السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الظلم محرم في شريعة الله تعالى، حرمه سبحانه على نفسه وعلى عباده، وتوعد عز وجل الظالمين بعذاب أليم في الدارين، وذلك لما له من عواقب وخيمة على الأفراد وعلى المجتمعات. قال الله تعالى كما في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
الظلم طبع في نفوس بعض الناس، لا ينام إلا على ظلم الآخرين، ولا يقوم إلا على ظلم المساكين. وقد أخبر عز وجل أن من الناس من هو كثير الظلم لنفسه ولغيره فقال سبحانه: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)، ويقول جل وعلا: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم، فللظلم عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، وإليك أيها القارئ الكريم عشر فوائد في عواقب الظلم:
1- أن الظالم لا يُفلح في دنياه ولا أخراه: فمن سلك طريق الظلم، فإن بابه في النهاية مسدود، والخير منه موءود، وإن زين له شيطانه هذا الظلم، قال تعالى: (إنه لا يفلح الظالمون)، ويقول سبحانه: (قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون).
2- أن الظالم يحرم من الهداية والتوفيق، قال تعالى: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ويقول سبحانه: (والله لا يهدي القوم الظالمين).
3- أن الظلم سبب لمصائب الدنيا من أوجاع وأسقام وفقر وذهاب الأولاد والأموال والقتل والتعذيب وغلاء الأسعار وغير ذلك، فما تعانيه الأمة اليوم هو بسبب وجود الظلم، وبما كسبت أيدي الناس.
يقول الله جل وعلا: ( وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون)، دون ذلك: أي قبل موتهم. عقوبة شاملة للقرى الظالمة التي انتشر فيها الظلم وجاهر أهلها بها، التي لا يكاد يسلم منها أحد، بل تعم الصالح. ولقد ذكر لنا ربنا تبارك وتعالى ما فعله بالقرى الظالمة، قال سبحانه: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين)، وقال عز من قائل: (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلةٍ وقصر مشيد). ويقول جل وعلا: (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً، فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً).
4- أن الظلم سبب لإهلاك الأمم، فقد أهلك الله أقواما وقرونا من الناس قبلنا وما زال يهلك الأمم لوجود الظلم في الأرض، فصار هذا الأمر سنة كونية، كلما كثر الظلم والفساد في الأرض نزل الهلاك والعقاب الأليم، قال سبحانه : (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين)، وقال تعالى: (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا).
وقال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)، والله تعالى لم يظلم هذه القرى وهذه الأمم بل هي ظلمت نفسها وظلمت غيرها فحق عليها عقاب ربها، قال تعالى: ( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم) وقال تعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة». ولهذا قيل: «الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام».
5 أن الظالم تنزل عليه اللعنة يوم القيامة، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، يقول عز وجل: ( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار)، ويقول تعالى: ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) فلا يكون لهذا الظالم يوم القيامة نصير ولا شفيع ولا حميم.
6- أن الظلمة يحرمون من شفاعة إمام المرسلين وشفاعة من يأذن الله في الشفاعة لعباده ،كما قال تعالى: (وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)، ويقول عز وجل: (وما للظالمين من أنصار)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق) رواه الطبراني بسند حسن.
7- أن الظالمين يصيبهم الندم والحسرة يوم القيامة: فكل ظالم سيندم هناك، ولات ساعة مندم، قال تعالى: (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون)، وقال تعالى: ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً).
8- أن الظالمين مصيرهم العذاب الأليم في نار جهنم، وتكون هي نهايتهم فبئست النهاية، وساءت الخاتمة، قال تعالى: (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)، فعاقبة الظالمين جهنم لا يموتون فيها ولا يحيون. قال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال: رجل وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله فقال: وإن كان قضيباً من أراك). رواه مسلم. كما أن الظالم سيطوق يوم القيامة بسبب ظلمه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين). رواه البخاري. هذا الذي ظلم قيد شبر من الأرض، تكون هذه عقوبته يوم القيامة، فكيف بالذي يظلم بما زاد عن ذلك.
9- أن الظالم يخسر حسناته بل قد تضاف سيئات من ظلمه على سيئاته بسبب ظلمه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء منه فليتحلله منه اليوم، من قبل أن لا يكون دينارا ولا درهما، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه). رواه البخاري.
10- أن الظالم قد تصيبه دعوة المظلوم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب) رواه أحمد بسند حسن. فكيف بالمظلوم إن كان مسلماً، وكيف بالمظلوم إن كان صالحاً تقيا. وكان الأنبياء إذا يئسوا من ظلم الظالمين دعوا الله عليهم، قال تعالى على لسان نوح: (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا).
مواقع النشر (المفضلة)