المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bennan
واتنمى أيضاً أن ينظر في الجانب الشرعي لمثل هذا الوضع ...
ارجو التفاعل ... والمجال مفتوح للنقاش ...
التاريخ :24/11/1426 هـ آراء ومقالات الشيخ / عبد الله بن راضي الشمري
الحرمات الثلاث
ثلاثة أمور عظيمة : أولها: عقوق الوالدين، واللعب بالأنساب، والتلاعب بالأسماء.
فهذه وقفة مع حديث من أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العظيمة، اشتمل على
توجيه من توجيهاته الجليلة الكريمة, حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيه وعيد, فيه نذير وتخويف وتهديد, فيه ثلاثة أمور من فعل واحدة منها أو فعلها كلها فقد زلت قدمه إلى جهنم وبئس المصير، هذا الحديث الشريف يرويه الصحابي البر الأغر, أبو ذر، صاحب العلم والزهادة, والخير والعبادة, جندب بن جنادة- رضي الله عنه وأرضاه-, روى هذا الحديث الشريف الذي فيه ثلاثة أمور عمت بها البلوى، وكثرت منها الشكوى, ثلاثة أمور ضاعت بها الحقوق والواجبات, وكفرَ أصحابها نِعَم الله وِنعَم عباد الله عليهم, يقول هذا الصحابي- رضي الله عنه- وأرضاه في حديث اتفق الشيخان على صحته وثبوته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول- رضي الله عنه-: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من رجل يدَّعي لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر, ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار, ومن قال لرجل: يا كافر أو يا عدو الله وليس كذلك إلا حارت عليه)) .
ثلاثة أمور عظيمة : أولها: عقوق للوالدين، واللعب بالأنساب، والتلاعب بالأسماء.
وأما ثانيها: فإنه اعتداء على حقوق عباد الله وظلم الناس في تلك الحقوق. وثالثها: -والعياذ بالله - تكفير عباد الله من دون حجة من الله وبرهان.
أما الأمر الأول: فهو اللعب بالأنساب، حينما ينسب الإنسان نفسه لغير أبيه، فيقول إنه ابن فلان وليس كذلك, سواء انتسب إلى أب غير أبيه، أو إلى جد غير جده, أو إلى قبيلة غير قبيلته، فعليه لعنة الله، ورسوله والناس أجمعين, حينما جحد نعمة والديه, وحينما عبث بنسبه وادعى ما ليس له قبيح، الأقبح أن يتكبر الولد على أبيه، فيشمئز من اسم أبيه أو نسبه، فيبد له ويحرفه، تغيير الإنسان لنسبه فيه جحد لنعمة الله وعقوق للوالدين، ولهذا فإذا جحد الولد أباه ونسبته إلى أبيه حلت عليه لعنة الله، حينما يعق والده حلت عليه لعنة الله, حينما جحد قرابته وتكبر لأي أمر من الأمور، كمنصب أو مال، أو جاه دنيوي، حلت عليه لعنة الله, حينما غش المسلمين حلت عليه لعنة الله, حينما دخل في قوم وليس منهم.
إن الأنساب أمرها خطير, وشأنها عظيم وليس بحقير, ليس طعمة سائغة لكل أحد يعبث فيها، أو يغير فيها, فمن كفر نعمة أبيه وانتسب لغير أبيه يريد الغنى أفقره الله, ومن انتسب لغير أبيه يريد العزة أذله الله, ومن انتسب لغير أبيه يريد الكرامة أهانه الله .
وكما أن هذا الوعيد فيمن غير نسبه, كذلك العبث في الأوراق وفي المستندات داخل في هذا, تزوير الشهادات, تزوير الوثائق, العبث فيها كله من العبث في الأنساب, إذا تضمنت نسبًا غير النسب الصحيح, ومن أعانه على شيء من ذلك فقد عصى الله ورسوله، واعتدى حدود الله, وأعان على ظلم عباد الله، وهنا أمر له علاقة بحديثنا، وأصبح منتشرا بين الكثير، بل صار من يفعله أو يتحدث به لا يرى به بأسا، آلا وهو الاستهزاء بأنساب المسلمين، أو جنسياتهم، وتقسيمه على حسب ألأمزجة والأهواء، وهذا ليس بقبلي، وهذا مصري وذلك هندي، وهذا أوروبي، هو الكبر وغمط الناس، أما علم هؤلاء أن الأنساب لا تساوي عند الله شيئاً مالم تقرن بالتقوى، أما علم هؤلاء أنه ما ضر بلالاً حبشيته فهو في الجنة يتقلب كيف شاء، وما نفع أبا جهل وأبا لهب أنهم من صميم العرب، وهما في النار يتقلبون، إن الأزمة مع مثل هؤلاء المستهزئين بالأنساب هي أزمة فكر وحضارة، ومن هنا فمن كان مبتلى بهذه الأشياء وتصنيف الناس فهو جاهلي فيه صفة من صفات الجاهلية، كما أخبر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
أما الأمر الثاني: فهو الذي حذر منه النبي- صلى الله عليه وسلم- تحذيرًا عظيمًا, وهو العبث في حقوق الناس, ظلم الناس في حقوقهم, وادعاء أمور ليست للإنسان, أكل أموال الناس بالدعاوى الكاذبة حينما يظلم الناس، ويدعي ما ليس له، يقول- صلى الله عليه وسلم-: ((ومن ادعى ما ليس له فليس منا)) .
تبرأ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون على سنته وهديه الكامل- صلى الله عليه وسلم- ثم قال يبين ما ينتهي به المآل لمن فعل هذه الخصلة العظيمة: ((وليتبوأ مقعده من النار)) .
إذا ظلم الناس وادعى حقوقهم بالباطل، فليعلم أنه يفسح لنفسه مكانًا في نار جهنم، فليستقل أو ليستكثر.
قال العلماء: ادعاء الإنسان ما ليس له أعظمه وأشده ادعاء العلم، التعالم من الجهلاء من أعظم الدعاوى الزائفة, وأشدها ظلمًا واعتداء لحدود الله جل جلاله، أن يلبس الشخص لباس العلماء, ويفتي بفتوى العلماء, ويدعي أنه مثلهم, والله يشهد أنه جاهل بالعلم, يحل الحرام ويحرم الحلال, ومن أظلم ممن افترى كذبًا.
نعم حينما نجلس في مجالسنا، تجد بعض الناس يجلس يتكلم في أمور الدين دون بينة ولا برهان ولا علم, ويذكر فتاوى العلماء ويعقب عليها، وربما استهزئ بها وكذبها وردها، ومن فعل هذا فقد ادعى ما ليس عنده واعتدى حدود الله جل جلاله، والعجيب أنك تجد اليوم أن الدين صار كلاء مباحا لكل جاهل، فمثلا إذا مرا ذكر أمر من أمور الدنيا كالكلام في أمور الطب، أو الزراعة، تركه الناس لأهل الاختصاص، أما إذ كان الأمر يتعلق بالدين فتجد أن الكل يتكلم به، وهذا والله من تمام الجهل والجراءة على الله، أجرئكم على الفتيه أجرئكم على النار.
والواجب احترم العلماء وتوقير أهل الحكمة والقرآن، الذين عظم الله شأنهم، ورفع مكانهم، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه, لا تتكلم في الأحكام, لا تتكلم في حلال ولا حرام, ورد الأمر إلى أهله من الأئمة الأعلام، وإلا فقد تقحمت نار الله على بصيرة.
ومن ادعاء الإنسان ما ليس له: ظلم الناس في أموالهم، والاعتداء على حدود الله جل وعلا بادعاء أراضيهم, من غصب الأراضي وأخذها بالباطل هذا ظلم وجريمة, ومن فعل ذلك ليتبوأ مقعده من النار.
((من ظلم مسلمًا قيد شبر من الأرض طُوِّقهُ يوم القيامة من سبع أراضين)) .
ومن أعظم الظلم ادعاء الحقوق الكاذبة، إذا كان عن طريق القضاء بشهادات الزور، والعبث في الأوراق وتزويرها، فكل ذلك اعتداء على حدود الله, ومن فعل ذلك فليس منا وليتبوأ مقعده من النار.
أما الأمر الثالث: ياعباد الله: فقد أشار النبي- صلى الله عليه وسلم- إليه بقوله: ((ومن قال لرجل يا كافر أو يا عدو الله وليس كذلك إلا حارت عليه)).
تكفير المسلمين, وتبديعهم, وتضليلهم بدون حجة من كتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، من أعظم الضلال, وهذا هو شأن أهل الأهواء, وأهل الضلال, نسأل الله السلامة والعافية, فأول بدعة في الإسلام عظمت بها البلوى بدعة التكفير, من الخوارج, حينما كفروا الأمة وكفروا علماءها، وكفروا صلحاءها, وخرجوا عن جماعة المسلمين.
التكفير بلاء عظيم، ومن قال لأخيه المسلم يا كافر فإن كان كافرًا وإلا رجعت كلمته عليه ـ والعياذ بالله ـ، لا يختص الأمر بكلمة كافر, بل لو قال له يهودي أو نصراني أو مجوسي، أو غير ذلك ـ والعياذ بالله ـ من كلمات الكفر فهو داخل في هذا الوعيد, إن للسان هنَّات، وله سيئات وخطيئات, فطوبى لمن عصمه الله بعصمته.
عليك نفسك فاشتغل بمعايبها ودع عيوب الناس للناس
لا تكن جريئًا على تكفير المسلمين, أما إذا كان الإنسان عنده علم ونور وبصيرة من كتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فله الحق أن يحكم بالكفر والبدعة على من انطبقت عليه الحجة أنه كافر ومبتدع, أما أن يترك الأمر لكل من هب ودب, وندخل إلى عقائد الناس ونخرجهم من دين الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدون بينة ولا حجة، فظلم واعتداء لحدود الله رب العالمين.
ألا فلنتق الله, وكان خيار الأمة وصلحاءها إذا سئلوا عن الأمور العظيمة التي يكون الإنسان بها قد زلت قدمه, يقولون من الورع: أخشى عليه الكفر, أخاف عليه الكفر, فإذا استبان الأمر على كماله قالوا: هو كافر وعدو لله ورسوله.
اللهم إنا نسألك العصمة من الزلل, والسداد في القول والعمل, اللهم سلمنا وسلم منا، واشرح صدورنا ونور قلوبنا وارض عنا.
وإذا وقع الإنسان في واحدة من هذه الثلاث, فعليه أن يتوب إلى الله جل جلاله، فإن كان قد عبث في نسبه وانتسب لغير أبيه فمن شرط صحة توبته أن يبين الحقيقة, وأن يعترف بها، وأن ينسب نفسه إلى ما أوجب الله عليه النسبة إليه, وكذلك إذا أخذ مظالم الناس، وأكل أموالهم بالباطل, أو اغتصب من المسلم أرضه أو ماله، فليتب إلى الله جل جلاله، وليقف على أخيه المسلم، ويقول إني ظلمتك فاعف عني، ويرد حقه إليه كاملاً, وكذلك إذا كفر أخاه المسلم تاب إلى الله جل جلاله من تكفيره, ومن تبديعه وتضليله, وسأله المساحة على أذيته، قال- صلى الله عليه وسلم-: ((من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلله منها قبل أن لا يكون دينار ولا درهم)) .
فتحلل عبدَ الله من حقوقهم قبل أن تقف صفر اليدين إلا من رحمة الله جل جلاله.
مواقع النشر (المفضلة)