السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفقر يجبر مواطناً على قبول تزويج ابنته خريجة الثانوية (علمي) من كهل باكستاني
جازان - عبدالله السرودي- محمد غاوي- تصوير - هشام موسى
لم أكن أصدق في الوهلة الأولى عندما وصل إلى مسامعي خبر موافقة أب سعودي على زواج ابنته وهي في العقد الثاني من عمرها على عامل باكستاني الجنسية يبلغ من العمر ستين عاماً لقد نزل الخبر على رأسي كالصاعقة عندما فاجأني به زميلي في مكتب الجريدة بجازان في يوم كئيب لم يهنأ لي بال في ذلك اليوم وعزمنا أنا وزميلي على الذهاب بأنفسنا إلى مكان إقامة المواطن السعودي الذي وافق على زواج ابنته واقترانها من باكستاني ستيني بعد تقدمه لخطبتها.
غادرنا مدينة جازان إلى محافظة أحد المسارحة وبالتحديد في قرية تسمى العُر ( 5كم) غرباً حيث يسكن فيها المواطن. وكالعادة عند قدوم الإنسان الى مكان غريب لجأنا للسؤال عن الرجل حتى وصلنا الى منزل والد العروسة وكان منزلاً صغيراً مكونا من غرفتين وسط حي شعبي في طرقة وعلى تكوينه آثار الفقر.. طرقنا الباب عند الرابعة عصراً وخرج إلينا صاحب المنزل متجهم الوجه ينظر إلينا بعينين ملؤهما الشرر والغضب وأجابنا بنعم دون ابتسامة أو حتى كلمة "تفضلوا" داخل المنزل ثم طلب منه زميلي أن ندخل إلى المنزل للتفاهم وبعد أن صمت برهة وافق على دخولنا لمنزله ثم أفهمناه اننا نريد مساعدته قدر الإمكان إذا كان يعاني من ظروف قاهرة، وهنا بدأت أساريره تنفرج ثم بادرته بسؤال خرج من أعماقي بحرقة: هل أنت الرجل الذي وافق على تزويج ابنته ذات العشرين ربيعاً من كهل (باكستاني)؟ فأجاب بكل ثبات وثقة وسرور: "نعم" وهنا بدأ العرق يتصبب من وجهينا أنا وزميلي.
وسألناه كرة أخرى لماذا وما الأسباب التي دفعت بك إلى الموافقة على هذا الزواج فبدأ الرجل يسرد لنا همومه ومشاكله في الحياة رغم أنها ليست سببا مقنعا لتزويجه ابنته على ذلك الكهل الباكستاني ولكن أنصتنا بدقة إلى تفاصيل حديثه فقال: اسمي طاهر يحيى ابراهيم فقيهي كنت أعمل موظفاً وتركت عملي لأسباب نفسية خاصة.. تزوجت قديماً وأنجبت عدة أبناء ذكور واناث مثلي مثل بقية الناس. إلا أن الأوضاع القاهرة والظروف القاسية حاصرتني من كل جانب. وأصبحت داخل منزلي هذا الذي تشاهدونه في بنائه غير المكتمل وغرفه الضيقة وسوره المتهالك. اصبحت أعاني من الفقر الشديد والعوز المرير. ولي من الأبناء ستة اثنان من الذكور وأربع بنات. ابني الأكبر يعمل في مدينة الرياض في شركة براتب متواضع لا يكفي لمعيشة رضيع أو طفل وهو 1200ريال والآخر عاطل عن العمل أما بناتي فواحدة متزوجة وتعيش مع زوجها مستورة أما الأخرى فقد تخرجت من الثانوية العامة - القسم العلمي - ولم تقبل للدراسة في الكلية ولم تحصل على وظيفة بالشهادة الثانوية لتساعدنا وتساعد نفسها وظلت هكذا قابعة معنا في المنزل لا دراسة ولا عمل. والمنزل له متطلباته من معيشة وكهرباء. وهذه فاتورة الكهرباء أمامكم ترونها وقام وأحضر فاتورة الكهرباء حيث بلغت قيمة الفاتورة لشركة الكهرباء 4300ريال وأنا رجل معدم ولم أجدد ما أسدد به فاتورة الكهرباء وستقوم الشركة بفصل التيار الكهربائي عن منزلي. ولكنني عدت ووجهت له السؤال الجاثم على صدري. لماذا وافقت على زواج ابنتك على رجل باكستاني الجنسية وكبير في السن فأجاب: بعد أن تلعثم في الإجابة وتلاعب في كلامه ولم يدر بماذا يجيب قائلاً هذا رجل مسلم وهو جار لنا يسكن: بجانبنا منذ 9سنوات وهو رجل ثري عنده مال حيث يعمل تاجرا في بيع وتصدير وتوزيع المواد الغذائية ويملك سيارات كبيرة تحمل المواد الغذائية وتقوم بتوزيعها على الأسواق.
ثم سألته يعني نفهم من كلامك أن سبب موافقتك لهذا الزواج لأن الرجل عنده مال وغني دون النظر إلى سلبيات هذه الزيجة وآثارها وبعدها عن عاداتنا وتقاليدنا في الوطن. فأجاب نعم. وعن ماذا تم الاتفاق عليه من مهر ومتطلبات هذا الزواج قال والد الفتاة طاهر يحيى فقيهي: قدم لنا الباكستاني واسمه (أ.ف) مبلغ 35ألف ريال ووعد بشراء قطعة أرض تكتب باسم ابنتي (الزوجة) اضافة الى نقلها في شقة فاخرة مع تأثيثها بكامل ما تحتاجه من تجهيز حديث.
ثم سألته ما هو موقف أهل القرية وأهلك وأقاربك والناس والمجتمع من موافقتك على هذا الاقتران بين بنتك والباكستاني فقال: لا يهمني رأي أهل القرية ولا انطباعهم سواءً رضوا أم أبوا. فلقد عشت في منزلي أياما وليالي وأنا وأبنائي تحت الطوى ووطأة الحاجة ولم يأت إلينا أحد يطرق بابنا ويسألنا عن أوضاعنا المعيشية. ولم يقدم لنا أي إنسان أي شيء يذكر من مال أو مساعدة أو غيره بل انهم عندما يأتيني أي خير من فاعل خير خارج القرية والمنطقة كانوا يحسدوني أشد الحسد حتى ولو كان قليل من معروف لا يغطي حاجتنا لعدة أسابيع لذلك لا أفكر فيما ستؤول إليه الأمور داخل القرية أو خارجها.
وعن موقف البنت المراد منها الزواج من الرجل الباكستاني والتي سبق أن أشرنا إليها قال: الفتاة موافقة بل إنها مصرة اصراراً قوياً على اتمام هذا الزواج في اسرع ما يمكن.
وقلت لوالد الفتاة ولكنها مازالت صغيرة والمستقبل أمامها للزواج حيث ان عمرها مازال 20عاماً لماذا لا تنتظر وهل سبق أن تقدم لها أي شاب من القرية فقال: في الحقيقة لم يتقدم لها أي شاب من القرية بل إنني ذهبت بنفسي إلى أقاربي أطلبهم للزواج من بنتي مقابل أي مهر يدفعونه حتى لو كان قليلاً. المهم أزوج بنتي على رجل على قدر كبير في تحمل المسؤولية وبالتالي أرفع عن كاهلي نفقة إعالة وإعاشة أبنائي في المنزل ولكن كل من ذهبت لهم من الأقارب عزفوا عن الزواج من ابنتي رغم طلبي منهم مهرا يسيرا ...
أما عن الضمان الاجتماعي فقال والد الفتاة: الضمان الاجتماعي أخذت منه مساعدة سنتين وانقطعت عني رغم حاجتي الشديدة لها.
وعن موعد إقامة هذا الزواج قال الرجل: حتى الآن لم يتم شيء وكل ما في الأمر خطبة حيث تقدم لنا جارنا الباكستاني أ.ف قبل عدة أسابيع وتم قبول الخطبة بعد سؤال بنتي عن موافقتها فأجابت بالرضى والقبول. وسوف يكون الاحتفال بإقامة الزواج خلال عطلة نهاية العام الدراسي.
ثم سألته لو جاءك شاب الآن من ابناء القرية للزواج من الفتاة هل تفسخ خطوبة الباكستاني وتقوم بتزويج هذا الشاب فأجاب نعم أوافق بشدة ولكن لم يتقدم لي احد وأنا مستعد في مساعدته في خفض تكاليف المهر فأنا أريد الستر ولا غيره.
وبعد أن أغلقنا ملف النقاش والحوار في هذه القضية عدنا راجعين الى المدينة ونحن حائرون في أمر هذا الرجل - والد الفتاة - هل الفقر والحاجة هما السبب الرئيسي في موافقته على زواج باكستاني ستيني من ابنته ولماذا تصر الفتاة على قبول هذا الزواج.
اللهم لك الحمد والشكر ..
مواقع النشر (المفضلة)