الحسد بين النساء قد يكون أكثر انتشارًا حتى في الأوساط الراقية والموسرة؛ ففي المناسبات العامة والأفراح حين تدخل امرأة حسنة الهندام؛ فإن عيون النساء تنشدّ إليها، تتسمَّ عليها.
وكل واحدة ممن في المجلس-باستثناء من هن أحسن منها هندامًا- ترسل نظراتها الفضولية إلى تلك المرأة، وتحاول جاهدة أن تجد فيها نقصًا أو عيبًا.
وهناك يُنظر إلى كل قصة أو حكاية تتناول امرأة بالغمز واللمز على أنها صحيحة ومسلمَّة إلى أن يثبت بالبراهين القاطعة عكس ذلك!
إن كل امرأة تعتبر النساء الأخريات منافسات لها، على حين أن الرجال لا يشعرون بهذا الشعور إلا بالنسبة لمن يعملون معهم في نفس المجال أو نفس المهنة، وفي بعض الأحوال الخاصة الأخرى.
...الحسد بين النساء، حسد الطالبة لزميلتها في الدراسة، والأخت لأختها في المنزل، والجارة لجارتها في الحيّ، والموظّفة لزميلتها في العمل، هذا ما يدعى بالموت الأحمر، والجحيم الأكبر، غيرة تخلّف وراءها ما لا تخلّفه غيرة الزوجة على زوجها، غيرة تسعى السعي الحثيث بالمكائد، والفخاخ والمصائد، غيرة تسعى بصاحبتها الحاسدة –التي لا تخشى الله- بالوشاية بمن تحسدها، لتحقّر من أمر محسودتها، وتقلل من شأن تفوّقها وتميّزها، وكم جرّ التميّز على صاحبته من ويلات ونكبات وكانت فعلاً كما يقال: "كلما ارتفع الإنسان، تكاثفت حوله الغيوم والمحن"، غيرة تدفع من بُليَتْ وأصيبتْ بها إلى حضيض النميمة والغيبة، وتضييع الوقت الثمين في مراقبة محسودتها، غيرة تشلّ العقل والتفكير والإنتاج والذكاء، فترى الحاسدة إنسانا غبية تافهة، لا قيمة لها ولا وزن، إنسانا تلهَّت بالحسد عن الانشغال بأمور نفسها وإصلاحها، فعطّلت بذلك قدراتها ومواهبها بإفساد أخلاقها، إنسانا توقف ذكاؤها عند النيل من محسودتها، فتراها تسعى لتلويث عرضها بين الناس، أو نعتها بأوصاف لا تليق بالإنسان، أو تراها تنسب نجاح عدوّتها -التي أكرمتها من قبل في بيتها- للوسطات، أو تراها تسعى بجارتها لتهدم سعادة الجارة بأن تلفق حولها الأقاويل والمزاعم، أو تكيد الأخت لأختها لو ما كانت أفضل منها.
وما هذا بحديث خرافة إنما هو أمر واقع يحصل بين النساء -حتى المدعيات الالتزام- في عصر الجنون هذا، أكثر منه بين الرجال، فالرجل مهما بلغت به غيرته لا يؤذي كما تستطيع المرأة بدهائها ومكرها أن تؤذي محسودتها. فالحذر الحذر من غيرة الحسد فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
فكل إنسان بفطرته مؤهّل بأن يصبح متفوق وكل مؤهّل بسعيه أن يصبح متميّز، ولكن ليس شرطاً أن كلّ من تفوقت أن تكون بالتالي متميزة بكل أمورها، إنّما هي أقدار وزعها الله على العباد، حظوظ وقسم قسمها الله بين خَلقِه، منهم من كانت حظوظه جيّدة ومنهم من كانت حظوظه متواضعة لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى، وما أجمل القناعة والرضى بما قسمه الله لنا، وما أروع الحفاظ وتطوير قسمتنا نحو الأفضل والأحسن فالأقوم، بدل التلهي بغيرنا وبقِسَمِ الآخرين. وقد صدق الحكماء حين قالوا: "القناعة كنز لا يفنى". فلا تحسدنّ إحداكنّ أختها على ما قسمه الله لها وأعطاها فيكون لسان حال محسودتكِ في القول لكِ، كما كان لسان حال هذا الشاعر إذ قال:
أيا حاسداً لي على نعمتي=أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه=لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني=وسدَّ عليك وجوه الطلب
فما أجمل القناعة نبراساً تنتهجينه في سبيل حياتك يضيئها بنور الرضى، ولو كان نصيبك من الدنيا ربع الربع من كسرة الخبز.
مواقع النشر (المفضلة)