بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
إن الأخلاق الحية لا تتوقف على رؤية الناس أو عدم رؤيتهم فهي متغلغلة في كل ذرة من الجسم وهي ممزوجة بالروح العالية الشامخه التي لا يصلح لها مكان إلا كما قال عليه الصلاة والسلام ( أنا زعيم بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) ، وإنه بقدر تمسك المرء بحسن الخلق بقدر ما يكون أقرب وألصق بأحسن المتخلقين وأعظم من في هذا الوجود أخلاقا ( أقربكم مني منزلا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) .
وإن الدهشة تغشاني كلما سمعت تجاوزات بعض الإخوة الذين نحسبهم من الملتزمين ( ومعذرة للصراحة ) وخصوصا في جوانب التعامل مع شريكة حياته وأم أبنائه وراعية منزله وعامرة داره وبنيان بيته وعماد أسرته ، أتعجب من الجفوة والفجوة التي أحدثها معها بحجة القوامة التي فهمها فهم المعرض عن الهدي المحمدي متخذا من سقطات النفس سبيلا لتجلية ما يمارسه من أخطاء ، تفشي جوانب الجفاء والغلظة وتنئي بوادر الحلم والمودة والرحمة قال عليه الصلاة والسلام ( لقد طاف بأبيات آل محمد نساء يشكون ضرب أزواجهن ! ماهم بخياركم .. ماهم بخياركم ) ويكفي هذا الوصف في تقريع من أوسع سكنه ضربا حتى لأتفه الأسباب .
إنك لتعجب وحق لك أن تعجب حين تسمع قصص الاعتداء على الزوجة لأنها لم تضع الملح على الطعام أو لأنها تأخرت في طبخه أو لم تكنس بيتها لمرضها أو لم تقم بكي ملابسه لعذر باتت تتألم وتشتكي منه أو حتى لتكاسل بريء أو لأدهى من ذلك وأمر أنه لم يقم هو بإحضار مستلزمات ما يراد خدمته به ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجاته فقال : هل عندكم طعام ؟ فقالوا : لا ، فقال : إني صائم ) أين أخلاق الأزواج من هذا الخلق القويم .
أين كلمة الدلال والحنان والرحمة ..؟! أنظر لنبيك وهو ينادي عائشة ويدعوها بلغة الدلال والتحبب ( ياحميراء ) لشدة بياضها ، ويسأل بين أصحابه من أحب الناس إليك ؟ فيجيبهم بكل شفافية حية حانية ( عائشة ) أي زوجته ، لا تقل الزمان تغير ، فهو قدوتك في كل زمان ومكان وهو دينك الصالح لكل زمان ومكان .
بل انظر كيف يمد يده الشريفة بلقمة ما أجملها من يده إلى في حبيبته الطاهرة عائشة يطعمها في فن خلق لا تجد نظيره ( وإنك لعلى خلق عظيم ) بل ( ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ) بأبي هو وأمي ، بل تجاوز كل هذا وتأمل كيف يقرأ القرآن في حجر عائشة مسندا ظهره الشريف إلى صدرها وهي حائض ، بل أعظم من ذلك : يذهب في سرية لغزو عدو في موطن جهاد ومبارزة وجلاد ثم يقدم الجيش أمامه ليتأخر فيسابق زوجته عائشة فمرة تسبقه ومرة يسبقها ،
إنها أخلاق النبوة التي يعجز عن وصفها التاريخ كله وهو ما أمرنا أن نحتذي حذوه وأن نسترشد بسنته ووحيه .
ليس الدين هو حركات مجردة عن الوجدان والخشوع لرب العالمين بل هو دين يعيش معك في كل أوقاتك وما بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا ليتمم مكارم الأخلاق ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وفي رواية ( صالح الأخلاق ) ليس هذا فحسب ، بل انظر إلى مواقفه حتى في الخصومة مع زوجه لكنها خصومة الخلق العظيم مع زوجه الكريم ، حين اختصما يوما ذهب ليعلم البشرية كيفية أخلاق المتخاصمين الحبيبين لا خصام فجور ( إذا خاصم فجر ) ولا خصام تهور وتعال وتنقص بل نوع يعجز الوصف بيانه ، ذهبا إلى أم زوجه وصاحبه في الغار يشكو حبيبه فما كان من أبي بكر إلا وانهال على ابنته يوبخها ويعنفها ويريد إيساعها ضربا لخصامها رسول البشرية فقال عليه الصلاة والسلام ياأبا بكر إنما جئناك مصلحا فاحتمت عائشة خلف رسول الله لعلمها بحبه لها وهو يدفع غضب أبي بكر على ابنته ويردد لا يا أبا بكر إنما جئناك مصلحا وأدع لكم تخيل هذا الموقف البديع حتى في حال الخصومة والشكاية .
إن بعض الأزواج لا يرعوي عن إلقاء السباب والفحش والبذاءة لزوجه الضعيفة ، وهو في كل غضبة يهددها بالزواج من أخرى ويدعي ويزعم ويقول .. لقد أحل لي الشرع أربعا ؟! وأنا لا أنفي هذا بل قاله الحكيم الخبير ، ولكن لم هذا الايذاء المتكرر الذي أفقد الود والحنان مداده وكسر فؤاد الزوجة تكراره ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناوإثما مبينا )
وكأنه انقلب في غضبه واعضا في جامع عن التعداد ومشروعيته فما هذه أخلاق المؤمنين .
إن بعض الأزواج لا يقيم لمنزله ولا لمن فيه قدرا واحتراما حتى في التمتع بمجالسته والحديث معه وكأن البيت جعله فندقا لينام ولا غير وأم عياله ( خادمة ) بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى ولا غير ، وأطفاله لتكثيرهم فقط ولا غير، فهل هذا من العدل الذي يرضاه الله ؟! حرم زوجه وأطفاله حتى من لذيذ نظرهم له ، وهم يترقبون بلهفة متلمسين قدومه عند الباب يتشوفونه ويترقبونه ، ومن طول انتظارهم له وتأخره عنهم ناموا على عتبات الباب وكلهم حمل همه لعدم مجيء أبيهم وهو يستمتع بما لذ وطاب مع زملائه في نزهة خلوية أورحلة برية أو استراحة يترفه فيها فإلى الله المشتكى ...
إنه لابد لنا أن نتجاوز حظوظ النفس وأن نرفع من شأن زوجاتنا ونجعل لهن القدر الكبير من البر والصلة والاحترام فقد قال عليه الصلاة والسلام ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) لقد كان من عظيم خلقه وهو أكرم من خلق الله على هذه البسيطة يكنس بيته ويرقع ثوبه ويخصف نعله وكان يكون في مهنة أهله بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام .
بل كان يستشير زوجه حتى في أمور الأمة العظام ويقبل بها دون ازدراء أو انتقاص فقد عانى في صلح الحديبية عدم قبول أصحابه الرجوع إلى المدينة وحلق رؤوسهم ونحر بدنهم للعام القادم فدخل مهموما عند زوجه أم سلمة فقالت له اخرج إليهم ولا تكلم أحدا وأمر حالقك ليحلق رأسك وانحر بدنك فأخذ بمشورتها فلما رآه الصحابة كادوا يقتتلون من شدة ازدحامهم لنحر بدنهم وحلق رؤوسهم ، ولم يقل هذه امرأة لا شأن لها ولا مشورة ولا رأي .
أين القلوب يا أزواج وهذه الزوجة هي ( أم ) لها أعظم الحقوق بعد حق الله ورسوله ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) وهي حاضنة أولادك وجدة أحفادك ، أهذا وفاؤك لقول حبيبك ( استوصوا بالنساء خيرا ) وهو في حجة الوداع يقولها تنبيها وتذكيرا لعظم حقهن وشأنهن .
ومع هذا كله فإنني والله أعظم أزواجا نعلم من أخبارهم أنهم خير أزواج لأزواجهم قد وفوا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ـ قدر ما يستطيعون ـ
( خيركم خيركم لأهله ) وهم في استمرار ومداومة للتحبب والتقرب لأزواجهم دون تنازلات عن منهج الله .
هذه المشاركة المتواضعة عتاب محب لمن وهبه الله زوجة في حين حرم الكثير من سكنها ، وحباه أما وودادا لمن تفلت عليه الزمن ولم يجد مقرا له وأنيسا .
فاللهم اجعلنا من أوفى خلقك لأمرك وأمر رسولك واجعلنا متخلقين بأخلاق النبوة إنك سميع مجيب .
م...ن
مواقع النشر (المفضلة)