الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد كثرت في هذا الوقت الأقوال بحرية الرأي، والرأي والرأي الآخر وأنها لا تصادر الآراء وأنه لا وصاية على الناس في آرائهم وأن الحق ليس حكراً على أحد إلى غير ذلك مما تعج به الصحف والمقالات .
ونحن نقول : ان الناس كلهم عبيد لله -سبحانه- تجري عليهم جميعاً أحكامه القدرية والشرعية فليسوا أحراراً بمعنى أنهم لا يحاسبون على أخطائهم ولا يعاقبون على تجاوزاتهم ولا يثابون على حسناتهم.قال تعالى :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }.
وحرية الرأي إن كان يراد بها أنهم يقولون ما يشاءون دون ضوابط شرعية ومقاييس عقلية فهذا قول باطل لأن الإنسان يحصى عليه ما يقول ويحاسب عليه .
قال تعالى :{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ، وقال -جل في علاه- : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا }.
وقد توعد الله الكفار والمنافقين على مقالاتهم الكفرية وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- :
" وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " .
ولا يعفى عن مقالاته إلا المجنون والصغير والنائم كما في الحديث وكذلك المكره فإنه لا يؤخذ على ما أكره عليه كما في قوله تعالى:
{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ } ,
فإذا تكلم المكره بكلمة الكفر مكرهاً عليها فلا إثم عليه إذا قصد بها دفع الإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان كما حصل لعمار بن ياسر - رضي الله عنه - أما من تكلم بكلام الكفر وهو عاقل غير مكره فإنه يرتد عن دين الإسلام فيستتاب فإن تاب وإلا قتل ، قال الله تعالى :{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }, وقال تعالى: { وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ }.
والمرتد بهذا وغيره من أنواع الردة يقتل بعد الاستتابة حماية للعقيدة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من بدل دينه فاقتلوه " وكان ولاة أمور المسلمين يقتلون المرتدين عملاً بهذا الحديث وحماية لعقيدة المسلمين.
والذي يتولى الحكم عليه في مقالاته وأفعاله الكفرية هوالمحاكم الشرعية لأن ذلك من اختصاصها , وأما إن كان المراد بحرية الرأي الاجتهادي في مسائل الفقه التي تستنبط من الأدلة الشرعية ممن هو أهل للاجتهاد وهم العلماء الراسخون فهذه الحرية لها وجه في حدود احتمال الأدلة لها قال -صلى الله عليه وسلم-:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد "، وإذا ظهر الدليل مع أحد الأقوال وجب الأخذ به وترك القول الخطأ قال تعالى:{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } , وإذا لم يظهر الدليل مع أحد الأقوال في المسألة.
وهناك من يقول لا يحكم على أقوال الناس وأفعالهم مهما بلغت من الكفر والشر حتى تعرف نياتهم ومقاصدهم وعلى هذا فلا يحكم على أحد بالكفر مهما قال ومهما فعل لأننا لا ندري عن نيته وهذا القول يخالف كتاب الله وسنة رسوله وما عليه المسلمون لأن الله رتب الأحكام على الأقوال والأفعال الظاهرة ورسوله كذلك وعمل المسلمون على ذلك فنحن نحكم على الظاهر ونكل الباطن إلى الله -سبحانه- فمن أظهر الإسلام حكمنا بأنه مسلم حتى يظهر ما يخالف ذلك.
ألم تر إلى الرجل الذي قتله أسامة -رضي الله عنه- بعدما قال لا إله إلا الله ظنا من أسامة أنه قالها يتقي بها السيف فأنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له : " هلا شققت عن قلبه " ، وكذلك من قال كلمة الكفر أو فعل بها ومن نطق بكلمة الكفر أو فعل الكفر حكمنا بكفره ما لم يكن جاهلا أو مكرهاً أو زائل العقل
فنحن لا نحاكم النيات لأنها لا يعلمها إلا الله والله لم يكلفنا بذلك وإنما نحاكم الأقوال والأفعال ونكل السرائر إلى الله -سبحانه- ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .
فالواجب التنبه لها بين المقالتين الخطيرتين اللتين بدأتا تظهران في صحفنا ومقالات بعضنا إما نتيجة للجهل والقول بغير علم أو نتيجة للانحراف الفكري أونتيجة لترديد أقوال خصوم الإسلام الذين يلبسون على الناس أمور دينهم.
وبالله التوفيق ~ْ
العلامة : صالح الفوزان .
مواقع النشر (المفضلة)