جنتان عن يمين وشمال، تمشي المرأة تحت الأشجار وعلى رأسها زبيل يتساقط فيه أنواع الثمار دون قطاف أو كلفة، ونعمة الله هذه لأهل سبأ لم يقابلوها بالشكر والاعتراف، وكان جزاء إعراضهم وكفرهم برسل الله أن تبدلت البساتين المخضرة والمزدانة بأنواع الخيرات إلى أشجارٍ لا يُنتفع بثمرها؛ لأن الله أرسل فأرة تثقب سدهم المنيع فأغرق الماءُ بساتينهم ودورهم ((وهل نجازي إلا الكفور)) .
تمكنت أمريكا من قيادة العالم ردحاً من الزمن، وكان الاقتصاد من أهم مقومات تقدمها، حتى أصبح سداً منيعاً لها، وكان طمعها في التوسع ظلماً وعدواناً، وإشعال الحروب لإحكام سيطرتها على مقدرات الدول الأخرى، واستعمارها الامبريالي للدول النفطية والثرية، وكفرها بالله تعالى قبل هذا وذاك، هو سبب الثقب في سدها المنيع.
أزمات الاقتصاد الأمريكي المتعددة، والثقوب المتتالية جعلته يترنح، ومشكلات الاقتصاد الأمريكي كالرهن العقاري، والإنفاق العسكري، وقروض السيارات وغيرها، ترنمتْ بمصطلحات جديدة كانتهاء القرن الأمريكي، وبداية عهدٍ جديدٍ متعدد الأقطاب، ونتفِ ريش النسر الأمريكي.
آثار زلزال انهيار الاقتصاد الأمريكي ستطال العالم كله، كما قرره الاقتصاديون، وهذا لا يمنعنا من قراءة الحدث من زاوية سنن الله تعالى في الكون، واستدعاء تاريخ الأمم المتجبرة، وزوال حضاراتها. يذكر ابن خلدون في مقدمته"أن مبنى الملك على أساسين لابد منهما: فالأول الشوكة والعصبية وهو المعبَّر عنه بالجند، والثاني: المال الذي هو قوام أولئك الجند"، وتحدَّثَ عن طموح الدول القوية إلى توسيع نفوذها، وتمديد حدودها، ويترتب على هذا التوسع زيادة النفقات وتوفير متطلبات الجند، فإذا هرمت الدولة وقلَّت مواردها المالية، تجاسر عليها أهل النواحي، وتنحل عراها في كل طور من أطوارها، ويذكر المؤرخ الأمريكي "ويل ديورانت" أن الانهيار الأخلاقي والديني في مقدمة أسباب سقوط الحضارات. فأمريكا وإن تزحزحت عن قيادة العالم، وإن سقطت هيمنة اقتصادها الرأسمالي، إلا إن الحديث عن زوالها ما زال مبكراً ولكنها سنة الله في كونه إذا استمرت في كفرها وتكبرها وظلمها.
هناك من يستثقل الكلام عن عقوبة إلهية لأمريكا، وعند التأمل في قصص القرآن الكريم، والتفكر في مآل الأمم السابقة، والحضارات الهالكة، نوقن حينها أن أمريكا ليست بمنأى عن عقوبة الله الجبار، فهذا نبي الله هود –عليه السلام- يُذكِّر قومَه بنعم الله عليهم :
((أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُون، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُون، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) [الشعراء: 128-135]
فلما كذبوا نبيهم أرسل الله عليهم ريحاً شديدة البرد في يوم نحس مستمر؛لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي والأخروي، فهل أمريكا خيرٌ من قوم عاد؟!
تأملوا تذكير نبي الله صالح –عليه السلام- لقومه:
(( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ))[الأعراف: 74]
فلما عقروا الناقة وكفروا بني الله تعالى أرسل عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر، فأصبحوا بعد نضارتهم وحسنهم قبل بوارهم كيُبْسِ الشجر بعد حسن نباته –كما يقول الطبري-. فهل أمريكا أفضل إيماناً من قوم ثمود؟!
أمريكا كفرت بنبيها محمد –صلى الله عليه وسلم-، وحاربت الإسلام المأمورة بإتباعه، وظلمت شعوب الأرض، وأهلكت الحرث والنسل، وانتشر فيها الزنا واللواط والشذوذ، وانتشر فيها الربا الذي محقه الله تعالى، أليست هذه الأفعال تستوجب عقوبة الله لها، وانتقام الجبار منها.
إلى الذين خدعتهم الحضارة الأمريكية، فطرزوا معها معاني الليبرالية، والحرية، وحقوق الإنسان، وإلى الذين ساهموا في محاولات أمركة المجتمعات المسلمة فخاب سعيهم بعد الكساد الأمريكي، إليكم قول نبي الله شعيب –عليه السلام- لقومه:
((وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ،وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)) [ هود: 89-90].
تركي الظفيري
المحاضر بجامعة الملك سعود
taldhafiry@ksu.edu.sa
http://taldhafiry.maktoobblog.com
خاص بصحيفة ( سبق ) الالكترونية
مواقع النشر (المفضلة)