السـدر
الدكتور/ أحمد سعيد قشاش
قال أبو حنيفة: ( السدر شجر النبق، واحده سدرة، وجمعها سدر وسدور، الأخيرة نادرة.
قال أبو زياد: السدر من العضاه، وهو لونان: فمنه عُبريُّ، ومنه ضالٌ.
فأما العُبري: فما لا شوك فيه إلا ما لا يضير.
وأما الضَّال: فهو ذو شوك، وللسدر ورقة عريضة مدورة في عُبريِّة وضالة، وشوكة الضال حجناء حديدة.
قال: ونبق الضال صغار وتسميه بعض العرب الدَّوم، وشجره دانٍ من الأرض).
* السدرة: شجرة عظيمة معمرة، من أهم أشجار جبال السراة والحجاز، وأوسعها انتشاراً، تنبت على ارتفاع قريب من مستوى سطح البحر، وتعلو في السهول والجبال حتى ارتفاع 2500م.
وهي كما ذكر المتقدمون نوعان:
* الأول: (العُبري) وأكثر منابت هذا النوع بطون الأودية الرطبة حول المياه الجارية، أو الجوفية القريبة من السطح، وربما نبت في سفوح الجبال وفروعها العالية، وهو في الأغوار وبطون الأودية المنخفضة شرقي جبال السراة أضخم وأكثر ارتفاعاً منه في السفوح أو الفروع العالية.
يقوم هذا النوع على جذع ضخم، غاية في الصلابة، ذو لحاء بُني اللون ضارب إلى السواد، معلَم بأخاديد خشنة طويلة، بارتفاع قدره 5-10م. ويتفرع إلى أغصان كثيفة على هيئة القبة الكبيرة، وعنها يتفرع أفنان صغيرة تتدلى بكثافة نحو الأرض، والأغصان العتيقة بُنية اللون مغبرة، أو بنية ضاربة إلى السواد، والحديثة بنية مصفرة، والأحدث خضراء مغبرة يكسوها أشواك زوجية قصيرة، قليلة الضرر، تخرج مع قاعدة معلاق الورقة، وربما تجردت تماماً من أشواكها إن نبتت على ماء، والأوراق بيضاوية متطاولة، قاعدتها متغيرة من مدورة إلى شبه قلبية، تامة الحواف، وربما مسننة على نحو دقيق يميزها ثلاثة عروق صُفر، تبرز بوضوح على ظهر الورقة، وبنحو أقل على وجهها، أزهارها صفراء اللون مخضرة، صغيرة الحجم، تخرج على أفنانها الصغيرة، على هيئة عناقيد إبطية، ولها عند إزهارها رائحة عطرية تفوح في الأرجاء الواسعة، ويختلف موعد إزهار هذا النوع بحسب منباته، فما نبت منه في أودية السفوح الشرقية، فأزهاره تظهر أواخر فصل الصيف إلى منتصف الخريف، ويتأخر ظهورها إلى أوائل فصل الشتاء في سدر تهامة، ويعقبها ثمار لحمية كروية الشكل، تظهر خضراء ثم صفراء، وعند نضجها تتحول إلى اللون البُني المصفر، ثم إلى البُني الغامق عند تناهي النضج، وهي حلوة الطعم، ذات رائحة طيبة، وقد يكون من ثمر العبري ما طعمه عفص مزز أو حامض الطعم، وتحتوي الثمرة على بذرة واحدة شبه صلبة، بُنية اللون.
* النوع الثاني: فهو (الضَال): وأكثر منابت هذا النوع السفوح الصخرية، وأطراف الحقول الزراعية، وجوانب الطرق، وبطون الشعاب، وربما نبت إلى جوار العُبري في بطون الأودية الكبيرة، على ارتفاع 600-2500م.
يرتفع الضَال عن الأرض قدر 2-5م، وذلك على ساق يتفرع عنه أغصان شائكة كثيفة دقيقة، شديدة التعرج، تغطي الساق في الغالب من أسفله إلى أعلاه، فيصعب التعامل معها، أو الولوج من تحتها، يظهر الساق القديم بلون أسود مغبر، وأما الأغصان الفتية فتظهر بلون أبيض مخضر، ثم أبيض مصفر، ومن هنا سُمي هذا النوع من السدر (بالأشْكَل) أيضاَ، لما كان عوده على لونين.
* والأشكل عند العرب: كل لونين مختلطين، ومنه أشكل عليه الأمر إذا اختلط.
* وقد وصفه أبو حنيفة بقوله: ( أخبرني بعض الأعراب أن الأشكل شجر (العُنَاب في شوكه) وعقف أغصانه، غير أنه أصغر ورقاً، وأكثر أفناناً، قال: وهو صلب جداً، وله نُبيقة حامضة شديدة الحموضة، ومنابته شواهق الجبال، وتتخذ منه القسي، وإذا لم تكن شجرته عتيقة متقادمة كان عودها أصفر شديد الصفرة، وإذا تقادمت شجرته واستحكمت، جاء عودها نصفين: نصفاً أصفر شديد الصفرة، ونصفاً أسود شديد السواد).
* وقال ابن دريد: ( الأشكل : السدر الجبلي، فأهل الحجاز ومن حولهم يسمونه الضال، وأهل الرمل من بني سعد ومن جاورهم يسمونه الأشكل) وهذا دليل على أن (الضَال والأشكل) شيء واحد.
وعود الضَالة أو الأشكلة قوي رزين، ولاسيما النبات منها في الشواهق الباردة، وأشواكها حادة كثيفة غالبة على أوراقها، إذا علق بها شيء صعب تخليصه، تخرج أزواجاً متقابلة، شوكة معكوفة نحو الأسفل، يقابلها في الغالب شوكة مستقيمة على نحو أفقي، ورأيت أنواعاً من الطيور تبني أعشاشها بين هذه الشجرة، فتوفر لها ملاذاً آمنا، والأوراق بيضاوية شبه مستديرة، أصغر كثيراً من أوراق العُبْري، والأزهار بيضاء صغيرة مخضرة، ثم بيضاء مصفرة، وتظهر الثمار خضراء مشوبة بحمرة من الجهة المقابلة للشمس، ثم تصفر إلى حمرة قليلة، وعند الإدراك يتحول لونها إلى البُني الغامق، وهذه الثمار أصغر من ثمر السدر العُبري، وطعمها حامض إلى مُر.
ومن (الضَال) ما له ثمر حلو، أو شديد الحلاوة، وأراه (العُبري) نفسه ينبت شكعاً متعرجا، كثيف الأشواك، إن نبت في السفوح بعيداً عن المياه فهو العُبري، فأراه الضال أو الأشكل نفسه، يعظم كالعُبري إن نبت على المياه في بطون الأودية.
* يؤيد ذلك قول الأصمعي: ( ومن شجر الحجاز ..السدر، فما كان برياً فهو ضال، وما كان ينبت في الأنهار فهو عُبري) وعود الضال أو الأشكل قوي رزين، ولا سيما النابت منها في الشواهق الباردة، يتخذون منه العصي والهراوي الجيدة، وحطبه وقود جيد، وربما استعملوه كالعبري فسقفوا به المنازل، واتخذوا منه الأبواب والنوافذ، وصنعوا منه الصحاف والرحال، وخلايا النحل، ومهاريس يدقون فيها الحبوب ونحوها، وربما دقوا فيها البارود، ولكنه معها خطر سريع الاشتعال، وربما أحدث وفاة أو عاهات مستديمة.
* وكان أهل الخبرة من أهل السراة: يحذرون من استعمال مها ريس السدر في صناعة البارود، ويتخذون من أعواد الضال خاصة زرائب للأغنام، وسياجات للمزارع يصعب اقتحامها، وفي ديار بني عمر يستخرجون من أجواف جذوعها المعمرة الخالعة جذاذاً، تطبخ فيتحلل منها صبغ أحمر تصبغ به الثياب، يسمونها الثياب المصبغة، ويعلق منها بالثياب رائحة طيبة تدوم طويلاً.
* وفي تهامة خثعم: يشرب النساء مغلي الجذور لمنع الحمل، وأوراق السدر من المراعي الجيدة للإبل والغنم، تسمن عليه وتصح، وتهرس أوراق العُبري خاصة، وتستعمل في كثير من جبال السراة والحجاز لتنظيف الجسد، وغسل الشعر وتنعينه، وتنظيف فروة الرأس، والنساء على ذلك أحرص.
* وتطبخ في جبال الفقرة: ويشرب صفوها لعلاج أمراض البطن، كالمغص ونحوه، ويُغتسل بها في بواط والكويرة، ونواح أخرى من ديار جهينة لعلاج بعض أنواع الحساسية الجلدية.
وإذا أزهرت السدرة بنوعيها فإن النحل يجني من رحيقها عسلاً وافر لذيذا، هو أشهر أنواع العسل الذي تنتجه مناحل السراة، ومن أغلاها ثمناً، يستعمله الناس علاجاً لكثير من أمراضهم، ولا سيما أمراض الجهاز الهضمي كالقرحة والتهاب المعدة ونحوها، يشربونه على الريق مذاباً في ماء فاتر، وكذلك يشربه بعض الرجال لزيادة مقدرتهم الجنسية، وعسل سدرة الأغوار أرق قواما، وأشد حلاوة من عسل السفوح الشرقية، لونه أصفر محمر، فإذا تقادم عليه العهد ثقل وزنه، وتغير لونه إلى الأحمر المسود، ولثمر هذه الشجرة أهمية غذائية كبيرة، وقد كان الناس في أزمنة الجوع الخالية يعيشون الأيام الطوال تحت أشجار السدر وليس لهم طعام آخر سوى ذلك الثمر، وقد ترحل أسر بجميع أفرادها من مسافات بعيدة إلى حيث الأودية التي تنبت السدر المثمر بكميات كافية، ومن أشهر تلك الأودية:
وادي الخيطان من تهامة خثعم، ووادي خاط من تهامة بني شهر، ووادي صبيا وهروب وبيش من مطقة جازان.
* وفي معظم جبال السراة: يسمون ثمر السدر، أياً كان نوعه، النبق بفتح الأول وكسر الثاني.
* وفي جبال الحجاز: ( النبْق) بكسر الأول وإسكان الثاني، وهما لغتان.
وسمع من بعض العوامر من تهامة خثعم يسمونه ( اليَنَى) بإبدال الياء من الجيم.
* وفي جبال الحيمة اليمنية ونواح أخرى من جنوب اليمن: يسمونه ( الدَوْم) وربما سموا السدرة نفسها دوماً باسم الثمر.
* وفي نواح من منطقة جازان وشمال اليمن: يسمونه ( الكيْن) وكل ذلك استعمال عربي فصيح.
والدوم أيضاً: اسم لشجرة من الفصيلة النخلية، سبق الحديث عنها، وشاهدت الناس بدءا من تهامة خثعم إلى تهائم اليمن وسرواته يتعاهدون هذه الشجرة بالتشذيب والتهذيب، فتعود أكثف أغصانا وأغزر ثمارا.
* وفي سروات اليمن: يفعلون ذلك بنوعي السدر ضاله وعُبريه، ولم يوجد أحداً من أهل السراة والحجاز يفرقون في التسمية بين النوعين، بل يسمونهما جميعا السدر، مع إدراكهم الفرق الواضح بين النوعين، وسمع أنهم يجمعون السدر على ( سُدور) وتقدم في كلام أبي حنيفة أنها نادرة، وفي الجُنش من أغوار بني عمر يسمون السدرة الصغيرة من الضال ( الشَعَكة ) قلبوه من الشَكعة، وأهل غامد الزناد يسمونها ( الشَقحة) كأنهم أرادوا الشكعة فأبدلوا لقرب المخرجين.
* وفي جبل شدا الأسفل: تسمى ( الشبحة) محرفة فيما يظهر من السابقة.
* وفي جبال الحجاز: يسمونها ( السيْدُور).
* وفي جبال مدين: يسمونها ( العُليق) أخذوه من فعل أشواكها كما تقدم.
* وفي جبال الريث: يسمونه ( اللَّز) وهو في لغة لزوم الشيء بالشيء وشدة التصاقه به.
* وفي نواح من تهامة عسير: يسمونها ( العُرمض) أي اسماً لكل شجرة صغيرة شكعة شائكة.
* قال أبو حنيفة: ( العرمض: شجر من السدر صغار لا يكبر، ولا يسمو، وشوكه أمثال مناقير الطير، وهو أصلبها عيدانًا، وأعتقها قوساً. وقد وسمعت ذلك أيضاً من بعض أعراب السراة، قال: وهو سدر قمئ جعد، يريد بالجعد الكز غير السبط) .
* وفي جزيرة سقطرى: يسمون هذا النوع من السدر( الآكش) فيكون أصله (العكش) وهي صفة العربية تطلق على النبات الكثير الملتف، أو الكثير الشوك كالشكعة، ويسميه آخرون (العُبري) ويسمون الثمر (جرْهم).
وهناك نوع آخر من السدر يسمونه (حَيْضيت) ونطقه آخرون ( حَيبض) وثماره غاية في الحلاوة، يحرص الناس على أكلها.
* وفي الجبل الأخضر شمال عمان: نوعاً آخر من السدر البري: يسمونه (القصم) وهو قليل الأشواك.
* وفي جبال الريث وأعالي جبال فيفا: نوعاً آخر يسمونه ( الشدان) وهي لغة قديمة في السدر عزاها أبو عمر الشيباني لأهل تهامة وكذلك في بعض أقاليم جنوب اليمن.
* وفي جبال الريث: يسمونه ( عرج قاني) .
* ( العرج): وهو واحد من ثلاثة أسماء مروية عن السلف يعرف بها السدر في جنوب المملكة واليمن وهي: (العَرج، والدوم، والعلب)، ينبت هذا النوع على ارتفاع 1500م، ويرتفع نحو7م، ولهذه الشجرة أوراق ناعمة تشبه أوراق الشبارق حجماً وهيئة، وأزهارها صفراء مخضرة تشبه أزهار السدر، وثمارها في حجم النبق أو أصغر قليلاً، تظهر خضراء مشوبة بحمرة على هيئة عناقيد العنب ثم تصفر، وعند النضج تؤول إلى الأحمر ثم الأرجواني القاتم أو اللون البُني المسود، وطعمها مر عفص.
* وكذلك في تهامة عسير وأهل شرق منطقة جازان: يسمون شجرة أخرى من الفصيلة السدرية أيضاً ( النُكُر) وهي شجرة ورقة، كثيفة التفرع، ترتفع نحو5م، أوراقها واضحة التعريق، تشبه أوراق الضال، لكنها أكثر استطالة واستدارة منها، أزهارها صفراء مخضرة تشبه أزهار السدر، تظهر خضراء مغبرة، ثم تصفر عند النضج وتؤكل، وفي داخلها لب لزج شبه شفاف يغلف الثمرة وطعمها لذيذ لا يشبه طعم ثمر السدر، وعود النكر أحمر ضارب إلى السواد، وهو صلب جدا، كان أرباب النحل من جبال فيفا يتخذون منه الخلايا التي يشيدون عليها جدران المنازل، فتدوم آماداً طويلة.
مواقع النشر (المفضلة)