السعودية..ماراثون التسوق الرمضاني يرفع أسعار بعض السلع 100%
نجحت الأسواق والمحال الغذائية الكبرى في إيقاع المستهلكين في شَرَكها، فبداخلها لا موضع لقدم، يشعر الداخل إلى هذه الأسواق بان هناك سباقاً بين مرتادي السوق في جمع اكبر عدد ممكن من الأصناف الغذائية بمختلف أنواعها، والتي لم تدخر الأسواق جهداً في الترويج لها بالإعلان عن عروض وتخفيضات "وهمية". بعد أن ينتهي الفرد من جمع أغراضه ويتجه الى "الكاشير" يفقد الأمل في ان يحاسب ويدفع قيمة ما اشتراه خلال فترة قد تمتد الى نصف الساعة، نسبة الى الزحام وكثرة أغراض المتبضعين.
باتت الأسواق والمراكز الغذائية تدرك هذا التنافس المحموم، فراحت تعلن حال طوارئ قبل بدء الشهر الفضيل، وبذلك لم يعد رمضان شهر الرحمة والإحسان بل تحول الى شهر الإسراف واستنزاف المحافظ والجيوب.
الأرز والزيوت في الصدارة
وتزامن هذا مع استمرار ارتفاع أسعار السلع بنسبة تراوحت بين 40 و50% وبعضها إلى 100%، مقارنة برمضان الماضي، واحتل الأرز والزيوت والمشروبات المرتبة الأولى في قائمة السلع الأكثر ارتفاعاً، على رغم أن كثيراً منها أوشكت صلاحيته على الانتهاء.
في هذا الصدد، يؤكد المواطن سعيد الشمري أن الغلاء طاول جميع السلع على حد سواء، لم يفرق بين سلعة وأخرى، وان كان ثم اختلاف ففي نسبة الزيادة فقط، ولكن الأهم هو السلع الرئيسة كالأرز الوجبة الأساسية على المائدة السعودية.
ويخشى الشمري أن تؤدي هذه الزيادات إلى معاناة شديدة تقع على كاهل محدودي الدخل بتزامنها مع قلة الرواتب وارتفاع الإيجارات.
أما المواطن خالد العنزي فيرى أن اللوم كله يقع على التجار الذين لا يكتفون بهامش ربح معقول وإنما يطلبون المزيد، مستغلين إقبال الناس في هذا الشهر على الكثير من السلع رغبة في إرضاء أذواق أفراد المنزل كافة، ويشير العنزي إلى أن على وزارة التجارة دوراً كبيراً في مراقبة الأسواق ومنع تلاعب التجار بالأسعار، إضافة إلى محاربة الاحتكار ومحاولات إخفاء السلع لاصطناع أزمات في السوق.
من جهتها تقول المواطنة حصة الرفاعي إن رمضان هذا العام غير كل الأعوام فهو جاء يحمل ارتفاعاً في الأسعار المرتفعة أصلاً، لكن السلع تظهر مرة واحدة وتختفي بسرعة ولها ألف سعر وسعر... فسعر الأمس ليس كسعراليوم ، وسعرالصباح يختلف عنه في المساء "باختصار الأسعار نار نار، ومايزيد في الأمر صعوبة ان هذه الزيادة الرمضانية تسبق دخول المدارس التي لها شأن آخر... والله يستر".
التكالب على الشراء يرفع السعار
حول تأثير هذا النمط الاستهلاكي، يؤكد أستاذ الاقتصاد الدكتورعلى القحطاني أن تكالب الناس على الشراء بهذه الصورة وتركيزهم على أنواع بعينها من المأكولات أحد أسباب ارتفاع الأسعار، إذ إن كثيراً من الناس ينسى المقصد الحقيقي وراء هذا الشهر الكريم، وراح يسرف في شراء ما يحتاج وما لا يحتاج، والصواب أن يرتب الفرد أولوياته، ويفرق بين حاجاته الأساسية والضرورية وبين الكماليات وما يمكن تأجيله، فيتسنى له بذلك أن يحافظ على موازنته معتدلة، بدلاً من أن يخرج من هذا الشهر مداناً للآخرين.
ويتساءل الدكتور القحطاني: "ماذا سيحدث لو ألزم الفرد نفسه بالاعتدال، فالمسلم بطبعه شخص معتدل، والوسطية في كل شيء ديدنه، فلِمَ يثقل كاهله بما لا يطيق وفي الإمكان الاستغناء عنه؟".
وعن هذا التغير في سلوك الفرد ومن المسؤول عن ذلك، يحمل الدكتور على القحطاني وسائل الإعلام المسؤولية الأكبر قائلاً: "لوسائل الإعلام الدور الأكبر في هذا السلوك التبذيري الذي نراه الآن من خلال ما تستخدمه من وسائل إبهار وجذب، تدفع الفرد الى الشعور بالرغبة في شراء هذا المنتج الذي قد يكون الفرد في غنى عنه".
ويرى أن في ذلك فرصة للتجار لتسويق بضائع وسلع كان من غير الممكن تصريفها إلا في ظرف كهذا، موضحاً ان "كل هذه الأمور حولت رمضان إلى شهر الأزمات الاقتصادية على كثير من الأسر السعودية، التي تنجرف وراء الدعايات ما يزيد من التكاليف والأعباء على موازناتها".
تضاعف حجم المبيعات
ويتفق ما ذهب إليه الدكتور القحطاني ما ذكره عبدالله الشهري (احد العاملين بإحدى أسواق الشهيرة في الرياض) الذي يقول: "يتضاعف حجم المبيعات أضعافاً كثيرة، خصوصاً في الأيام الأخيرة من شهر شعبان وخلال شهر رمضان المبارك، وما ذلك إلا استعداد لشهر رمضان، وتسعى شركتنا من جانبها إلى اجتذاب الزبائن عن طريق العروض المنافسة، التي تبرر هذا الارتفاع في حجم المبيعات".
وعند سؤاله عن أكثر السلع مبيعاً في هذا الموسم، يجيب الشهري: "غالباً ليست هناك سلع تبقى، فكل سلعة لها زبائنها، إلا أن اللحوم والسمبوسة والمعجنات والأرز والزيوت والمكسرات تكون في المرتبة الأولى بالنسبة للعملاء".
وحول رأي الدين في هذه الظاهرة السلبية، يقول أستاذ الفقه المقارن الدكتور عقيل العقيل"إن الإسلام جاء منسقاً ومهذباً وضابطاً لكل سلوكيات المسلم، ومن ذلك الإنفاق، فقد بين الله تعالى معيار ذلك وهو الاعتدال وعدم تجاوز الحد، فقال: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين"، وقال كذلك مادحاً عباده "عباد الرحمن": "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"، وهو بذلك يأمرنا بالإنفاق من دون إسراف أو تبذير أو مخيلة".
ويضيف: "لقد جعل الله رمضان شهراً للعبادة والتواصل بين الأرحام والذكر وقيام الليل، ولم يجعله شهراً لتسمين الأبدان، فالأولى أن ينشغل الإنسان بما يسمو بروحه، حتى يخرج من هذا الشهر مغفوراً له، فرمضان شهر الجنة والعتق من النار".
مواقع النشر (المفضلة)