ضغوط التضخم تعزز لجوء السعوديين إلى التقسيط وتنعش شركاته:
فتح ارتفاع الانفاق الاستهلاكي المصحوب بالتضخم باباً جديدا أمام التقسيط ليتخذ موقعه المتقدم بين خيارات السعوديين، الساعين لاقتناء مئات السلع الأساسية والكمالية، بدءا من الأراضي والبيوت، وانتهاء بقطع الأثاث والأجهزة الكهربائية.
ورغم غياب الأرقام الدقيقة عن حجم سوق التقسيط حتى لدى كبريات الشركات المعنية، فقد أكدت هذه الأخيرة أن موجة الغلاء التي تشهدها البلاد أظهرت زيادة أعداد المعتمدين على التقسيط في تأمين احتياجاتهم.
وكان معدل التضخم في المملكة قد لامس حاجز 9% خلال فبراير/ شباط 2008 الماضي، وهو أعلى معدل له منذ ثلاثة عقود، فضلا عن توقعات بتخطي عتبة 10% خلال الشهر الجاري، وفقا لما تكهن به كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني "ساب" مؤخرا.
رواج ملموس
وفي هذا السياق أكد مدير عام شركة الجاسرية خالد الجاسر أن هناك رواجا في سوق التقسيط بالسعودية يدل عليه تزايد الشركات المتواصل، حيث نشهد كل سنة افتتاح 5 شركات جديدة تقريبا.
لكن خالد الجاسر اشتكى من التهميش الرسمي لشركات التقسيط وعدم تأمين الحماية والتشجيع اللازمين لاستمرارها في أداء دورها الاقتصادي، ملقيا باللوم على مؤسسة النقد باعتبارها مسؤولة عن قطاع البنوك، الذي يصر من ناحيته على عدم مد جسور التعاون مع شركات التقسيط لاسيما فيما يتعلق بعملية استقطاع القسط من راتب العميل المستفيد.
وأضاف الجاسر: "شركات التقسيط تخوض منافسة غير متكافئة تميل كفتها بوضوح لصالح البنوك، بحكم سيطرتها على سوق التمويل، ومطالبتنا بالإنصاف من منافسينا أمر طبيعي في هذه الحالة".
ومن موقعه رئيسا للجنة التقسيط في غرفة تجارة الرياض، تحدى الجاسر أي جهة تملك أرقاما ولو تقريبية عن حجم سوق التقسيط، إذ ليس هناك آلية لحصر مديونية الشعب السعودي في هذا المجال.
وطالب بوجود جهة مرجعية شاملة تعود إليها شركات التقسيط في جميع أمورها، بدل التقاذف الحاصل حاليا بين مؤسسة النقد التي تصر على عدم اختصاصها، وبين وزراة المالية التي لاتعلم بوجود شركات التقسيط من الأساس، حسب قوله، واصفا وزارة التجارة بأنها تمثل جهة مرجعية قانونية، لا أكثر ولا أقل.
من الخيار إلى الإجبار
واعتبر الجاسر أن الغلاء حوّل التقسيط من خيار إلى أمر إلزامي ومفروض على فئات عريضة من المجتمع، كما لم يعد التقسيط مختصا بالأساسي من السلع بل امتد إلى الكماليات، منوها بأن لهذا الأثر الإيجابي من اتساع قاعدة العملاء، ما يقابله من أثر سلبي يتجلى في قلة السيولة وما قد يترتب عليها من إضعاف القدرة على سداد الأقساط المترتبة.
وبخصوص حجم المديونيات المتعثرة لشركات التقسيط، قال الجاسر إن الديون المستحقة تختلف باختلاف الشركة فهناك ديون مشكوك في تحصيلها تبلغ حدا عاليا وأخرى تبقى ضمن المعقول، متوقعا أن تستمر مشكلة الديون في ظل عدم وجود آلية للتحصيل عبر البنوك، مضيفا: "لو كانت هذه الآلية موجودة لتضاءلت الديون المشكوك في تحصيلها إلى حدها الأدنى".
بدوره، أكد رئيس مجموعة المتاجرة عبدالله محمد المهنا لـ"الأسواق نت" أن التضخم ترك أثرا إيجابيا على العمليات التجارية لديهم، نظرا لأن التقسيط أصبح أكثر إلحاحا من ذي قبل، وإن كان التقسيط مطلوبا في أوقات الرخص والغلاء.
ونفى المهنا الذي يرأس مجموعة تنضوي تحتها 4 شركات تقسيط، أن تكون هذه الشركات قد لجأت بحجة الغلاء إلى زيادة في حجم أو عدد الأقساط على السلع المختلفة، سواء كانت سيارات أو عقارات أو أجهزة ومستلزمات منزلية، لافتا إلى أنهم اتخذوا توجها مغايرا بتخفيض نسبة الأرباح على السلع المقسطة تشجيعا للعملاء.
أسماك صغيرة
وشدد على أن اتباع الأساليب الصحيحة في البيع يجعل التحصيل أمرا ميسرا، ومن هنا فإنهم لم يعانوا من وجود ديون معدومة طيلة عملهم الممتد لعشرين عاما.
وفي رؤية معاكسة لرؤى نظرائه، أثنى المهنا على تفاعل البنوك المحلية وتعاونها الجيد مع شركات التقسيط، لاسيما في الآونة الأخيرة، حيث بدأت بتنفيذ الأمر المستديم الذي يحول البنك بموجبه مقدار القسط من حساب العميل إلى حساب الشركة المعنية فور استحقاقه، وكذلك الحال بالنسبة لأمر الاستقطاع الذي يعني خصم القسط من راتب العميل لا من حسابه.
وقدّر المهنا حجم سوق الائتمان في السعودية بـ200 مليار ريال، قائلا إن شركات التقسيط هي أشبه بالأسماك الصغيرة في هذا البحر، نظرا لتواضع حصتها، لكنه بيّن أن شركاته الأربع تستحوذ على 60% من سوق شركات التقسيط في المملكة، والذي تعمل فيه قرابة 40 شركة.
وطرح العضو المنتدب بالشركة الوطنية للتقسيط عبدالله السلطان أرقاما مختلفة بعض الشيء حينما قال إن التقديرات التقريبية لحجم سوق التقسيط تصل إلى 140 مليار ريال، حصة الشركات فيها تتراوح بين 10 و15% فقط، والباقي من نصيب البنوك، ما يوضح أنها منافس كبير وقوي لعمل شركات التقسيط.
وهذه المنافسة، بحسب عبدالله السلطان، هي التي تدفع البنوك للتقاعس عن تقديم التعاون المأمول مع شركات التقسيط.
أكبر التحديات
وركّز السلطان على التركيبة العمرية للمجتمع السعودي، حيث نسبة الشباب ممن تقل أعمارهم عن 25 سنة تقارب 60%، معتبرا أن هذا يفسح مجالا أكبر لشركات التقسيط من أجل تقديم خدماتها لهذه الفئة المفتقرة في غالبها إلى الإمكانات المادية الكافية، كما لايخفى دور الغلاء في زيادة الإقبال على التقسيط.
وميز السلطان بين نوعين من شركات التقسيط، الأول يعمل تحت مظلة وكالات تجارية متخصصة بالسيارات أو الأثاث أو غيرها، والثاني يمارس التمويل الصرف والمستقل، وهذا النوع يقتصر على قرابة 10 شركات فقط.
وعن التحدي الأبرز الذي يواجه أداء ومستقبل شركات التقسيط، قال السلطان: إن سيطرة البنوك على بعض النشاطات التي لاينبغي السماح لها بالهيمنة عليها، ومن ضمنها نشاط التقسيط، هي التحدي الأكبر الذي يواجهنا.
ورغم إقراره بالتعاون المنقوص للبنوك مع شركات التقسيط، فقد اعتبر مدير عام شركة الرياض أن العقبة الأهم أمام عملهم تبرز في عدم وجود مرجع موحد يمكن لجميع الشركات وعملائها التحاكم إليه في حال وجود خلافات.
توحيد الفصل
وأوضح محمد سعود الشنيفي لموقعنا أنهم غالبا ما يلجؤون للجنة فصل المنازعات في وزارة التجارة، لكن العميل قد يعترض على حكمها وينقضه أما القضاء بوصفه غير نهائي، ما قد يعقد القضية ويشعبها، ولذلك فإن إحداث جهة واحدة مختصة بالفصل القضائي هو مطلب ملح وضروري لتنظيم علاقة الشركات بزبائنها.
وسرد الشنيفي عددا من النواقص التي تعتري مسيرة التقسيط في المملكة، ومنها غياب الأرقام والإحصاءات الدقيقية، لعدم وجود مكتب مشترك بين البنوك والشركات تصب فيه بيانات السوق، لكنه أكد خلافا لمن سبقوه في الحديث أنهم لم يشهدوا زيادة ملموسة في طلبات التقسيط الواردة إليهم، بالتزامن مع موجة الغلاء الأخيرة.
وفي استطلاع ميداني لآراء السعوديين حول خياراتهم في الشراء والدفع، ربط غالبية من التقاهم موقعنا بين ارتفاع الأسعار وزيادة اعتمادهم على التقسيط، وإن لم يخفوا في الوقت ذاته انزعاجهم النفسي من ارتباطهم مددا طويلة أحيانا بسداد الأقساط.
"الكاش" في انكماش
ووصف محمد الشملان التقسيط بأنه وسيلة إنقاذ للكثير من محدودي الدخل، فلولا هذا النظام لعجز هؤلاء عن تأمين عدد من حاجاتهم الأساسية، في زمن "عزّ فيه الكاش"، وأصبحت فيه النفقات على السلع التي تتطلب التسديد الفوري كالأكل واللباس والمواصلات تستهلك ثلثي الراتب تقريبا.
وفضل هاني آل عباس توسيع حلقة الإجابة، قائلا: أكاد أجزم أن 90% من السعوديين واقعون تحت رحمة التقسيط، سواء كان من بنك أو شركة، وقلما سمعت في محيطي عن فقير أو غني يخلو من الأقساط المستحقة على سيارة أو بيت أو أثاث منزل، وأعتقد أن ذلك عائد لنمط الحياة الاستهلاكي غير المنضبط، مستدركا: "هذه الأيام هناك نسبة أعلى ممن يلجؤون إلى التقسيط بسبب حاجتهم الماسة له، وليس مجرد زيادة في الترف كما كان سابقا".
وقال بكر عبدالمجيد إن التقسيط لايختلف عن الدين، وإن كان ديناً بطريقة محترمة فهذا لايمنع من الأرق والقلق الذي يسببه لصاحبه حتى يدفع آخر قسط عليه، مضيفا: الغلاء واقع لايمكن لأحد أن يفر منه أو يحتال عليه، ولكن مادام التقسيط لم يصل إلى الحاجات اليومية البسيطة فإننا لانزال بخير.
مواقع النشر (المفضلة)