فهد إبراهيم الشثري
في خبر نشرته شبكة بلومبرج على موقعها الإلكتروني أشارت فيه إلى أن البنوك المركزية في العالم حدت من عمليات تخفيض أسعار الفائدة التي مارستها خلال العام الماضي لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي المحتمل.
والسبب في ذلك تزايد المخاوف من تسارع وتيرة الارتفاع في الأسعار، خصوصاً أسعار الوقود والطاقة. فالبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم - من إندونيسيا إلى كندا - في جري مستمر لمواجهة خطرين قل اجتماعهما في وقت واحد وهما خطر الركود وخطر التضخم.
وبلوغ أسعار النفط الأسبوع الماضي سقفاً قياسياً جديداً (139 دولارا) لم تبلغه في أي وقت مضى خلق حالة من الهلع في الأسواق العالمية، خصوصاً بعد توقعات بنك مورجان ستانلي ببلوغ سعر النفط الـ 150 دولاراً للبرميل خلال فترة الأسبوعين المقبلين.
وهذا دعا رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى الإدلاء بتصريحات قوية أكد فيها أن الاحتياطي سيقف بشدة في مواجهة مخاطر التضخم. طبعاً هذا دليل على انتهاج الاحتياطي سياسة مختلفة خلال الفترة المقبلة تعتمد رفع أسعار الفائدة لمواجهة مخاطر التضخم، وهذا بالتالي سيسهم في تعزيز وضع الدولار في الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي يصب في صالح الدول المرتبطة بالدولار كدول الخليج، التي تتمتع حالياً بفوائض مالية كبيرة نتيجة زيادة عوائد بيع النفط بهذه الأسعار القياسية.
لكن السؤال الذي يتداول حالياً في أوساط الاقتصاديين هو ما إذا كان ارتفاع معدلات التضخم العالمية، هو عبارة عن ظاهرة ذات أمد قصير أم أنه سيستمر لفترة طويلة.
بمعنى آخر هل يجب علينا التأقلم مع أسعار عقار وإيجارات مرتفعة كالتي نشهدها حالياً أم أننا نتوقع انخفاض الأسعار وتراجع أسعار الإيجارات العقارية بشكل سريع خلال الفترة المقبلة؟ هذا التساؤل لم أجد من يطرحه في صحفنا المحلية على الرغم من أن الكثيرين طرحوا تساؤلات كثيرة تتعلق بارتفاع الأسعار وكيفية معالجتها.
إذ إنه يخفى على الكثيرين أن استقرار معدل التضخم عن مستويات منخفضة العام المقبل مثلاً لا يعني تراجع الأسعار عن مستوياتها الحالية، ولكنه يعني استقرار معدلات الارتفاع في الأسعار - كأسعار الإيجارات - عند مستويات منخفضة.
هذا يعنى أننا يجب فعلاً أن نفكر في الكيفية التي سيتأقلم بها المواطن صاحب الدخل المحدود مع هذا الانزحاف الكبير في الأسعار إلى الأعلى، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية لدخله المحدود أصلاً. كما أن ذلك يجب أن يدعونا إلى التفكير في الآثار الاجتماعية السلبية التي سيؤدي إليها هذا الانخفاض في مستويات الدخول بسبب ارتفاع معدلات التضخم في الوقت نفسه الذي تزداد فيه الفوائض المالية للدولة بسبب ارتفاع أسعار النفط.
إن الوضع الحالي أدى إلى نقل فئة كبيرة من المجتمع كانت تقف على الأطراف الدنيا من الطبقة المتوسطة الدخول إلى فئات الطبقات الفقيرة، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى إعادة نظر. إذ إن عملية تكيف الدخول في الدول الأخرى خصوصاً الغربية منها مع ارتفاع الأسعار يسهم بشكل كبير في تخفيف الآثار السلبية لذلك على المجتمع.
لكن الوضع لدينا مختلف، إذ إن جهات التوظيف الخاصة والعامة منها لم تتعود على هذه الحالة من التضخم، لذلك نجدها تتردد كثيراً في عمليات تعديل الرواتب كنتيجة طبيعية لانخفاض القوة الشرائية. لذلك فإنني أرى أن ما سنشهده خلال الفترة المقبلة سيكون مفاجئاً للجميع.
فكما شهدنا خلال الفترة السابقة هجرة كبيرة لرؤوس الأموال إلى دول مجاورة بسبب عدم توافر البيئة الاستثمارية الملائمة لها داخل الوطن، وتلكأ صانعو القرار الاقتصادي عن معالجة هذا الوضع بالطريقة الصحيحة، لا أستغرب أن تبدأ عملية استقطاب أفضل الموارد البشرية السعودية وفي جميع المجالات من داخل الوطن إلى خارجه. والسبب في ذلك عدم كفاية الدخول التي يحصلون عليها والتي لم تعد تكفي لدفع قسط أو سداد إيجار منزل، والموضوع فعلاً بحاجة إلى إعادة نظر!
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
مواقع النشر (المفضلة)