلها أحياناً بين الشباب ، لاحظ عدم التحفظ من إطلاق البصر ، أمعن النظر في أسباب إقبال الكثرة الكاثرة على التدخين ... الخ .
وحتى عندما تذهب إلى بيت من بيوت الله تعالى ، تجد أن المسجد لم يسلم من عبث العابثين ، إذ بينما أنت واقف بين يدي ربك تناجيه وترجو عفوه وصفحه ورحمته ينتشلك من استغراقك صوت بشري يغني ، أو مقطع موسيقي منبعثان من جوال أحد الواقفين مثلك أمام ربهم ، وتخشى أن يُخسف بك وبمن حولك أنت الذي إلى وقت قريب كنت تلحظ استغراب المصلين ممن يطري الدنيا خلال مكثه في المسجد ، وبحزن تسأل نفسك : أين مناجاة الرب تبارك وتعالى بكلمه الطيب من هذه الأغاني والمعازف التي يؤكد كثير من الراسخين في العلم على أن الاستماع إليها عموماً حرام . فكيف إذا كان ذلك في بيت من بيوت الله جل وعلا وأثناء أداء أهم العبادات الموصلة لرضاه ؟! الكل ، إلا من رحمه الله تعالى ، لاه ، ساه ، سادر في غفلته ، شارد الذهن ، مطيل للأمل ، غير متفكر في العواقب ، تخشى أنه ينطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى في الآية ( 124 )
من سورة طه : " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى " .
الكل يصرخ ، الكل يبكي على ليلاه ، الكل يصفق ، الكل يتلوى ، الكل يرقص رقصة الموت ،الكل يشتكي من سوء الحال . الكل مستعجل ، يلهث ، يرغب في العب من كل شئ ، ويطمع في الغُنم من كل شئ بدون حساب . وقليل من الناس من يلوم نفسه ، ويحاسبها ، ويردها إلى القليل ، ويأطرها على لزوم الحق ، وأقل من يعمل مستحضراً أن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل . ونادر من يفكر فيما بعد الموت ، ومن يستعد للقاء ربه ، وأكثرندرة من يفكر في أن بعد هذه الحياة خلود في نعيم الجنة أو في شقاء النار ، قليل من يسأل عن أسباب هذا الإنحدار ، وعن أسباب هذا التحول المخيف .
مطاردات خفية وظاهرة من الأرض والجو ، الهدف منها إعادة تشكيل أفكارك وصياغة وعيك ، وزلزلة نفسك، ومحو مثلك وقيمك ، وتبديل قناعاتك ، صناعة للغيبوبة ، وغزو للعقول ، ومحاولات محمومة للاستيلاء على الفكر ، وجهود لا تكل ولا تمل للتحكم فيك عن قرب وعن بعد ،وللسيطرة على وجدانك ، وامتلاك روحك .
وأنت لا تملك أحياناً عندما تسمع وتقرأ وتشاهد إلا أن تحاول أن تحافظ على دينك وعقلك ، وأن لا تفقد اتزانك ، وأن لاتصبح جزءاً من فسيفساء هذه الصورة المشوهة ، وهذا العالم اللاواعي ، وهذا السباق المحموم نحو الانحدار ، والصعود المذموم نحو الهاوية .
ثم لما تعمل الفكرتجد أن السبب الرئيس لهذا البؤس يكمن في توافر الإنسان على الاحتفاء بهواه ،وبالابتعاد عن الله تعالى والاقلاع عن الإيمان به حق الإيمان ، وتسليم زمامه وقياده لل***** الذي بداخله ، والإنسياق الأعمى وراء شهواته وملذاته ، والاستسلام التام لغرائزه ومتعه ، والغرق في نعيم الدنيا وشبهاتها والتشبث بمادياتها وأشيائها الزائفة الزائلة ، وبشكل عام إعراضه عن ذكر الله تعالى والايمان به والتخلق بما جاءفي دينه الحنيف وشرعه المطهر .
ولا أحد محصن ضد هذا الخطر ، أو يقف بمنأى عن أضراره ، بل الجميع _ وبدون استثناء _ مستهدفون ، والمطلوب أن يحمي الإنسان نفسه من تجرع عقارات الغيبوبة السحرية . المطلوب أن يمنع تغلغلها في عروقه وتسللها إلى دورته الدموية .
والحل بات معروفاً ، وسبيل النجاة من الوقوع في هذاالمستنقع سهل سلوكها لمن يسر له الله تعالى ذلك . الحل يكمن في أن يسعى الإنسان إلى اكتشاف نفسه وطبيعته ، والتعرف على ما لديه من كنوز ومواهب ونعم . الحل يكمن في الإرتماء في الواقع لسبر أغواره والتعلم من تجاربه ، والإحتكاك بالناس والتعلم منهم ومعاملتهم بحب والصبر على ما قد يخلفه ذلك من آلام وخيبات وعذاب ، الحل يكمن في الهروب اللذيذ إلى التدين الوسط والتحلي بالأخلاق السامية المنبثقة منه وإعمالها فيكل شأن من شئون الحياة .
الحل أن يحرص كل منا على قراءة الكلمة الطيبة ،وعلى سماع العبارة المفيدة ، وعلى مشاهدة المشهد النظيف .. أن يحرص على فرز السمين من الغث ، وانتقاء الصالح من الفاسد .. أن يسعى ما وسعه الجهد للاستفادة من معطيات الأدوات التقنية وغير التقنية التي من الله تعالى بها عليه ، فيستخدمها لتكثيرالخير وتقليل الشر ، لإعلاء البناء ومنع الهدم ، للمشاركة في جهود الإصلاح ومقاومةجهود الإفساد . فهيا نبدأ جميعاً رحلة اكتشاف الذات إن لم نكن قد بدأناها بعد ، هيانتأمل بعين البصر والبصيرة والحكمة في الجمال المبثوث عبر كتاب الله تعالى المفتوح، الكون ..
هيا بنا نشارك في الجهود الرامية إلى توجيه العالم وبنائه على مبادئ ومثاليات وقيم الإسلام الذي ينازع كل الأديان والملل والنحل والمذاهب ويطلب لنفسه موقع متقدم في توجيه حركة الحياة .. الإسلام الذي يريد أن ينهض بالعلم والمخترعات والاكتشافات إلى جانب المحافظة على إقامة العبادات والمعاملات .. الإسلام الذي يشارك أهله في إطلاق السفن والمركبات الفضائية إلى الكواكب الأخرى ،الذي يسهم أهله في التقدم العلمي بكافة مجالاته ، من زراعة لأعضاء الموتى فيالأحياء ، إلى زراعة الأرض بالميكنة ، ومضاعفة المحصولات بأحسن استخدام تقنيةالهندسة الوراثية ، وصناعة الراديو والتلفزيون والجوال وجهاز التسجيل وأجهزة الكمبيوتر والانترنت وأدوات بث ونشر المعارف والعلوم والمعلومات والسيارة والطائرة والقطار والباخرة ... الخ المخترعات التي يسرت الحياة على الأحياء .
الإسلام الذي يريد أن يشق نهراً ثقافياً آخر ويرسخ نماذج أخرى من الثقافةوالفن والأدب والفكر ويرسي قيماً أخرى في التعامل بين الناس والشعوب والحكومات والأمم غير تلك التي يروج لها الزعماء الراغبين في فرض أدوات العولمة المنبثقة من نمط ثقافي غربي مختلف على كل أحد .
الإسلام الذي يعلي من شأن الإنسان وال***** والنبات والجماد ، ويعد من مقومات التعايش بين أهله المحبة والمودة والرحمة والتسامح والعفو والصفح والحرية والعدل والإنصاف والشورى والتكافل الاجتماعي والرعاية الحقة لحقوق الإنسان .
الإسلام الذي يحظ على التعرف على النفس وعلى الأحياء والإحاطة بالكون ، ولا يقتصر اهتمامه على صلاح الفرد ، وإنما تمتد جهوده إلى العناية بصلاح المجتمع وكل الناس .
هيا بنا نفر إلى الله العلي القدير ، حتى نسعد برضاه جل وعلا في الدارين . ويا لسعادة الفائزين ، برضاه .
م/ن
الإسلام اليوم
مواقع النشر (المفضلة)