رفع الطب يديه عاجزا وتدخل الصوم مكانه معالجا
الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب
كثر الجدل حول أثر الصيام في طاقة الإنسان الجسمية، وقال البعض بغير برهان: "إن الصوم يؤثر في نمو الصبيان، وصحة الشيوخ، كما يؤثر في حجم الإنتاج"! ونسي هؤلاء أن الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام، والمرأة المسنة، والمريض الذي لا يُرجى شفاؤه، هؤلاء كلهم يفطرون ويطعمون عن كل يوم مسكينًا، ويرى بعض الفقهاء أنه لا فدية عليهم.
روى الإمام البخاري عن عطاء، أنه سمع ابن عباس- رضي الله عنهما- يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184)، قال ابن عباس: "ليست بمنسوخة، هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا".
اليوم في جميع أنحاء العالم توجد مستشفيات ومصحات، دورها علاج الأمراض المستعصية- التي فشلت العقاقير في علاجها- بالصيام.
لقد رفع الطب يديه عاجزًا ومسلِّمًا، وتدخل الصيام فأبرأهم من عللهم بإذن الله.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا تصحوا" (رواه الطبراني).
ويقول: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلث لنفسه" (رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان).
فإذا كان الصيام طريق التقوى، وتقوية الروح، فقد ثبت أن فيه تقوية للبدن، فإن كثيرًا مما يصيب الناس من أمراض إنما هو ناشئ من بطونهم، التي يملئونها بكل ما تشتهي من غير إدراك لما قد يصيبهم من متاعب.
وإذا كان البطن مستنقع البلايا، والمعدة بيت الداء، فإن الصيام رأس الدواء؛ لأن المعدة تستريح، ومن ثم يتخلص الجسم من الكثير من الفضلات الضارة.
يقول الرسول - صلوات الله وسلامه عليه-: "نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع"، وقيل لسيدنا يوسف- عليه السلام -: لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض؟ فقال: "أخاف أن أشبع فأنسى الجائع".
وقال لقمان الحكيم لابنه: "يا بني، إذا امتلأت المعدة خرست الحكمة، ونامت الفطنة، وسكنت الأعضاء عن العبادة".
دور الصيام في العلاج:
وقد أكد "بلزاك"- وكان أشهر علماء عصره- اهتمامه بالصوم العلاجي، فقد كان يرى أن يومًا واحدًا يصومه الإنسان أفضل من تعاطي ما يشير به الأطباء من الدواء، وكثيرًا ما أشاد "سينكا" بهؤلاء الأطباء القدامى الذين كانوا يشيرون على مرضاهم بالصيام؛ بل إن "كوبنلوس" الطبيب الإغريقي كتب في السنة العاشرة الميلادية معللاً ما لوحظ من أن الشفاء أسرع إلى المرضى الأرقاء منه إلى المرضى الأحرار، يقول: "إن هذا يرجع إلى أن الأرقاء أكثر دقة في اتباع نظام الصوم العلاجي"، (انظر: كتاب سلسلة اقرأ، د. مصطفى عبدالرحمن).
والصوم يستعمل طبيًّا في علاج حالات كثيرة، والوقاية في حالات أخرى كثيرة أيضًا، فهو له دور في:
1- علاج اضطرابات الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمر.
2- علاج زيادة الوزن الناشئة من كثرة الطعام.
3- علاج أمراض الكلى الملتهبة والحادة والمزمنة علاجًا شافيًا.
4- علاج أمراض القلب، كما يقي من مرض البول السكري.
5- علاج أمراض زيادة الحساسية، وأمراض البشرة الدهنية.
وتقوم مصحات كثيرة بالعلاج بالصوم، وعملها: تخليص الجسم من نفايات الغذاء، ودسمه، وكثرته، وكذلك من السموم الناتجة عن التخمرات الغذائية، وبقاء فضلاتها في الجسم.
ويعتبر الصوم راحة إجبارية لمختلف أجهزة الهضم التي هي في مقدمة ما يُصاب من الجسم بالأمراض.
ولعل أشهر المصحات هي المصحة التي تحمل اسم د. هيزيج لاهان، في "درسون بسكسونيا"، ويقوم العلاج فيها كاملاً على الصوم.
يقول الدكتور "أليكس كاريل": "إن الأديان كافة تدعو الناس إلى وجوب الصوم؛ إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع، ويحدث أحيانًا التهيج العصبي، ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية، أهم بكثير منه، فإن سكر الكبد سيتحرك، ويتحرك معه الدهن المخزون تحت الجلد، وبروتينات العضل والغدد، وخلايا الكبد، وتضحّي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة، للإبقاء على كمال الوسط الداخلي، وسلامة القلب، وإن الصوم لينظف أنسجتنا" (المرجع السابق).
وصدق الله العظيم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، فالصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، والغاية الأولى له إعداد قلوبهم للتقوى، والشفافية، والخشية منه - سبحانه -.
فيما سبق: ذكرت بعضًا مما ظهر من آثار نافعة للصوم في وظائف الأبدان، ومع أن البعض لا يميل إلى تعليل الفرائض والتوجيهات الإلهية في العبادات بصفة خاصة بما يظهر للعين من فوائد حسية؛ إذ الحكمة فيها إعداد الكائن البشري لدوره على الأرض، وتهيئته للكمال المقدر له في حياة الآخرة، مع هذا كله، فإنه لا يستحب نفي ما تكشف عنه الملاحظة، أو يتوصل إليه العلم من فوائد، وآثار في حياة المسلمين لهذه الفرائض والتوجيهات الربانية.
مواقع النشر (المفضلة)