[frame="10 80"]مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله ..
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الأزواج في معاملة أهله ، كيف لا وهو الذي يقول لأصحابه كما في الحديث الصحيح الذي أورده ابن ماجة في سننه ( 2 / 158 ) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خيركم ، خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي .
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعمل مع أهله في مهنة البيت حتى تحضر الصلاة ، فإذا حضرت الصلاة لم يُقدّم عليها شيئاً ، روى البخاري في صحيحه ( 8 / 17 ) من حديث الأسود قال : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله ؟ قالت : كان في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة .
وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس هذا النوع من المداعبة في بيته ومع أهله وخاصته ، والقصص في ذلك كثيرة وهي أيضاً ذات جانب تربوي واضح ، كما وأن فيها بث لروح جديدة داخل الأسرة ، والتي تساعد بدورها على استمرار الحياة الزوجية وتدفقها .
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر اصحابه بزواج البكر ويعلل ذلك بقوله : تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك . الإرواء برقم ( 1785 ) .
ومن الأمثلة على حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لأهله ما كان يداعب به زوجاته ، مدخلاً بذلك السرور على أنفسهم .
1- ما أخرج الإمام أحمد في مسنده (6/ 39 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن – أي لم تسمن - ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ثم قال لي : تعالى حتى أسابقك ، فسابقته فسبقته ، فسكت عن حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس : تقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك ويقول : هذه بتلك .
سبحان الله !! إن السفر مجهد مضني ، والنفوس فيه متعبة ، وإدخال السرور على الناس وخاصة الزوجة في مثل هذا الموطن من العشرة الحسنة ، بل هي من كريم الطبع وحسن الخلق .
ونظرة متفحصة إلى واقعنا اليوم و إلى حال الأزواج مع زوجاتهم وخاصة في السفر تجد العجب العجاب ، تجهم و تكشير وعبوس وكأنه أمر بأن يحمل زوجته على رأسه وأن يسافر بها ، ما كأن الطائرة أو السيارة هي التي تحمل وتنقل .. أين التطبيق العملي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟! لا نطلب منك أن تسابق زوجتك ، ولكن الانبساط في الحديث وأن ينفتر الوجه عن ابتسامة حنان كفيلة بأن تدخل السرور على الزوجة والأهل .. وهي بدورها – أي الابتسامة – تريح الأعصاب وتبدل من حال إلى حال .
2 – روى ابن ماجة في سننه ( 2/ 158 ) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : قالت عائشة : ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن ، وهي غضبى – أي أنها فوجئت بدخول زينب عليها رضي الله عنها – ، ثم قالت : يا رسول الله ! أحسبُكَ إذا قَلَبَت لك بُنَيَّةُ أبي بكر ذُرَيْعَتَيْها – تصغير الذراع والمقصود ساعِدَيها – ؟ ثم أقْبَلَتْ عليّ فأعْرَضْتُ عنها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك فانتصري ، فأقْبَلْتُ عليها ، حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ، ما تَرُدُّ عليّ شيئاً ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه .
الذي نفهمه من هذا الموقف العظيم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف زينب لكونها دخلت عليهما دون إذن ، وخاصة لمن كانت له أكثر من زوجة ، وفي المقابل طلب من عائشة أن تتصرف في هذا الموقف لترد على زينب هذا التصرف بأسلوب فيه تربية وإرشاد ، فحصل المطلوب ..
3 – أخرج الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 272 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : جاء أبوبكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاذن له ودخل فقال : يا ابنة أم رومان ! وتناولها ، أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ، قال : فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها : ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ؟ قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها ، قال : فأذن له ، فدخل فقال له أبو بكر : يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما .
موقف عظيم من رجل عظيم ، ألا وهو موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو لم يتمالك نفسه أن يرى أحداً يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان هذا الشخص ابنته ، فكان تصرفه من دافع المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي المقابل كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقف الصابر الذي يتفهم الأمر ولا يعطيه أكثر من حقه ودن تضخيم لهذا الموقف .. فبمجرد أن تم فض الاشتباك وانصرف الصديق رضي الله عنه عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مداعبة عائشة و الحديث معها وكأن شيئاً لم يكن ..
4 – روى أبو يعلى في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له – أي أنها أتته بنوع من الطعام - ، فقالت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينهما : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الحريرة ، فطليت وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع بيده لها ، وقال لها : إلطخي وجهها - أي أنه وضع من تلك الحريرة في يده لسودة لتلطخ وجه عائشة رضي الله عنها - ، فلطخت وجهي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها .
وهذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على مدى عدله بين زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين ، فكما أن عائشة قامت بتلطيخ وجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة ، أعان الرسول صلى الله عليه وسلم سودة على تلطيخ وجه عائشة ، بأسلوب لطيف ، وكأنه يقول لها هذه بتلك .. ودون أن يترك هذا التصرف منه صلى الله عليه وسلم في النفوس شيء بين زوجاته ..
5 – أخرج أبو داود في سننه ( 3/ 209 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي – لُعَبٍ – فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ! قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟! قالت : فضحك ، حتى رأيت نواجذه .
موقف عظيم .. وتبسط في الحديث .. فهو صلى الله عليه وسلم يرى ويعلم ما في هذا الستر ، لكنه أحب أن يداعب عائشة و يلاطفها .. فسألها سؤال متحبب ..
6 – أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6078 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف غَضَبكِ من رضاكِ ، قالت : قلت وكيف تعرف ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنك إذا كنت راضية قلتِ بلى ورب محمد ، وإذا كنت ساخطة قلت : لا ورب إبراهيم ، قالت : أجل ، لا أهجر إلا اسمك .
هنا النبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يداعب عائشة رضي الله عنها .. واحب أن يطلعها على شيء قد تكون هي غير منتبه له .. وهو قسمها أثناء غضبها .. فمن خلال هذا القسم كان صلى الله عليه وسلم يعرف ما إذا كانت غاضبة أم راضية .. وكان جوابها رضوان الله عليها : بأنها لا تهجر إلا اسم النبي صلى الله عليه وسلم وليس شخصه .. وهذا من شدة حبها له رضوان الله عليها ..
7 – وأخرج البخاري في صحيحة برقم ( 5211 ) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة وحفصة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر ، فقالت : بلى ، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة ، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : رب سلط عليّ عقرباً أو حية تلدغني ولا أستطيع أن أقول له شيئاً .
إلى غيرها من المواقف العظيمة في التربية النبوية بالمداعبة .. [/frame]
كتبته لكم من كتاب زوجات النبي وكيفية التعامل مع الاهل نسأل الله لكم الفائده والاقتداء بالسيره النبويه المطهرة
مواقع النشر (المفضلة)