بعبارات مقتضبة لكنها حاسمة، أكد الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية لـ"الأسواق.نت" أن رأيه في التأمين قديم، حيث لم يكن يرى منذ البداية أي فرق بين نوعيه التجاري والتعاوني.
كلام الشيخ المنيع، الذي يشغل رئاسة وعضوية عدد من الهيئات الشرعية لشركات في المملكة، من ضمنها شركات تأمين، جاء على خلفية اللغط الذي أثارته تسويته المطلقة بين التأمينين التجاري والتعاوني، وذلك في محاضرة له ألقاها أواسط الأسبوع الفائت بالعاصمة الرياض.
لا مصادمة مع القضاء
وحول ما اعتبره البعض معارضة صريحة مع قرارات مجامع فقهية وفتاوى علماء سابقة، شددت على التفريق بين نوعين من التأمين وحكمت بحرمة التجاري منه، رد الشيخ المنيع "ما أصدرته المجامع ليس وحيا منزلا ولكنه اجتهاد"، متبنياً كل ما نقلته عنه الصحافة المحلية في محاضرته الأخيرة، وموضحا أنه يمكن لأي شخص الرجوع إليه والأخذ منه وبه دون حرج.
محور الارتكاز في المحاضرة المذكورة ونقطة الجدل فيما بعد، قامت على رأي الشيخ المنيع في أن التأمين التعاوني لا يختلف عن نظيره التجاري سواء من حيث التطبيق أو آلية التنفيذ، وأن جميع أطراف عقد التأمين رابحون.
ونفى المنيع في محاضرته قطعياً أن يكون في التأمين شبهة مصادمة لقضاء الله وقدره؛ لأن التوكل على الله مطلوب ومأمور به في الإسلام، كما أن التأمين يدخل ضمن وسائل حفظ المال الذي حضت عليه الشريعة، حسب تعبيره.
وكان مجمع الفقه المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، قد ناقش موضوع التأمين منذ أولى دوراته، ففي الدورة الأولى المنعقدة بمكة المكرمة عام 1978 قرر المجمع بإجماع كل أعضائه عدا الدكتور مصطفى الزرقا "تحريم التأمين التجاري بأنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك"، منوها بقرار مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية الصادر في 1977، والقاضي بدخول جميع أصناف التأمين التجاري تحت مظلة التحريم.
هيئات لـ"تخفيف" المخالفات
وجاءت الدورة الثانية للمجمع المنعقدة في جدة عام 1985 لتؤكد قرار الدورة الأولى، واصفة عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت بأن فيه "غررا كبيرا مفسدا للعقد، ولذا فهو حرام شرعا"، ومبينة أن البديل يتمثل في عقد التأمين التعاوني "القائم على أساس التبرع والتعاون".
بدوره، لفت الدكتور محمد العصيمي إلى أن وجود الهيئات الشرعية في بعض شركات التأمين ليس شرطا ولا دليلا على إباحة هذه الشركات، معبرا عن اعتقاده بأن هذه الهيئات لا تقوم بدور يتعدى تخفيف المخالفات الشرعية وتقليلها، سواء فيما يخص طرق الاستثمار أو الاقتراض المتبعة.
وأوضح الفقيه الاقتصادي المعروف لـ"الأسواق.نت" أن حكمه على شركات التأمين العاملة يستند إلى نوعين من الأسباب، الأول نابع من طبيعة النموذج الذي تتبناه عبر الالتزام بلوائح مؤسسة النقد "ساما"، أما السبب الآخر فعائد إلى أن كثيرا من سيولة شركات التأمين تستثمر فيما لا يجوز، على حد تعبيره.
وذهب الدكتور العصيمي أبعد من ذلك، قائلا "إدارات شركات التأمين غير قادرة على تغيير واقعها، فضلا عن الهيئات الشرعية فيها، إذ ليس أمام تلك الشركات خيار إلا تطبيق لوائح "ساما"، بما تتضمنه من مخالفات شرعية تتعلق بتوزيع الفائض واستثمار العوائد في السندات".
وأضاف أن مؤسسة النقد تتولى سلطة الإشراف على شركات التأمين وتنظيمها ومعاقبة المخالف للوائح منها في نفس الوقت، واصفا إياها بالخصم والحكم، فهي تسحب الترخيص من أية شركة تحاول تجاوز اللوائح حتى ولو كانت لصالح تطبيق "تأمين إسلامي"، تتزايد الضغوط باتجاه اعتماده من قبل جميع الأطراف بما فيها الشركات والعملاء وعلماء الدين، حسب كلامه.
دائرة واحدة
وحول القواعد العامة التي يمكن للمستثمر العادي أن يأخذ بها للتمييز بين الجائز وغير الجائز من شركات التأمين، جاء جواب العصيمي صارما بأنه لا يرى على الإطلاق جواز التعامل بأسهم جميع شركات التأمين المحلية، لا مضاربة ولا استثمارا، بناء على الأسباب المذكورة آنفا.
وزيادة في توضيح الصورة بيّن العصيمي أن التأمين من الناحية النظرية ينقسم إلى تأمين تعاوني وآخر تجاري، مردفا أما "عمليا وتطبيقيا فليس هناك في المملكة سوى التأمين التجاري، حتى ولو تسمى بعضها بمسمى التعاوني"، لكنه استدرك مازلت أرى تفاوتا في درجة "التجارية" بين شركة وأخرى، دون أن يعني ذلك خروجها مجتمعة من دائرة المخالفة لقواعد الشرع في هذا المجال.
بالمقابل، كان لكلام الشيخ المنيع عن إلغاء الحدود الفارقة بين التأمين التجاري والتعاوني، أصداء مختلفة في نفوس المتداولين، تبعا لقناعتهم بهذا الرأي أو مخالفتهم المسبقة له، وربما -وبدرجة أوضح وأقرب- تبعا لوجود استثمارات لديهم في شركات التأمين أو عدم وجودها!
والجملة الأخيرة بالذات ليست من نسج الخيال، بل هي نقل أمين لما تراه فئة غير قليلة من المتداولين في هذا الشأن، حين توجه أصابع الاتهام إلى كل من يتبنون حكم المساواة بين التأمينين وتنعتهم بـ"المطبلين لشركات محرمة".
وفي هذا السياق ينتقد المستثمر بدر العمر كل من يستغل آراء الفقهاء لترويج أسهم قطاع "يلاقي عزوفا من المتداولين عن شركاته لأسباب عدة شرعية كانت أو استثمارية"، مشيرا إلى أن معظم شركات القطاع "خاسرة وما تزال حبرا على ورق".
بين زمنين
وأبدى العمر استغرابه من الذين قال إنهم أخذوا شطر كلام الشيخ المنيع وتركوا الشطر الآخر، مذكرا إياهم بأن الشيخ ميز بين نشاطين لشركات التأمين أحدهما تأميني والآخر استثماري، فما كان تأمينيا فقط فلا شيء فيه ويجوز، أما الاستثماري فيعتمد على نوعية الاستثمار، وكونه إسلاميا أو غير إسلامي.
واشتكى العديد من المتداولين من "الاختلاف الواسع" في آراء المشايخ حول قضية التأمين بالذات، معتبرين أنه يوقعهم في حرج وتردد كبيرين، ومطالبين بإصدار فتوى موحدة ومفصلة تنهي الجدال.
إلا أن بعض من التقيناهم ومنهم عبد الحكيم المقبل، أكد أن الفتاوى في تقسيم التأمين إلى تعاوني وتجاري موجودة منذ عشرات السنين، ويمكن لأي شخص العودة إليها، مستشهدا بقرار مجمع الفقه الإسلامي وفتاوى كبار العلماء من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي المملكة الراحل.
المقبل ومن يشاطره الرأي لم يعدموا من يرد عليهم بعبارات من قبيل "الفتوى تتغير بتغير الأزمان"، داعين إلى الأخذ بالفتاوى الراهنة لأنها "أقرب لعصرنا ومقتضياته"، بدل الرجوع إلى فتاوى قديمة كان لها حيثياتها التي جعلتها صالحة لزمانها، حسب أقوالهم.
وخلال الأسبوع الأخير من تداولاته فقد مؤشر التأمين 31 نقطة من رصيده فقط، مغلقا مع نهاية تداولات الأربعاء 7/5/2008 عند مستوى 1588.
ويضم قطاع التأمين في السوق السعودية 18 شركة مدرجة، من المتوقع أن تتجاوز في المستقبل المنظور حاجز 30 شركة، لاسيما في ظل توسع نشاطات التأمين والتوجه نحو جعله إلزاميا في عدة مجالات، كما هي الحال بالنسبة للضمان الصحي.
مواقع النشر (المفضلة)