السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مقالٌ رأيت فيه وصفاً لواقع العملين الفنيين أراه كتب على علم و دراية بما يقدم في العملين بخلاف كثير من المقالات التي تطرقت لنفس الموضوع قدحاً و مدحاً جاهلة بالعملين و تفاصيلهما
بين طاش ما طاش و باب الحارة
جذب المسلسل السوري الشعبي "باب الحارة " كثير من المشاهدين ، و صار له شعبية كبيرة منذ جزءه الأول ، بل لا أبالغ إن قلت منذ حلقاته الأولى ، هذا المسلسل يصور حياة شامية جميلة ، بما فيها من ستر و فضيلة و عفة " بانت من خلال لباس النساء و هن خارج منازلهن و في الأسواق و محاذاتهن للجدار أثناء سيرهن و خفضهن لصوتهن أثناء حديثهن مع الرجال و حتى في بيوتهن و عدم دخول الشاب لمنزله الا بعد الاستئذان و التأكد من عدم وجود ضيفة أو زوجة أخ أو أي امرأة أجنبية و غيره " ، و أدب " من خلال تعامل الأخوات مع إخوانهن و الأبناء مع آبائهم " ، و حمية و شجاعة و جهاد و قوة " و هذه بانت في مواقف ملأت المسلسل "، و كرم و تدين " و بان جلياً تسليمهم لأمر الدين الذي كان يبينه لهم شيخ الحارة و القاء السلام و كثرة ذكر الله " ، و تآخي و بر للوالدين و إحياء مسألة القيادة و الزعامة و الالتفاف حول القائد و تجسدت في زعيم الحارة و من حوله و بان كذلك حسن الجوار ، رغم أننا نعلم أن بعض العادات السيئة الموجودة في الواقع السوري " الشامي " تم تجاهلها في هذا المسلسل و غيبت ، و كان من أهداف المسلسل كما اتضح للجميع تقديم صورة جميلة عن الشعب السوري ، و قد تم ذلك.
و حتى لا نجحف أحداً حقه ، تم نقد بعض العادات السيئة و المنتشرة في كل الشعوب في هذا المسلسل أعني باب الحارة و لم يتم تخصيصها للعب السوري كالتجسس و السرقة و تسلط الرجل على المرأة في بعض الاحيان ، و لم يطعن في ذات الشعب الشامي أبداً أو حتى جزء منه ، و لم تربط صفة سيئة به قط.
فكانت الثمرة أن أحيا هذا العمل الفني هذه المبادئ في نفوس كثير من الناس بعد أن قُتلت ، و جددها بعد أن بلت ، بشهادة أهل البلد.
و حاز على رضا كثير من الجماهير ، ليست الشامية فقط ، بل حتى الخليجية و المصرية
و تابعته جماهير أكثر بكثير من تلك التي تابعت غيره من المسلسلات التي ربما ينفق عليها أكثر منه بكثير.
و رغم الإمكانيات البسيطة التي بانت واضحة للمشاهد في هذا المسلسل من خلال ساحة العمل البسيطة إلا أنه قدم مادة رائعة جداً من قصص و حوارات و أحداث.
في الجانب الآخر ... بعيداً بعيداً
يجلد سفيهان نكرتان أنفسهم بذنب أتان حمقاء و جدها كبيرهم موقوذة متردية نطيحة أكل منها السبع في أرض جدباء لا نبت فيها و لا ماء.
الكل يعلم أن طاش ما طاش نهج نهجًا مختلفاً تماماً لما تولى الأمر فيه المخرج عبد الخالق الغانم بعد أن كان مخرجه عامر الحمود.
لقد أكثر من التبرج مستعيناً بممثلات غير سعوديات على أنهن من نساء البلد حرسهن الله و شتان ما بين السماوة و السماء.
فأبدعن أبعدهم الله من رحمته بالمطالبة بقيادة المرأة و الاستهزاء بغطاء الوجه و رفض مسألة المحرم و خدمته لها.
و لو لا المروءة لذكرت أسمائهن حتى يتبين الأمر لك عزيزي القارئ.
صار شغله الشاغل هو و سفيهاه الطعن بالدين و البلد ، موهماً أهل السذاجة من متابعيه على أنه ينتقد و يريد الإصلاح.
أوجد التخنث و التشبه بالنساء مما لا نراه على بعض القنوات الأجنبية التي تبيحه.
و ما حصل من لمسات و مداعبات و إيحاءات قبيحة مما لا يرضى به ذو شرف أن يعرض في منزله
و كان ثمة حلقات صريحة تستهزئ بالدوائر الحكومية و رجال الدولة و موظفيها و الشريعة التي تحكم بها و أمرائها و تجارها تولد فجوة كبيرة بين القائد و المقود ، و توحي للمشاهدين أنه ما ثمة حل للإصلاح و أن الأمر يسير إلى الأسوء دون إيجاد حل لما يطرح أو إيجاد بدليل لما هو غير مرضي.
صُورت المرأة السعودية على أنها إمرأة ساذجة محرومة من ظل الرجل قبل صورته التي لا تراها إلا في الاحلام تارة ، و على أنها متحررة من الشرع و عاداتها و العرف منفتحة متبرجة همها جذب الرجال تارة أخرى.
و كأنهم يرسمون للمرأة هذا الطريق الأعوج لتسلكه
و اتسهزؤوا بكل أبناء البلد و بكل اللهجات و العادات و القيم
و حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يشوهوا صورة الدعاة إلى الله ، بل تطاولوا إلى أن يصل الأمر بهم أن يعتدوا على صورة الداعيات إلى الله بالطعن بعرضهن ، و أنهن منافقات ، و أنهن يحرضن الزوجات على الأزواج، و همهمن الأكبار البحث عن الرجال.
و لم يتركوا كبيرة و لا صغيرة إلا خدشوها في مجتمعنا المسلم الفتي الذي لطالما تشبث بدينه و عاداته سنين و سنين.
لم يعد هذا العمل مجرد لحظات كوميدية يعيشها الشارع السعودي فيبتسم ، بل هو معول هدم لجدار يقصف ، و سوسة تنخر في جسد يطعن من ظهره ، و سموم يحقن بها جسد مقعد
لا يخفى على ذو عقل حاجتنا لإحياء التفاؤل في أبناء الوطن لا بث روح الهزيمة و اليأس و الاستهزاء به.
و ما أحوجنا لإيقاف أمثال هؤلاء السفهاء و الأخذ على أيديهم لا سيما و نحن في وقت أحوج ما نكون إليه مقابل هذه التحديات و التعديات على وطننا الحبيب إلى جمع الكلمة و لم الشمل و مداواة الجروح و إصلاح ما فينا من أخطاء بأنفسنا لا بعرضه على المجتمعات الأخرى بما فيها من حاسد و حقود و متربص كأنه فساد جبلنا عليه لن يتغير و لن نتغير ما حيينا
أي جيل هذا الذي سينشأ على الصورة التي يقدمها له طاش ما طاش و هي بلد مهزوز أجوف ملؤه المشاكل الاجتماعية و الإدارية و الدينية ؟
و لا حول و لا قوة إلا بالله
مواقع النشر (المفضلة)