(بسم الله الرحمن الرحيم) (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
تعجبني وتؤلمني كلمة لمستشرق درس ديننا الإسلامي فقال في إعجاب مرير: "يا له من دين لو كان له رجال!!".
ولكن ماذا يقصد هذا المستشرق؟ هل ذكورنا ليسوا بالرجال؟ ومامعنى الرجولة التي يقصدها؟ حقيقة لقد كان ذكورنا إلى وقت قريب رجالاً حقيقين قلبا ً وقالبا، فكان في الغلام - قبل أن يبلغ - من الرجولة مايعينه على مزاحمة الرجال في أعمالهم ومنافستهم في رجولتهم، وكان يعتمد عليه في خدمة أهله ودينه ومجتمعه. فإنما الرجولة ظاهر وباطن، فظاهرها بسطة الجسم وصلابة العود وخشونة المظهر، أما باطنها فهي مكارم الأخلاق، هي الشهامة والنخوة والوفاء، هي الموقف والتدبير والتصرف.
ومع الوقت بدأ الرجال يتخلون عن باطن الرجولة، فتخلوا عن نخوتهم وشهامتهم وأخلاقهم، فأصبحوا أشباه رجال، يشبهونهم في أشكالهم، ولكن لا أخلاق رجولية يمتلكونها. يقول تعالى: : "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُم"ْ ومع هذا فهم "كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ !"
أما الآن حتى أشباه الرجال يكادون أن ينقرضوا، فلا باطن الرجولة ينطبق على - معظم - الذكور ولاحتى ظاهرها! فقد أصبحت النعومة والرقة تكسوهم، وتغطي ملامحهم، حتى لا يعرف الذكر فينا من الأنثى. ولا حاجة لتفصيل أكثر في وصف مظاهر هذه الذكورة الناعمة فهي معروفة لدى الجميع ولا يتسع المجال لذكرها. كما أن أسبابها أصبحت واضحة، فمفهوم الحرية الشخصية الخاطئ الذي انتشر في مجتمعاتنا والرفاهية المطلقة إضافة إلى انتشار الأغانى الشبابية المائعة هي من أبرزعوامل تمييع المجتمع و(تنعيم) الرجال ناهيك عن الخلل في تربية الأسرة للأطفال منذ الصغر ونسيان تعليمهم قيم الرجولة وملامح الشخصية السوية.
إن هذه النماذج المائعة إن استمرت ستقود المجتمع إلى الانهيار وتؤول بأمتنا الشامخة إلى السقوط في شراك أعدائها بأقل الجهد والعناء. إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، وبيت ومدرسة، هو صناعة الرجولة وتربيتها في نفوس أبنائها. ولن تترعرع الرجولة الفارعة، ويتربى الرجال الصالحون، إلا في ظلال العقائد الراسخة، والمعايير الأصيلة، والتقاليد المرعية، والتربية الخشنة البعيدة عن الميوعة والدلال. يقول الشيخ عبدالله عزام رحمه الله في وصية له للأمهات: "ولتكن بيوتكن عرين الأسود وليست مزرعة للدجاج يسمن فيذبحه الطغاة".
ولقد انتبه لهذه النقطة المربون في العهد الفيكتوري فعمدوا الى تطوير لعبة تكون كتدريب صارم على الخشونة والرجولة موجه الى تلاميذ المدارس لحماية اخلاقهم ومنعهم من الانغماس في السلوكيات المنحرفة فكانت لعبة (كرة القدم) التي لم تهدف اطلاقاً ان تكون مجرد لعبة يلتهى بها الصبية. هذا هو ما يقوله ديفيد وينر أحد أكثر كُتّاب كرة القدم الذين يحظون بالاحترام في بريطانيا في كتاب نشره أخيراً حول هذه اللعبة.
ويقول ان النخبة الحاكمة في بريطانيا كانت مهووسة آنذاك بفكرة ان امبراطوريتهم على وشك الاندثار بالطريقة نفسها التي اندثرت بها حضارة روما القديمة جراء الانحطاط الاخلاقي المفرط. وحذر الوعاظ ومعلمو مبادئ الأخلاق من ان الامة على وشك ولوج عصر من الانحراف الأخلاقي وحثوا الشبيبة على السيطرة على ما وصفوه بالوحش الذي يسكنهم.
هذا هو الدرب الذي علينا أن نسلكه في تربية أبنائنا، وصناعة رجال المستقبل، وقد لخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحل لهذه المشكلة في وصية له بقوله: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم" وأي نعمة تدوم لأمة مائعة ناعمة لا رجال فيها؟
[/frame]
مواقع النشر (المفضلة)