1- تربية النفس على الإخلاص لله :* ـ وهو أن لا تطلب لعملك شاهدا غير الله ، ومن الآيات التي تحث على الإخلاص في المحاورة قول الله تعالى {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكَّروا ما بصاحبكم من جنة إنْ هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} .. أي : "تنهضوا بهمة ونشاط، وقصد لا تباع الصواب وإخلاص لله مجتمعين ومتباحثين في ذلك ومتناظرين، وفرادى كل واحد يخاطب نفسه بذلك".
2- تربية النفس على السعي في طلب العلم :* ـ ولأهمية العلم فإنه لايليق بالمتحاورين الخوض فيما لا علم لهم به قال تعالى {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لاتعلمون} .. في الأية "دليل على المنع من الجدل لمن لاعلم له والحظر على من لاتحقيق عنده" فالمحاورة بين عالم وجاهل أمر غير محمود، فعند الحوار لابد أن تكون لدى المحاور المعلومات المناسبة لموضوع الحوار فيكون مساويا للطرف الآخر من الناحية العلمية .
3- تربية النفس على التواضع في طلب الحق والالتزام به : * ـ أثبتت التجارب أن التواضع فضيلة تهدي صاحبها للحق، وأما الكبر والغرور بالنفس والإعجاب بها، فيصد عن الحق البين الظاهر، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم قوله : "الكبرُ بطر الحق وغمط الناس" وبطر الحق رده والإعراض عنه؛ كما أخبر الخالق - عز وجل - أن معصية إبليس كان الدافع إليها الكبر والغرور، قال - تعالى -: {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} ولا يكون الحوار مثمراً في مجال معرفة الحق إلا إذا كان قائماً على الأدلة والبراهين، ولقد علمنا الإسلام في مجال إحقاق الحق أن نتحاور مع الآخرين وفق قاعدة : {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} .ومن الفضائل الهامة في التربية الحوارية أن لا يستنكف المتحاور من قبول الحق ولو جاء ممن هو دونه علماً أو سناً أو قدراً، ومن الرجوع للحق بعد أن يتبين له؛ وقد أرشد القرآن إلى أن ابن آدم الأول تعلم من غُراب : كيف يواري سوأة أخيه؟!، كما أن سليمان - عليه السلام - تعلم من الهدهد مالم يكن يعلمه : {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأيقين} وقد حفظ لنا التاريخ رسالة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في القضاء، والتي جاء فيها : "ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، فهديت فيه إلى رشدك، أن تراجع نفسك اليوم فإن الحق قديم، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .
4- تربية المسلم على ضبط النفس :* ـ من عوامل نجاح التربية الحوارية أن تتم في الأجواء الهادئة ؛ ليبتعد التفكير فيها عن الأجواء الانفعالية التي تبتعد بالإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير ، فإنَّه قد يخضع للجو الاجتماعي ، ويستسلم لا شعورياً مما يفقده استقلاله الفكري : "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ " [سبأ:46] ، فاعتبر القرآن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي العدائي لخصومه ؛ لذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء .
5- تربية النفس على عدم اتباع الهوى :* ـ الهوى هو أحد المزالق الخطيرة التي يمكن أن تؤثر على المتحاورين وتخرجهم عن طريق الخير، قال العليم الخبير لخاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم -: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنمايتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} واتباع الهوى يؤدي إلى الفساد، قال - تعالى -: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومنفيهن} .فصاحب الهوى لا يمكن أن يكون موضوعياً ولا منهجياً في حواره، لأنه يريد إخضاع كل شيء لهواه، فالنصوص عنده تابعة لا متبوعة، والأدلة خادمة لا مخدومة، والنتائج عنده سابقة على الحوار .. فهو إذا قرأ وإذا درس وإذا حاور .. لا يفعل ذلك للوصول إلى الحقيقة .. وإنما يفعل ذلك بحثاً عما ينصر رأيه وهواه .. ويعضد فكرته ويقويها .. فإن وجد مبتغاه فرح وأقبل، وإن وجد خلاف ذلك غض الطرف وأعرض .والإسلام يربينا على طلب الحق ومناشدته، ويكفي أن نتذكر أن القدوة لنا هو محمد صلى الله عليه وسلم .
6- تربية النفس على التعارف :* ـ يربي الإسلام المسلمين على التعارف على الآخرين ومد الجسور معهم ابتغاء البيان لما عند المسلمين من الحق، ولقد حاول المسلمون مد الجسور مع غيرهم لمحاورتهم حول الكون والحياة، ولمعالجة القضايا الكلية المطروحة في مجال الفكر والعمل، ودل الإسلام المسلمين على أساليب الحوار، وخاصة في مجال الأفكار وفي نطاق المنهج العقلي، من خلال طرح الفروض المحتملة وإسقاط الفروض الخاطئة وإبقاء الصحيح، وفق منهج النفي والإثبات العقلي، أو منهج عرض الأفكار والأفكار المضادة .. الخ .ويكفي هنا أن أذكر بموضوع واحد من سورة الأنعام : {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوابه شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكوصاكم به لعلكم تتقون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدهوأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كانذا قربى، وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيماًفاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} فهذه الآيات أرشدت إلى خمس مجالات للحوار هي :أ - تطهير النفس البشرية وتزكيتها .ب - العلاقات بين الأفراد وداخل الأسرة والجماعة والأمة، والتي تقوم على الترابط والتراحم والعدالة الاجتماعية .ج - الأساس التشريعي في القضاء والقوانين والنظم واللوائح، والذي يقوم على الحق والصدق . د - الحضارة البشرية في جميع جوانب الحياة، والتي تقوم على ثقافة التوحيد . هـ - العلاقات والصلات العالمية التي تقوم على العدل والتراحم والتعارف . كما أمر الخالق - سبحانه وتعالى- المسلمين بإشاعة الخير في الكون ومع جميع البشر، ولا يتم ذلك إلا بالتحاور والاتفاق. قال - تعالى -: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخيرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} .
7- تربية النفس على القول الحسن :* ـ حسن الخطاب وعدم الاستفزاز وازدراء الغير، فالحوار غير الجدال . واحترام أراء الآخرين شرط نجاحه ، ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوه حسنة، فموسى وهارون أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يذكر أو يخشى . وفى سورة سبأ يسوق الله لنا أسلوبا لمخاطبة غير المسلمين حيث يقول في معرض الحوار {وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} .
8- تربية النفس على الانضباط بالقواعد المنطقية في مناقشة موضع الاختلاف : * ـ فإذا تم الالتزام بهذه الأسس فإنَّ الحوار ينطلق معتمداً على قواعد العقل والمنطق والعلم والحجة والبرهان ، والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن : فما أكثر ما يرد في القرآن : "هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ" .
د. حسن محمد الزهراني
مواقع النشر (المفضلة)