اخوتي واخواتي
بداية يبقى الحوار هو الفن الذي يتقنه القليلون، ويتبناه الكثيرون. إنه الصيغة الحضارية التي تقلل من الخلافات، وتضمن الطريقة الإيجابية في التعامل مع الآخر. فلا بديل عن الحوار إلا المشاحنات والحروب. وتتأكد ضرورة الحوار في المجتمع الصغير « الأسرة»، ذلك أن الإيجابيات والسلبيات تبدو واضحة أكثر من المجتمع الكبير. ولا يخفى بأن الحوار يضمن لنا التعرف على مواقع الخطأ والصواب، والقوة والضعف في أفراد الأسرة.
بحق أقول لكم.. إن الحوار بين الزوجين لا يعني الضعف، أو الإفلاس الفكري، بل على العكس من ذلك. فالحوار يؤمّن الدفء العائلي، وينضج المشاريع والأحلام، ويضمن حباً طويل الأمد.
وما من أسرة اتخذت الحوار منهجاً لها، والتعاطي الإيجابي طريقة للتعرف على الآخر، إلاّ وكتبت لها السعادة، والنجاح والحوار فن ومهارة إنه يذيب الجليد
لاشك أن الحوار بين الزوجين يخلق روح التفاهم والانسجام بينهما، وهو القناة الصحيحة لمعرفة الآخر. فحينما نتحاور إنما نعّبر عما بداخلنا من أحاسيس، ومشاعر، وهموم، وملاحظات، وطموحات، ومن هنا نصقل روح الحوار الناضج، وتحدث الألفة والانسجام، وتتحقق روح المودة. حقاً إن الحوار صار عملية مهمة لإنجاح العلاقات الزوجية واستمراريتها.
وقد عدّ غياب الحوار بين الزوجين من الأسباب المباشرة للطلاق، وتهشم الحياة الزوجية، أو تراكم مشاكلها.
وفي دراسة أخرى «نشرت في أحد المواقع الإلكترونية» أجريت على مائة سيدة، اخترنّ كعينة عشوائية، بهدف الكشف عن أبرز المشكلات الزوجية التي تواجه أفراد العينة، فتراوحت الإجابات بشكل عام ما بين الصور التالية: بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل، الاختلاف المستمر في الآراء ووجهات النظر، رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين، وعدم الاختلاط في المجتمع، انعدام الحوار. وعن الأسلوب الأمثل لعلاج هذه المشاكل، تبين أن ما يزيد على (87%) من إجابات أفراد العينة يفضلنّ الحوار المباشر لحلّ أية مشكلات، وفسرنّ ذلك بأنه أقصر الطرق لحل أي خلاف ينشب. كما أشارت نسبة (4%) اللاتي قلنّ إنهنّ يلجأنّ لوسائل أخرى لحلّ الخلافات الزوجية أبرزها كتابة الرسائل المتبادلة التي توضح وجهة نظرهنّ في المشكلة المثارة.
لم يكن في السابق هناك حوار بين الرجل والمرأة، وقد يكون بسبب الموروث الذي كان يقضي بقدسية الرجل، أو لقلّة احترام المرأة، حيث كان صوتها مخنوقاً، وأصبحت مسلوبة الحقوق مرتين، حيث كان المرة الأولى أبان عصر الجاهلية، والمرة الأخرى باسم الحضارة والمدنية الزائفة. ولكن اليوم تطور حال المرأة، وتطور العصر، وتغيّرت العادات، ودخلت المرأة بشكل عام في معترك الحياة، وصارت شريكة الرجل في صنع القرار، وفي إدارة أمور العباد، وإدارة أمور البيت، ودعّمت حرية التعبير للمرأة بشكل واضح وصريح عن كل ما تشعر به وعن كل ما تريد، وتحوّلت حتى مشاعر المرأة إلى مواد تعليمية تدرس في مدارس، أو في دورات تدريبية، وفي أحاديث تلفزيونية.
وخلصت الكثير من الدراسات والأبحاث إلى أن انعدام الحوار الزوجي قد يكون سبباً في الطلاق، وقد أعدت في بيروت «لجنة إصلاح ذات البين» في المحكمة الشرعية السنية عام 2003م دراسة، تبين أن انعدام الحوار بين الزوجين هو السبب الثالث في الحصول على الطلاق. وفي دراسة علمية أخرى أعدّها الباحث الاجتماعي «علي محمد أبو داهش»، الذي عمل 18 سنة في مكاتب الاجتماع بالرياض، المتخصصة في حلّ المشاكل والخلافات الاجتماعية، ومن ضمنها الطلاق، تحت إشراف مجموعة من المختصين والباحثين في الحقل الاجتماعي، أوضح إن أهم أسباب الطلاق المبكر هو عدم النضج، عدم التفاهم، والصمت بين الزوجين. كما أشار «أبو داهش» إلى إن مشكلة الصمت بين الزوجين، والانطواء هي عناوين لندوات ونقاشات عالمية متكررة، لما لها من تأثير سلبي كبير على الحياة النفسية للزوجين.
فمن هنا تنبع ضرورة ممارسة الحوار الناجح في الحياة الزوجية حتى يتحقق الانسجام، وروح التفاهم بين الزوجين والأسرة جميعاً
وينبغي أن تكون هناك لباقة عالية في الأحاديث الصريحة، وذلك بانتقاء واستخدام أرقى الكلمات التي تقرب بين الطرفين. فالكلمات الصريحة المناسبة تؤثر في شريك الحياة، وإن كان متحاملاً. لست وحدك الذي قد تمر بخلاف أو تبرم من سلوك شريك حياتك، ولكن يبقى الفارق بين علاقة ناجحة وأخرى فاشلة هو في كيفية تواصل الطرفين مع بعضهما البعض.
كشفت الدراسات الحديثة التي أجريت على الزيجات متباينة المدد، أن الأزواج الذين يتميزون بدرجة عالية من الحميمية، ويتبادلون الأفكار، ويتحاورون ويتصارحون، من الأرجح بنسبة 62% أن يصفوا زواجهم بأنه سعيد وناجح!.
إذا لم تكن هناك مساحة للحوار المباشر بين الزوجين، فإن عملية النقد ستكون غير سهلة، وغير مقبولة فيما بينهما، وسيبقى كلاهما يضمر في داخل نفسه الكثير، وسيكون متحدثاً مع نفسه فقط. مما يؤدي بضرره الكبير على العلاقة الزوجية، وإثارة التساؤلات والتشكيكات تجاه الآخر، وحالة من الندم تجاه شريكه الذي أرتبط به، فهو غير قادر على مصارحته، أو محاورته ونقده، فيبدأ الزواج المشترك السعيد بحالة من التضعضع والترهل والتفكك، والسير نحو الانهيار . وقد تتطور الحالة إلى انعزالهم في غرفة النوم،خصوصاً إذا علمنا إن كلا الطرفين يبحث عن من يتكلم معه، ويتحدث معه، ويطرح له ملاحظاته، وآراءه، ووجهات نظره.
أما بحسب بعض الدراسات فإن المرأة تتكلم في اليوم 13 ألف كلمة والرجل 8 آلاف كلمة في اليوم. فإن لم تكن هناك فرصة للحوار والكلام فيما بينهما، فأين ستذهب آلاف الكلمات!. ستذهب إلى حوار نفسي سلبي، لأنه ليس هناك من يستمع!. فهذه الحالات التي ينعدم فيها الحوار والنقد تمر في النهاية بمرحلة نفسية سيئة، وتتراكم فيها القناعات السلبية التي قد يترتب عليها إصدار قرارات حازمة ونهائية كالطلاق. ومن هنا فإن الحوار ضرورة من الضرورات التي تبعد المشاكل عن الحياة الزوجية، وتزيد في الترابط والود. كما جاء في دراسات تقول إن 85% من المشاكل العالمية سببها انعدام الحوار الايجابي وبسبب ذلك تنشب الحرب بين دولتين لأنهما غير قادرتين على التفاهم سياسياً، واقتصادياً، وكذلكم الخلافات بين الزوجين.
استمعي لمعاناة زوجك ايتها الزوج فكل رجل لديه معاناة: وإن حسن الاستماع الجيد سيجعلك تتفهمين هموم الزوج، ووضعه النفسي، وإن معرفتك طبيعة عمل زوجك سيساعدك على فهم نفسية زوجك، ففي حال دخوله إلى البيت هل هو سعيد ومرتاح، أم متضايق من ظروف عمله. فهناك شركات صناعية تعتمد بتخصيص أيام محددة في الأسبوع لتزور فيها الزوجات أزواجهنّ في مكان عملهم، حيث يرافقهنّ بعض موظفي الشركة ليشرحوا لهم طبيعة العمل وسيره. وهذا ما يحصل في الشركات الصناعية في مدينة «أورليكون» بسويسرا، وقد لمست الشركة في تلك الوسيلة نفعاً كبيرًا، فقد أتضح لها إن أكثر الاقتراحات التي تلّقتها لتحسين وتطوير العمل هي من قبل الزوجات اللاتي يعرفنّ ظروف سير عمل أزواجهنّ.
«وقد تحدث "مارتن شول في صحيفة «تودايزوومان» امرأة اليوم -عن إحدى الزوجات، فقال إنها خطرت لها، وهي ترى زوجها يؤدي عمله خلال زيارتها للمصنع، فكرة، وفي ذلك المساء عندما عاد زوجها إلى المنزل، سألته لماذا لا يدير الآلة التي يعمل عليها بقدمه، بدلاً من إدارتها بيده!. وراقت الفكرة لزوجها، فاقترحها في اليوم التالي على رؤسائه، وراقت الفكرة للفنيين، وعمدوا إلى إجراء التغيير اللازم، فإذا إنتاج الزوج يزيد بمقدار 25%، وكافأه المصنع على الفكرة بمبلغ طيب
ولكن هناك بعض الرجال يستشعرون الخجل من الإفضاء إلى زوجاتهم بهمومهم، ويغيب عنهم أن زوجاتهم إنما كنّ يعنينّ ما يقلنّ، حين أبدينّ استعدادهنّ لقبولهم على السراء والضراء!.
على أنه من الشائع المألوف أيضًا أن نرى أزواجًا يريدون أن يتخففوا من متاعبهم وهمومهم، فلا يجدون في زوجاتهم ميلاً إلى الاستماع والإصغاء. وقد نشرت مجلة «فورتشون» في خريف عام 1951م، نتائج بحث عن زوجات مديري الشركات، ونشرت معه تعليقًا لأحد الأخصائيين النفسيين الذين اشتركوا في البحث، حيث يقول: «إن أعظم ما تستطيع الزوجة أن تسديه لزوجها، هو أن تشجعه على أن يفضي إليها بالمتاعب التي لا يستطيع أن يتخفف منها في محيط عمله» ودل البحث المذكور على أنه في حين يرغب الأزواج في مستمع طيب إلا أنهم قَلّ أن يرغبوا فيمن يسدي إليهم النصح. بل أن المرأة التي مارست العمل، تعلم في نفسها عن مدى أهمية وجود إنسان في بيتها تستطيع أن تحدثه عن حوادث اليوم، طيبة كانت أو سيئة، فقلّ أن يسنح في مكان العمل الوقت للتعليق على ما يقع من حوادث أو يروج من أنباء.
فالعامل إذا أحسن عملاً لم يتسن له أن يفاخر به في مكان العمل، وإذا صادف عناء أو صعوبة لم يجد في زملائه من يريد أن ينصت لمتاعبه، فلكل من المتاعب ما يكفيه، ومن ثم فهو حين يعود إلى منزله يكون كمن يريد أن ينفجر.
قد وصف الكاتب الأمريكي «دوك دى مورني» الرجل «المؤدب» بأنه «الشخص الذي ينصت في شغف إلى أشياء يعرفها سلفًا عندما يتحدث بها شخص لا يعرف عنها شيئًا».[4]
كتبت النجمة السينمائية «ميرنالوى» مقالاً لصحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» قالت فيه إنها اتخذت عبارة «استمع وتعلم» شعارًا لها عندما تسلمت عملها كمندوبة لأمريكا في منظمة اليونسكو «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة». واستطردت تقول إن إنصاتها لممثلي الدول المختلفة قد أجداها وفرة من المعرفة بأمور مختلف الشعوب ومشكلاتها.
وأضافت قائلة: «وطبيعي أنه يأتي الوقت الذي يتحتم عليك فيه أن تتحدث أنت، ولكني أفضل أن أتحلى بحكمة أبي الهول، فأصمت وأنصت، على أن أعمد إلى ثرثرة فارغة لا تستهدف شيئًا».
تقول «مارجوري ولسون» وهي الحجة في الشخصية الساحرة الجذابة، ومؤلفة كتاب، «أنتِ شابة بقدر ما تتصرفين» : «قليلون هم الذين يحسنون الكلام بغير شيء من الاستجابة من جانب مستمعيهم، ومن ثم عليك أن تتحركي إذا أعجبك شيء مما يقال. غيري وضعكِ قليلاً كما لو كانت الكلمة قد مست وترًا حساسًا في داخل نفسك
ويا زوج كما أنت تطلب منها أن تستمع لك فمطلوب منك أنت كذلك الاستماع والإصغاء باهتمام لما تبُوح به الزوجة من هموم ومشاكل تضايقها، وتؤرِّقها، وتقلقها، وأن يتم الإنصات تجاه ما ترغبه الزوجة من خلال عرض ما تقول على مسامعك أنت، فكلما أحسنت الاستماع لما تشكوه الزوجة كلما خففت من همومها وقلقها، وأسعدها ذلك.
فالمشكلة التي نلمسها في مجتمعاتنا أن الزوجة هي التي تشكو مشاكلها وهمومها، وتعتقد بأن الزوج هو المسؤول الأول عن علاج مشاكلها، وتتناسى بأن الزوج هو الآخر بحاجة لمن يستمع إلى مشاكله بالمثل!
مواقع النشر (المفضلة)