العيد
أيها الأحبة في الله فرحة شرعها الله لنا نعمة من عنده وفضل ، كيف لايفرح العبد المؤمن وقد وفقه الله لصيام شهر رمضان وقيامه
ولكن من الناس من تختلط عليه الأمور ويستبد به الفرح ، فيظن أن العيد بفرحتة يجيز له انتهاك المحرمات ، والكسل عن الطاعات ، فكم من الأسر باسم فرحة العيد تقيم الحفلات التي يختلط فيها الرجال بالنساء فيختلط الشاب بابنة عمه وابنة خاله ، ويختلط الزوج بزوجة أخيه .. وهكذا ، وهنّ في أجمل حلة وأكمل زينة ، يتبادلون النكات وتعلوا منهم الضحكات ، أين ذلك العيد ؟
بل أين تلك الأمة التي صامت في رمضان عما أحل الله أمتثالاً لأمر الله فلما أنقضى رمضان أفطروا على ماحرم الله ، أليس الذي نهاكم عن الأكل والشراب في رمضان هو الذي أمركم بالعفة والحياء والاحتشام ؟ فلما يطاع هناك ويعصى هنا ؟ إن صفاء النيات لايبرر ارتكاب المحرمات .
ومن الناس من يأخذ أهله في نزهة العيد إلى أماكن تذبح فيها الفضيلة وتتفشى فيها الرذيلة على شواطىء البحار أو في المنتزهات ذات الأشجار ، فلا يرتاد لأهله وعرضه مكان يحميهم فيه من العيون الجائعة ، أو فئات الشباب الضائعة ، فيضعهم على قارعة الطريق وقد كشفوا عن وجوههم ونشروا شعورهم ، ولينظر إليهم من ينظر ، ألا يفرحوا بالعيد ؟.
ومن الناس من يرى أن فرحة العيد في الغناء والمزمار ، فما أن يثبت دخول شهر شوال حتى تجد الشياطين تزمر في كل ركن من أركان بيته بأغاني العيد ، وموسيقى العيد ، هذا البيت الذي كان يعلوا فيه صوت ترتيل القرآن في رمضان ماباله أصبح مأوى لمزمار الشيطان ؟ ما أمرنا بهذا أمرنا بإظهار الفرحة بالتكبير فقال سبحانه : { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} .
وهناك شباب انطلقوا ليعبروا عن فرحتهم بالعيد ، فقصوا شعورهم أقبح القصات ولبسوا الفنايل والبنطلونات ، وانطلقوا إلى المنتزهات لمضايقة العائلات ، عائلات خرجت في العيد لتتأمل بديع صنع الله وعظيم خلقه ، فيفسد عليهم نزهتهم شاب بتصرفات رعناء ، أو بكلمات جوفاء ، أو بمسجلات تصدح منها الموسيقى والغناء .
ومن الأباء من ملأ بيته استعداداً للعيد بأشرطة الفيديو الماجنة ، حتى صار البيت مستنقع لأفلام الحب النجس ، وقصص الغرام الدنس ، ومنهم من جلس هو وأولاده بنين وبنات أمام الشاشة الفضية يتنقلون بين قذارات المحطات الفضائية .
ومن الناس من كنت تراه طوال شهر رمضان صافاً قدميه إلى جوارك خاشعاً لله رب العالمين ، في صلاة الفريضة وصلاة التراويح ، ثم بعد انتهاء رمضان نسي طريق المسجد ، ونسي صلاة الجماعة ، وقد يكون فرط في صلاة الفريضة حتى في البيت .
أحبتي في الله إن الأنسان ليتساءل لما هذا التغير الرهيب في سلوكيات الكثير من الناس إلا ما رحم ربي ؟ لما هذا التدهور العجيب من مرتفعات الطاعة إلى دركات المعصية ؟ يتساءل ماذا كان يعبد هؤلاء ؟ أكانوا يعبدون رمضان أم رب رمضان ؟ فإن كانوا يعبدون رمضان فهو فترة زمنية انتهت فليبحثوا عن أجرهم عندها ، وإن كانوا يعبدون رب رمضان فإن الله واحد أحد حي قيوم لايتبدل ولا يتغير ، فلما يبدل الإنسان عبادته من شهر لشهر .
عباد الله فرحة العيد بإكمال عدة رمضان في طاعة الله ، فكيف تتبع الطاعة بالسيئة ، أما علم أولئك أنه من علامات قبول العمل أن تتبع الحسنة حسنة ، ورسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يخاطبنا فيقول : (( أتبع السيئة الحسنة تمحها )) فكيف بمن يتبع الحسنة سيئات ، فرحة العيد فرحة للتنزه والتأمل في عظيم صنع الله وهي فرصة للتوسيع على الأهل والأولاد في الكسوة والنفقة ، فرحة العيد فرصة لأنهاء الخلافات وإزالة العداوات ، فرحة العيد فرصة لصلة الأرحام التي تشكو إلى الله القطيعة .
أحبتي في الله إنه مما يعين على الاستقامة على طاعة الله بعد رمضان أن يدرك العبد أنه هو المحتاج إلى عبادة الله ، وأن الله سبحانه وتعالى لاتنفعه طاعة المطيع كما لاتضره معصية العاصي فقد جاء في الحديث القدسي : (( ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم مازاد ذلك في ملكي شيئاً ، ياعبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم مانقص ذلك في ملكي شيئأً ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )) رواه مسلم .
أحبتي في الله إذا انقضى رمضان فإن المؤمن لاينقضي عمله إلا بالموت قال تعالى : (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات العبد انقطع عمله .. )) فلم يجعل لانقطاع العمل إلا الموت ، ومما يعين على ذلك أيضاً أن يعلم العبد المؤمن بأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ، جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (( وكان أحب الدين إليه ماداوم عليه صاحبه )) .
فاعلموا رحمني الله وإياكم أنه إذا أنقضى شهر الصيام فإنه لم يغلق باب الصيام ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان ثم أتبعه ست من شوال كان كصيام الدهر )) فاحرصوا على صيامها أحبتي لتفوزوا بأجرها ، واعلموا أنه لايشترط لها التتابع فأي ستة أيام صمت أجزأتك ، كما أن هناك صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وإن كانت الأيام البيض فهو أولى ، وصيام الإثنين والخميس ، وصيام يوم عرفة ، وصيام عاشوراء ، وصيام شهر المحرم ، وأكثر شهر شعبان والباب مفتوح لمن أراد التطوع ، فمن صام يوم في سبيل الله باعد الله به وجهه عن النار سبعين خريفاً .
أحبتي في الله ولئن أنقضى شهر القيام فإن القيام لايزال مشروعاً طيلة العام ، أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )) وصلاة الليل تشمل التطوع كله والوتر ، فيصلي مثنى مثنى فإذا خشي الفجر أوتر بركعة وأفضل وقتها في الثلث الأخير من الليل حين يتجلى الرحمن على عباده فينادي هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه مسألته أنا الملك أنا الملك إلى صلاة الفجر .
اللهم الهمنا وجميع المسلمين رشدنا ، وارزقنا الاستقامة على الأعمال الصالحة بعد رمضان وفي جميع حياتنا ، واجعلنا ياربي بكرمك وجودك ممن وفقتهم لهداك وجعلت عملهم في رضاك .
مواقع النشر (المفضلة)