هكذا نغرس حب النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أبنائنا
سحر شعير
إن من الملاحظ على النفس البشرية عامة، أنها في مرحلة بنائها تحاول أن تتشبه بأقوى شخصية حولها وذلك لتقتدي بها، وتسير على هداها، وتقلدها في كل حركاتها، والله - تعالى -جعل لنا نحن المسلمين في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه القدوة العظيمة، إذ هو القدوة الثابتة الراسخة التي لا تتبدل، وهو أكمل البشر على الإطلاق وهو أفضل رسل الله أجمعين.
وقد سار السلف الصالح وخلفهم على تركيزها وتثبيتها في نفوس أبنائهم، إذ بها تتحرك مشاعر الطفل وأحاسيسه وتزداد حرارة الشعور الإسلامي بداخله، فتدفع به إلى كل خير، وتحل له مشكلاته كلها، وتهون عليه مصائبه. ولكن كيف؟؟!!
بالحب أولاً:
وحتى يتم اقتداء الصغار بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لابد أن نحببهم في شخصه الكريم، فأنت إذا عرفت الرسول وفضائله وشمائله، فإن القلب يصبح أسير حبه، فيتعلق به تعلقاً عظيماً، ويفديه بالأهل، والمال، والولد وهذا هو الذي حدث للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد ملك حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شغاف قلوبهم، فأصبح أحدهم يشتاق إليه وهو عنده، ويحمل همّ ما بعد الموت إذا افترق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة بسبب فارق الدرجات والعمل، فيطمئنه النبي بأن المرء مع من أحب.
ولقد تجلى حب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في مواقف كثيرة تزخر بها صفحات السيرة العطرة، ومن أعظمها ما حدث في موقعة أحد التي هُزم فيها المسلمون، فكان أحدهم يقف درعاً واقياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سهام المشركين، فيتلقى السهام بصدره أو ظهره.
وكما أن حبه - صلى الله عليه وسلم - مَلَكَ قلوب الصحابة، فكذلك التابعين، فهذا ثابت البناني التابعي الجليل يقول لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبلهما! "
ولا تخفى على المربين والمربيات أهمية غرس هذه المحبة في نفوس الأبناء، فهي: أساس الركن الثاني من أركان الإيمان، قال - تعالى -: " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" فإذا أردنا بناء صرح الإيمان في نفوس الصغار، فلابد من العناية بالربط الشديد لهم بشخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبته حتى يتسنى لهم الأخذ عنه في كل أمور دينهم ودنياهم.
- ولا يكمل إيمان المسلم إلا بحبه - صلى الله عليه وسلم -، وليس المراد أي درجة من الحب ولكن أن تكون محبته على رأس قائمة المحبوبين من البشر، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" فالمقصود هنا بقوله: " لا يؤمن" نفى كمال الإيمان وتمامه.
- ومحبة النبي من محبة الله - عز وجل -، فمن أحبه فقد أحب الله؛ لأن الله - تعالى -يحبه وأمر بحبه. يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: " وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً تبعاً لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسوله وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويبجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله"- نقلاً عن: جلاء الأفهام لابن القيم ص: 94
- وهذه المحبة هي الدرع الواقي من القدوات الفاسدة وأثرها المدمر على الأبناء:
ولذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الآباء بأن يربوا أبناءهم على حبه، فقال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن"
وذلك حتى يمتلئ مركز القدوة عند الأبناء بأفضل الشخصيات الصالحة له على الإطلاق فقد قال الله - تعالى -: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" فالله - تعالى -هو الذي اختار للمؤمنين القدوة الصحيحة لهم ولم يترك هذا الأمر مفتوحاً ليتخذ كل امرئ قدوة تناسب هواه وميله، ولذلك فإن المربى قد يجنى الحسرات حين يتساهل في ترك أبنائه يتعلقون ويقتدون بكل من لا خلاق له، فتارة بالممثلين وتارة باللاعبين وتارة بالمغنيين الماجنين، فيقلدوهم في تفسخهم وانحلالهم، وهذا التساهل إنما يدل على سوء التوجيه الأسرى وضعف المفاهيم المتعلقة بحسن اختيار القدوة، وضعف حب النبي في نفوس بعض الآباء فضلاً عن أبنائهم.
ومن هنا نبدأ أعزائي المربين والمربيات مسيرة التربية على أساس متين، هو غرس محبة النبي في نفوس الأبناء، وربطهم بأعظم القدوات وأنبل الشخصيات على الإطلاق.
فتابعوا معنا: الوسائل العملية لهذا الغرس..
والنماذج الرائعة من ثمار هذا الغرس..إن شاء الله - تعالى -.
مواقع النشر (المفضلة)