فتنة الغرب ..... هي أعظم فتنة شهدتها الأرض !!!
سعيد الكثيري
عبر التاريخ ظهرت المكتشفات والمخترعات ، إلا أنها في عهد الحضارة الغربية قفزت قفزة فلكية أدت إلى تغيير شكل الحياة على وجه الأرض .
شكل الحياة قبل قرنين من الزمان في معظم أنحاء العالم لا يكاد يختلف عن شكل الحياة قبل عشرة قرون وقبل عشرين قرناً . وخلال فترة وجيزة أدى انهمار المكتشفات والمخترعات إلى حدوث نقلة بشرية نوعية غير مسبوقة على الصعيد المادي .
بإمكانك أن تطوف الأرض في بعض يوم . بإمكانك أن ترى وتسمع ما يحدث في أقصى الأرض دون أن تغادر منزلك . بإمكانك أن تتحدث مباشرة مع أي إنسان في أبعد نقطة وكأنه يقف أمامك . بإمكانك أن تتحكم في أموالك وأن تديرها من منزلك أو من أي مكان تقيم فيه أو تنتقل إليه . بإمكانك أن تكتب من بيتك ما أردت ثم توافق على إرساله عبر الإنترنت ليقرأه أي إنسان على وجه الأرض .
في الطب والجراحة وزراعة الأعضاء والأدوية والهندسة والاتصالات والمواصلات والإعلام والفلك وأسلحة الحروب وغيرها من الميادين حدثت تطورات تفوق الخيال .
عبر التاريخ ظهرت مقولات وأفكار وفلسفات إلحادية ، إلا أنه في عصر الحضارة الغربية أصبح الإلحاد ركيزة وعقيدة هذه الحضارة وتم بثه إلى مختلف أصقاع الأرض ، سواء كان إلحاداً سافراً ومباشراً كما هو الحال في فكرة الطبيعة والفلسفات المادية أو كان إقصاء واستبعاداً للدين كما هو الحال في فكرة العلمانية .
عبر التاريخ كان هناك شكل معين لأوضاع النساء وعلاقاتهن وأزيائهن ، إلا أنه في عهد الحضارة الغربية تم قلب أوضاع النساء في معظم أنحاء العالم رأساً على عقب .
عبر التاريخ هيمنت بعض الدول عسكرياً على بعض الدول ، أما في عصر الحضارة الغربية فقد اكتسح الغرب العالم عسكرياً واكتسحه ثقافياً واكتسحه إعلامياً واكتسحه علمياً واكتسحه اقتصادياً واكتسحه فنياً !!
هذا التأثير العميق على البشر وعلى الحياة وإنتاج كل ما هو إيجابي وكل ما هو سلبي أدى إلى إحداث أعظم فتنة في الأرض .
وإذا كانت الفتنة تعني تشكيك الناس في عقائدهم وأفكارهم ورؤاهم وأوضاعهم واقتصادهم وسياستهم وأخلاقهم ، فإن الغرب قدم ولا زال يقدم ما يفوق التصور على هذا الصعيد !!
إذا نظرنا إلى مفهوم الفتنة من بوابة العجائب ( المكتشفات والمخترعات ) والشبهات والشهوات فإن الغرب يقدم خلال القرن الواحد ، بل ربما خلال العقد الواحد ، ما قدمه البشر عبر التاريخ من عجائب وشبهات وشهوات !!
لننظر إلى القدرات ، فالبعض قد يرى بأنه لا يوجد ما يمنع من ظهور تجربة نهضوية جديدة في المستقبل تجسد قدرات تفوق ما قدمته التجربة الغربية .
والواقع أنه لا يوجد ما يحول دون حدوث هذه الفرضية ، ولكن إذا ربطنا الأمر بمفهوم ومعنى الفتنة فإنه لن يشهد التاريخ البشري قدرات مترابطة مع معنى الفتنة كالتي جسدتها التجربة الغربية ، نظراً لأن فتنة القدرات ترتبط بمرحلة بداياتها وظهورها البطيء ومقدار مصادمتها للوعي السائد والقناعات السائدة .
من هذه الزاوية لن توجد تجربة نهضوية توازي التجربة الغربية ، ففتنة قدراتها ارتبطت بالبدايات المتفرقة والبطيئة والتدريجية التي شكلت بداية التحـول من شكل الحياة القديم إلى شكل الحياة الحديث .
لا يوجد شيء يمكن أن يفتن الناس مثل ظهور أفكار تصادم قناعاتهم الراسخة ومعلوماتهم المستقرة ومسلماتهم ومعتقداتهم دون أن يكون لديهم القدرة على تحجيمها أو مواجهتها أو تقديم البديل عنها . والحضارة الغربية كانت نموذجية على هذا الصعيد . ومهما ظهر من حضارات مادية جديدة فإنها لا يمكن أن تقدم ما هو أكثر من استثمار وتطوير الأسس والاختراقات التي أحدثتها الحضارة الغربية .
لننظر على سبيل المثال إلى معلومة مثل كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس .
هذه المعلومة أصبحت عادية ولا تكاد تثير أحداً ويدرسها أطفالنا كإحدى المسلمات التي لا غرابة فيها . أما في بداية ظهورها وخلال رحلة إثباتها والتدليل عليها واستثمارها فقد كانت معلومة مدوية هزت الثقافة السائدة وأثارت الكثير من الهواجس والتساؤلات والشبهات والنظريات والفلسفات المصادمة للدين .
حين تم اختراع أول محرك ثم أول قاطرة وأول سيارة وأول هاتف وأول تلغراف وأول طائرة امتلأ الناس بالدهشة وراجعوا ثقافاتهم السائدة وتشككوا فيها وطرحوا ألف سؤال وسؤال وألف شبهة وشبهة بشأنها وكان الأمر أشبه بأعظم وأغرب صنوف السحر والعجائب والغرائب . حين حط أول إنسان على سطح القمر كانت لحظة مدوية في تاريخ الأرض .
المشكلة هي أن رحلة التطور الغربي كانت تتم في إطار الصدام مع الدين كما عرفته أوروبا في القرون الوسطى ، باعتباره هو التحدي الحقيقي الذي واجه الحركة العلمية وحاول وأدها . وبالتالي فقد وظفت الكشوف والمخترعات في مواجهة الدين وفي إطار الرغبة في إيجاد البديل عنه . وهذه أوضـاع لا يمكن أن تتكرر مرة أخرى .
لقد ظهرت المكتشفات والمخترعات بشكل بطيء ومتدرج ، واتسمت بشدة مصادمتها للأوضاع والثقافات السائدة وبظهورها في جو الصراع والصدام المحتدم مع الدين .
وهذه أوضاع وظروف لا يمكن أن تحدث مرة أخرى بذات الدرجة .
وهانحن نشاهد في العقود الأخيرة كيف أن المخترعات والمكتشفات أصبحت متسارعة إلى حدود مذهلة ، ورغم ذلك فإنها لم تعد تحدث لدى الناس عشر معشار الفتنة والتساؤلات التي كان يحدثها أي اكتشاف أو اختراع خلال فترة ظهور وشيوع منتجات التجربة الغربية الحديثة .
أجدادنا قرأوا على الهاتف حين شاهدوه أول مرة ، وكان أبناء المدن والقرى يتقاطرون خلف السيارة والطائرة ويتحاشدون لرؤية التلفاز أو سماع المذياع أو مشاهدة الصور وكأنهم يدخلون أحد العوالم السحرية .
هـذا الوضع انتهى ، وأطفالنا وبعض عجائزنا أصبحوا يستهلكون أحدث الأجهزة التقنية دون التساؤل إلا عن كيفية الاستخدام ومزايا تلك الأجهزة وخدمات الصيانة وما بعد البيع .
المركبات المأهولة وغير المأهولة تطوف الفضاء وتصل إلى المريخ وإلى حدود المجموعة الشمسية ، والأقمار الصناعية تحيط بالأرض وتنقل الصور والأحاديث لألوف القنوات التلفازية والإذاعية وملايين الخطوط الهاتفية ، والناس لم يعد يشغلهم سوى كيفية الاستهلاك وماهية الخدمات الجديدة .
فتنة المكتشفات والمخترعات حدثت خلال مرحلة التحول نحو الحياة الحديثة ، وكل النظريات والأفكار الإلحادية الكبرى ارتبطت بتلك المرحلة وكانت مسكونة بالصدام مع الدين ومبنية على أجزاء أولية من الحقائق العلمية التي سرعان ما تبعتها أجزاء وشواهد ودلائل نقضت أو عدلت أسس تلك النظريات والأفكار . وهانحن نشاهد كيف أن وتيرة المكتشفات والمخترعات تتسارع بصورة هائلة إلى حد أن ما أصبح يظهر منها خلال عقد أو عقدين يفوق ما كان يظهر خلال قرون , ورغم ذلك فإن ما واكب هذه الوتيرة المتسارعة هو عودة الإحياء الديني وتراجع النظرة والأفكار الإلحادية حتى في البيئات الغربية ذاتها .
لم تعد أداة الصدام مع الدين هي المكتشفات والمخترعات ، بل أصبح الصدام يدور حول نمط الحياة والسلوك ( النظام السياسي ، النظام القانوني ، النظام الأخلاقي ، أوضاع المرأة ، أوضاع الأقليات ...... ) .
وبالتالي فمرحلة توظيف المخترعات والمكتشفات في خدمة الإلحاد قد ولت وانقضت وفقدت معظم دوافعها وقابليتها للتبني أو الشيوع الواسع . أما الأفكار المتعلقة بنمط الحياة والسلوك فالأديان لم تعد تملك سوى التعايش مع الفكرة العلمانية ، عدا الدين الإسلامي الذي يحمل مضموناً دنيوياً . وأتباع هذا الدين قد واجهوا الفتنة مع التجربة الغربية ولن يكون أمام أية تجربة جديدة سوى استهلاك وإعادة إنتاج مقولات التجربة الغربية ، وهو وضع لا يمكن أن يثير فتنة تستحق الذكر .
وهكذا فإن فتنة التجربة النهضوية الغربية على صعيد المكتشفات والمخترعات والشبهات والشهوات لا يمكن أن تتكرر بذات الدرجة ، فهي وليدة فترة التحول نحو الحياة الحديثة ووليدة الملابسات والظروف التي ارتبطت بتلك الفترة .
لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكثير من أحداث المستقبل ، مثل بعض الأحداث التي وقعت في عهد الصحابة ، وأنبأ عن الملك العضوض والملك الجبري ، وأنبأ عن زمن نطق الرويبضة وخيانة الأمانة وشيوع الزنا والخمر والمعازف وإسناد الأمر إلى غير أهله ، وحصار العراق والشام ، وعلو اليهود ...... الخ . فهل من المنطقي والمعقول أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أحداث المستقبل الكبرى والمتوسطة ، بل وبعض الأحداث الصغرى ، بينما لا يخبر عن الحضارة الغربية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدى قرون وغيرت شكل الحياة على وجه الأرض وفتنت المسلمين كما لم يفتنوا من قبل ؟!!!
ليس من المعقول ولا من المفهوم لكل متدبر لنبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم أن تغيب صورة هذا المشهد الأسطوري للحضارة الغربية عن الأحاديث النبوية !!
وإذا كان غياب فتنة الحضارة الغربية عن أحاديث الرسول ليس معقولاً ولا مفهوماً فلماذا غابت إذن ؟!!!
قد تكون غائبة ، وهذا أمر يصعب فهمه أو تفسيره ، وقد تكون موجودة بقوة ولكنه كان من الصعب ، بل من المستحيل ، اكتشاف ذلك قبل ظهور الحضارة الغربية ، باعتبار أن الإخبار عن تلك الحضارة هو إخبار عن أمر غيبي يستحيل اكتشاف صورته الدقيقة قبل حدوث تلك الصورة وتحققها .
وإذا صح ذلك فأين يمكن أن نجد إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن فتنة الحضارة الغربية ؟!!
لا شك أننا سنجدها في أخبار الفتن !!
وإذا كانت الحضارة الغربية هي أعظم وأكبر فتنة شهدتها الأرض ، فما هي أعظم وأكبر فتنة أخبر عنها الرسول وحذر منها ؟!!
إنها فتنة المسيح الدجال !!
هل يوجد رابط بين فتنة الحضارة الغربية وفتنة المسيح الدجال ؟!
في رأيي أن الرابط تام وعميق ومؤكد ، ولكن بعد إعادة الفهم وإعادة التدبر للأحاديث الواردة بشأن المسيح الدجال .
ومن أجل حسن فهم ما أخبر عنه الرسول ، لنتصور أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة الكرام عن الحضارة الغربية مباشرة . فما هي الصورة التي كان يمكن أن ترد في أحاديث الرسول ؟!!
العلاقة بين فتنة المسيح الدجال .... وفتنة الحضارة الغربية !!!
ورد ذكر المسيح الدجال في مئـات الروايات ، منها نحو (50) رواية في صحيح البخاري ، ونحو (60) رواية في صحيح مسلم ، ونحو (30) رواية في كل من سنن أبي داود والترمذي والنسائي ، وبضع عشرة رواية في سنن ابن ماجه ، وما يقرب من (200) رواية في مسند أحمد ، بالإضافة إلى روايات أخرى وردت في بقية كتب الحديث . هـذه الروايات تناولت نبوءة المسيح الدجال من زوايا وجوانب متفرقة .
ولعل أكثر الجوانب المشتركة في هذه الروايات هي أخبار الاستعاذة من فتنة الدجال ووصف عينيه وحرمة المدينة عليه وكلمة الكفر المكتوبة بين عينيه ومسألة الواديين أو النهرين اللذين يفتن بهما الناس .
تشير الأحاديث إلى أنه سيظهر رجل أعور متنافر الملامح مكتوب بين عينيه كافر يدعي الألوهية ويخلط الناس بينه وبين الله .
يخرج من غضبة يغضبها ، ويكون خروجه من خراسـان ، ويتبعه سبعون ألفـاً من يهود أصفهـان ، ويكون لـه خروج من خلة ( فتحة أو منفذ ) بين العراق والشام فيعيث يميناً وشمالاً . وقد أشارت الأحاديث إلى أن خروجه يكون بعد فتح القسطنطينية .
هذا الرجل سيثير أعظم فتنة منذ خلق آدم إلى قيام الساعة . يأتيه الرجل وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه لكثرة ما يثيره من الشبهات .
فتنته شديدة على النساء ، حتى أن الرجل يعمد إلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقهن مخافة أن يخرجن إلى الدجـال .
معه ماء ونار أو نهران أو واديـان يفتن بهما الناس ، أحدهما جنته والآخر نـاره ، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بدخول النار وتجنب الجنة .
يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويمر بالأراضي الخربة فيقـول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كمجموعات النحل . يحيي بعض الموتى . من فتنته أنه يركب حمـاراً بين أذنيه أو ذراعيه أربعين ذراعاً . سرعته كالغيث استدبرته الريح ، ويطوي الأرض كطي الفروة ، ويمكث في الأرض أربعين يومـاً ، وهذه الأيام كالسنة ثم كالشهر ثم كالجمعة ثم كاليـوم .
يطأ كل البقـاع عدا مكة وطرقات المدينة . معه أنهار ماء وجبال خبز ، ويمر بأهل الحي فيكذبونه فتسوء أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم ويمر بأهل الحي فيصدقونه فتتحسن أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم .
بنو تميم هم أشد الناس عليه . لا يعرفه الناس ولا يتم اكتشاف أمره ( أي اكتشاف أنه المسيح الدجال الذي حذر الرسول من فتنته ) إلا بعد حدوث الفتنة وبلوغها أقصى مداها ، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بأنهم سيغزونه ويفتحونه .
الألفاظ الواردة في الأحاديث : هل يقصد منها المعنى اللغوي المباشر أم المعنى المجازي بمثل ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ظهور قرن الشيطان من نجد أو من المشرق وقطعه وظهوره وقطعه وظهوره وقطعه عشر مرات أو عشرين مرة ؟!.
الذين يقبلون الأحاديث ولا ينازعون في صحتها وموثوقيتها يرون أن المعنى اللغوي المباشر هو المقصود .
فلنتأمل ولننظر فيما إذا كان هذا المعنى هو المقصود ، أم أن المعنى المقصود هو المعنى المجازي الذي يهدف إلى تقريب الصورة الحقيقية إلى الأذهان ، وذلك لتمكين أهل عصر الرسالة ومن تلاهم من تخيل واستيعاب الأمور المستقبلية الجديدة ، وللحفاظ على الطابع الغيبي للأحداث والصور المستقبلية ومنع العلم الدقيق بها قبل حدوثها ، ولعدم إجهاض موضوع النبوءة ( الفتنة أو الاختبار والامتحان ) .
ولعل من المناسب أن تكون البداية مع الخبر العجيب الذي حملته الأحاديث الواردة بشأن فتنة المسيح الدجال ، ومفاده أن الناس لن يكتشفوا المسيح الدجال ولن يعرفوه حتى أواخر فتنته . فهل يستقيم هذا الخبر مع الفهم اللغوي المباشر لنصوص النبوءة ؟!.
رجل محدد الملامح وموصوف بشكل تفصيلي ، يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويأمر كنوز الأرض فتتبعه ، ويحيي الآباء والأمهات ، ويركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ، وتتغير في عهده حتى سنن دوران الأرض حول نفسها وحـول الشمس ( يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة .... ) ومكتوب بين عينيه كافر يقرؤها حتى الأمي الذي لا يجيد القراءة ، ورغم ذلك فإنه لا يكتشفه ولا يعرفه أحد !!. مجرد المعرفة لن تحدث !!.
وحين يتم اكتشافه والاستشهاد عليه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم - هذا يعني أن الأحاديث موجودة وشائعة بين الناس - فإن الناس لن يصدقوا هذا الاكتشاف . لماذا ؟!.
هذه مفارقة ضخمة لا يفيد الفهم اللغوي المباشر في تفسيرها . أما بموجب الفهم التأويلي فإن هذه تعد مفارقة قابلة للتفسير والفهم ، فخفاء شخصية المسيح الدجال وعدم اكتشافها حتى أواخر فتنته يرجع إلى التصوير المجازي والتشبيهي الذي حملته النبوءة .
الفهم اللغوي المباشر هو الذي يحول دون الاكتشاف والتعرف على شخصية الدجال .
ونحن لا يساورنا شك في أنه لولا التصوير المجازي لما خفيت شخصية الدجال حتى على الأطفال وأبسط البسطاء وأقل الناس وعياً وتعليماً . وحتى إن خفي على هؤلاء فلن يخلو الزمان من أناس مطلعين على الأحاديث . وهؤلاء سيكتشفون شخصية الدجال على الفور أو على الأقل مع ظهور العجائب والتحولات الكونية .
القائلون بالتفسير اللغوي المباشر لا يشعرون على نحو كاف بصعوبة وعدم منطقية ما يظنونه . وسنضرب مثالاً لإيضاح هذه المسألة .
فلنفترض أن الأحاديث بدل أن تتحدث عن المسيح الدجال تحدثت عن الغرب بصورة مباشرة وواضحة !!.
لنفترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه سيظهر من بلاد الفرنجة أو بني الأصفر حضارة تعترف بمصدر وحيد للعلم والمعرفة وهو العقل وترفض الوحي وتضع بديلاً لفكرة الخالق وهي الطبيعة ( وكأنها تنظر بعين واحدة ) وأن هذا هو الفارق الجوهري بينها وبين كل التجارب النهضوية التي تعرف الطريق إلى الله عبر اعترافها بمصدرين للعلم والمعرفة هما العقل والوحي .
هذه الحضارة ستتخذ شكلاً ملفتاً جداً وجامعاً بين كل المتناقضات .
خروجها على الدين سيكون ظاهراً وواضحاً لكل المؤمنين حتى وإن كانوا أميين .
أبناء هذه الحضارة ينتسبون إلى المسيحية ولكنهم خارجون عليها . ستظهر هذه الحضارة بعد فتح القسطنطينية ، وستكون الحضارة التي سيواجهها المسلمون بعد مواجهتهم للحضارة الرومانية . سيكون ظهورهـا عبر ثورة . سيكون اليهود أبرز أتباعها والمستفيدين منها من غير أبنائها ، وسيكون لهم نفوذ هائل في منطقة ممتدة عن بلاد الفرنجة . سيكون لهذه الحضارة حضور عسكري مسلح يقهر المسلمين في منطقة قريبة من الشـام والعراق وشكلها يشبه الطريق أو المنفذ ( فلسطين ) .
ستشكل هذه الحضارة إغراء كبيراً للنساء وستؤدي إلى إحداث تغييرات هائلة في أوضاعهن .
ستقدم من المكتشفات والمخترعات ما يسهل تسخير إمكانات الكون واستغلال موارد الأرض واستخراج المعادن من الصحاري والأودية والقفار .
ستصل كل منتجاتها إلى كل الناس وتفتنهم وتغريهم وتبهرهم . وهذه المنتجات جميعاً تنتمي إلى حقلين متمايزين وواضحين ( العلوم والآداب ) أحدهما حقل صعب وصارم ومرهق ( العلوم ) والآخر سهل وجذاب ومغر ( الآداب ) فابتعدوا عن هذا الحقل السهل والجذاب ( حيث الفلسفات والادعاءات وأنماط الحياة والسلوك المبنية عليها ) واذهبوا إلى الحقل المرهق والجاف ( العلوم العلمية والتطبيقية ) . الذين سيقبلون هذه الحضارة سيستفيدون وتتحسن أحوالهم والذين سيرفضونها ستسوء أوضاعهم .
من بين الأشياء الفاتنة التي ستتاح للناس عن طريق هذه الحضارة إمكانية سماع ورؤية الأموات عن طريق التصوير ، ومن وسائل النقل الفاتنة التي ستظهر مع هذه الحضارة حاملة الطائرات .
في زمن هذه الحضارة سيتقارب الزمن بصورة متسارعة وعبر ما يشبه القفزات نتيجة التطور الهائل في وسائل النقل والاتصال وستشتد سرعة الانتقال في كل مكان على الأرض .
أبناء هذه الحضارة لن يطأوا مكة والمدينة ، ولكنهم سيطأون كل بقعة عداها ، إما استعماراً أو عملاً أو سياحة .
لنفترض أننا وجدنا هذا الوصف الحي والمعاصر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم . فما الذي يلزم من التفسير اللغوي المباشر لأحاديث المسيح الدجال ؟!.
بما أن هؤلاء يقرأون في أحاديث الرسول أن الناس لن يعرفوا المسيح الدجال – مجرد المعرفة – ولن يكتشفوا حقيقته إلا في أواخر فتنته ، فإنه يلزم من فهمهم أنه حتى لو أخبر الرسول عن الحضارة الغربية بصورة مباشرة وواضحة فإن الناس لن يعرفـوا هذه الحضارة ولن يكتشفوا أنها هي المقصودة بهذا الوصف الحي والعصري ، بمثل ما أنهم لن يعرفوا المسيح الدجال ولن يكتشفوا حقيقته حتى أواخر فتنته !!.
ستخفى عليهم حقيقة هذه الحضارة وإخبـار الرسول عنها بمثل ما ستخفى عليهم حقيقة المسيح الدجال حين يعايشون فتنته ويشهدون كل تفاصيلها ، رغم أن الأحاديث موجودة بينهم والأخبـار مبثوثة في كل كتب الحديث عبر مئات الروايـات ويستعيذون بالله من شر فتنته في صلواتهم .
سيعايشون هذه الصورة الدقيقة والحية والتفصيلية للحضارة الغربية ويعيشون معها فتنة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً دون أن يعرفوا أو يكتشفوا أن رسول الله أخبرهم عنها ، بمثل ما أن المسلمين الذين سيعايشون فتنة المسيح الدجال لن يعرفوه ولن يكتشفوا حقيقته رغم معايشتهم لفتنته وعجائبه ومعرفتهم بالأحاديث الواردة بشأنه .
لن يتم اكتشاف أمر هذه الحضارة ولا العلم بأن الرسـول صلى الله عليه وسلم أخبرهم عنها إلا في أواخر فتنتها ، بمثل ما أنه لن يتم اكتشاف أمر المسيح الدجال إلا في أواخر فتنته . وكيف سيحدث الاكتشاف ؟!.
بمجرد الإشارة إلى الأحاديث ، والتأكيد بأن هذه هي الحضارة التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها ، بمثل اكتشاف شخصية المسيح الدجال بمجرد الإشارة إلى الأحاديث ، والتأكيد بأن هذا هو الدجال الذي أخبر الرسول عنه !!.
والعجيب أن الناس لن يصدقوا هذا الاكتشاف ، وسيشككون في سلامة عقيدة ومنهج من يقول به !!!.
هذا من جانب . ومن جانب آخر فإن أصحاب التفسير اللغوي المباشر يظنون أن هذا العرض الحي والعصري والمفصل للتجربة الغربية لا يجعل الناس عالمين بغيب هذه التجربة . سيظل أمرها غيباً لا يعلمه إلا الله !!.
منذ أول ظهور لها لن يعرف الناس بقية التفاصيل المتتالية الواردة في الأحاديث رغم أنها موجودة بشكل تفصيلي . سيظل كل تحقق لوصف جديد أو ملمح جديد بمثابة حلقة في فتنة لا يعلم أحد عن أخبارها شيئاً !!.
هذا بالضبط هو ما يظنه القائلون بالتفسير اللغوي المباشر . يظنون أن نبوءة المسيح الدجال ستتحقق كما هي تماماً بكل تفصيل من تفاصيلها ، ورغم ذلك فإن جميع الناس لن يعرفوا الدجال ولن يكتشفوه .
سيتجسد أمامهم كل ملمح وكل وصف ومع ذلك ستعمى عيونهم ومداركهم عن معرفة كون هذا بالضبط هو ما ورد في الأحاديث وما يؤمنون به ويدافعون ويجادلون بشأنه .
سيحتاج الأمر في أواخر الفتنة والخفاء إلى التأكيد لهم بأن هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
سيحتاج الأمر إلى تأكيد ما يؤمنون به أصلاً . ورغم ذلك سيرفضون هذا التأكيد ويشكون في سلامة ومنهج من يقول به !!.
هم يظنون أن الدجال سيتجسد على النحو الذي تدل عليه ألفاظ الأحاديث تماماً . وحين يتجسد لا يعرفه أحد أبداً ، وحين يقال لهم هذا هو الدجال الموصوف في الأحاديث يرون بأن هذا زيغ وضلال !!. هل يعقل هذا ؟!.
هل يدل هذا على أن تجسد الدجـال سيكون كما تدل عليه المعاني اللغوية المباشرة للألفاظ ، أم يدل على أن في الأمر تشبيه وتقريب ، وأن هذا هو ما سيحول بين الناس وبين التعرف على الدجال ؟!.
ترى ، هل يشعر القائلون بالتفسير اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال بهذه المفارقات والصعوبات ؟!!
الأمر أقوى بكثير من الصعوبة أو المفارقة التي أشرنا إليها . ولاحقاً بمشيئة الله سيكون لنا جولات مع الصعوبات التي يثيرها التفسير اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال ،،،،،
لنبدأ بالروايات والآثار التي تبدو مؤيدة ومرجحة للتفسير اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال ، ومن ذلك الروايات التي أشارت إلى إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما ذكره تميم الداري من أنه رأى المسيح الدجال مقيداً في إحدى الجزر ، وذلك في قصة طويلة مليئة بالعجائب والغرائب .
والواقع أن في هذه الروايات الكثير من العلل التي تقدح في صحة مضمونها وموثوقيته ، فهي تخالف الكثير مما أثبته العلم ويقبله العقل وليس في لغتها ولا في مضامينها ما ينتمي إلى لغة ومضامين الوحي ، بل تفوح منها رائحة الأسطورة ، وتناقض ما صرح به القـرآن الكريم من أن الغيب – حالة كونه غيباً - لا يعلمه إلا الله بينما القصة تؤكد أن تميم ومن معه اطلعوا على الغيب .
إضافة إلى أن القصة تخالف ما ورد في الأحاديث من أنه لن يبقى من الأحياء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أحد بعد مضي قرن من الزمان ، وقد أشار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله إلى هذه الحجة في معرض حديثه عن مبررات تشككه حيال صحة القصة المنسوبة إلى تميم الداري ، ورأي الشيخ منشور في موقع خيرية الشيخ على الإنترنت .
ومن جانب آخر فإنه يفترض أن القصة رويت في المسجد بحسب ما ورد في الروايـات ، ولو صح ذلك لشاعت القصة بين المسلمين ولكثر ناقلوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، في حين أنه لا مصدر للقصة في كل الروايات سوى امرأة وحيدة هي فاطمة بنت قيس.
البعض قد يستشهد بأدلة أخرى تؤيد التفسير اللغوي المباشر ، مثل ظن بعض الصحابة أن الدجال هو ابن صياد اليهودي ، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد راقبه وتأمل حاله . وهذا يمكن أن يُفهم منه أن الرسول كان يعتقد أن الدجال سيكون رجلاً .
وللموضوع بقية.........
موضع اعجبني واحببت نشره للاطلاع والفايده
للمعلومية ما ذكر كان تأويل ... والله العالم
بقية الموضوع وبشكل مفصل هلى هذا الرابط
http://altajdeed.net/f74.htm
مواقع النشر (المفضلة)