يتعرض قطاع غزة منذيوم السبت 27/12/2008 لعدوان شرس استهدف معظم المؤسسات المدنية والأمنية والوزارات، وقد وصل عدد الشهداء حتى تاريخ إعداد هذاالتقرير إلى قرابة الألف شهيد، والجرحى إلى أكثر من 4500 (45% منهم من الأطفالوالنساء)، في الوقت الذي مازال فيه الحصار الظالم على غزة مستمراً منذ نحو عام ونصفالعام.
إضاءات لا بدّ منها:
- قطاع غزة ذو مساحة جغرافية ضيقة جداً . - أعلى مناطق الكثافة السكانية في العالم. - يخلو من الموارد . - حكمته الاتفاقيات السابقة بأن تكون "إسرائيل" هي الممون الرئيس للماء والكهرباء والوقود والبضائع التجارية.- منطقة مكشوفة أمنياً وساقطة عسكرياً. - لا عمق جغرافي لها ولا عمق عسكري. - معزولة عن محيطها من البر والبحر والجو.- لا وجود لقوات جوية أو بحرية للمقاومة ولا وجود للأسلحة الثقيلة . - عدم وجود حليف عسكري أو سياسي للمقاومة . - تدمير كافة المقرات والمكاتب القريبة من المقاومة في كافة المجالات. - النصر عند المقاومة يرتبط بالصمود بينما النصر عند الصهاينة مرتبط بتحقيق الأهداف المعلنة.
خلفيات ومقدّمات:
أولاً: فشل جهود التمديد للتهدئة بعد انتهائها والتي استمرت ستة أشهر، فقد سعت القاهرة ورام الله إلى دفع حماس للموافقة على التمديد للتهدئة بمعزل عن التزام الاحتلال بشروطها. مما يعني عودة المقاومة إلى المشهد الفلسطيني واستلامها لزمام المبادرة، وبالتالي إحراج كل الذين يحاولون التخفي وراء سراب المفاوضات العبثية، ومن جهة أخرى عودة مشهد الرعب إلى الجانب الصهيوني الذي كان يسعى من وراء استمرار التهدئة بمشهدها السابق إلى التخلص من عبء مواجهة المقاومة، وبالتالي عزلها، مقابل تحريك ملهاة المفاوضات إلى ما لا نهاية لإفساح المجال لاستكمال مخططات الاحتلال الاستيطانية.
ثانياً: غضب القيادة المصرية على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، برفضها التمديد لولاية الرئيس عباس المنتهية ولايته في 9 كانون / يناير 2009، برفضها الحضور للقاهرة الراعية للحوار الفلسطيني، طالما لم يتم الاتفاق على كل ملفات الخلاف السياسي التي أدت لانقسام المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي كرزمة واحدة بما فيها ملف ولاية الرئيس عباس..
ثالثاً: ممانعة حركة حماس وفصائل المقاومة وبرفضها التهدئة المذلة، كشف سياسات بعض الأنظمة العربية كمصر المشاركة في الحصار، والتي حاولت زج القضية الفلسطينية في بازار السياسة الإقليمية والدولية، في مسعىً منها لنيل رضا الإدارة الأمريكية.
رابعاً: استمرار تمسك الحركة بموقفها السياسي أصبح يؤرق بعض النظم العربية، وبعض القوى الدولية التي باتت مكشوفة أمام الرأي العام، الأمر الذي أدّى إلى حراك متصاعد ملحوظ من أجل رفع الحصار عن غزة، ما يعني المزيد من الحرج والضغط على المشاركين في الحصار.
خامساً: تطور المشهد السياسي لدى الكيان الصهيوني، ودخوله في مرحلة الإعداد لانتخابات قادمة، جعل العدوان على غزة أداة من أدوات التنافس على صوت الناخب الصهيوني، خاصة وأن التنافس بين كبار قادة الصهاينة أصبح متفاقماً منذ حرب تموز 2006 على لبنان.
تلك العوامل وغيرها دفعت الصهاينة وبتنسيق مسبق مع أطراف فلسطينية وعربية إلى التحالف في توجيه ضربة قوية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية وللإرادة الفلسطينية الشعبية الصامدة للتخلص دفعة واحدة من مشهد الصمود والمقاومة في غزة الذي بات يؤرق ذلك الحلف الذي لم يخف موقفه المعادي لحركة حماس ومشروع المقاومة.
الحرب على القطاع الأسباب الحقيقية.. الظاهر منها والمخفي: للحرب أهداف إستراتيجية وأهداف تكتيكية، ولها أهداف رئيسية وأهداف فرعية، وهنا ليس بالضرورة أن يكون الإستراتيجي رئيسيّاً، أو التكتيكي فرعياً، بل على العكس يمكن أن يكون الهدف فرعياً لكنه إستراتيجي في ذات الوقت، وأقصد بالأهداف الإستراتيجية ما يعتبر استراتيجياً لدولة العدو الصهيوني أو ما يخص المنطقة والإقليم.
وبناء على ما تقدم فانه يمكن إيجاز الأهداف الصهيونية من الحرب على غزة، حسب الأولوية والترتيب التالي:
- القضاء على حركة "حماس" كجزء أساس من حالة المقاومة ومشروعها تمهيداً لتصفية نهائية أو شبه نهائية للقضية الفلسطينية، خاصة في إطار ما يروج له الآن من قضية عودة الأوضاع إلى ما قبل الـ67 ضمن سياقات متباينة.
- القضاء على حركة "حماس" لكونها المعرقل الأساسي لتحقيق اتفاق سلام بالرؤية الصهيونية.
- كما أن تقرير فينوغراد الصادر بعد الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006 كان أحد أهم الدوافع لشن الحرب على القطاع بغية استعادة الجيش الصهيوني لهيبة الردع المفقودة بعد الفشل الذريع الذي لحق به على إثر حربه مع حزب الله، فتوجّه إلى غزّة ظنّاً منه أنها الحلقة الأضعف.
ثمّ ينتقل الاحتلال ساعياً إلى تحقيق جملة من الأهداف على أرض الواقع على النحو التالي:
- إنهاء خطر الصواريخ الواقع حالياً أو المحتمل مستقبلاً انطلاقاً من غزة. - إرغام حماس والمقاومة قبول تهدئة بشروط الاحتلال. - استقدام قوات دولية لحماية أمن إسرائيل والحيلولة دون إمداد المقاومة بالسلاح، تفتح الطريق لأجهزة أمن عباس للسيطرة على غزة.
موقف السلطة الفلسطينية:
إطلالة على المشهد السياسي الفلسطيني:
توقف الحملات الإعلامية بين الفرقاء الفلسطينيين مع استمرار الجو السلبي في الأداء السياسي . - عدم وجود أي مبادرة فعلية لترميم البيت الفلسطيني والاكتفاء بالمزايدات الإعلامية التي لا ينبني عليها شيء. - ضعف المشاركة الشعبية للفلسطينيين في الضفة الغربية بسبب سيادة منطق الأجهزة الأمنية هناك وتعقّب المتظاهرين المخالفين للشروط الأمنية للتظاهرات. - تأييد شعبي كبير للمقاومة تضعف رئاسة السلطة الفلسطينية التي لم يكن لها دور مؤثر بل اتهمت بالمشاركة في العدوان. - تناغم موقف رام الله مع مصر وأوروبا لضمان وجود محمود عباس في أي اتفاقية قادمة ترتب الوضع في غزة بعد نهاية معركة غزة.
المواقف العربية وتداعياتها:
إطلالة على المشهد السياسي العربي:
- انقسام عربي واضح أضعف المقاومة وساهم في زيادة الضغط عليها. - بروز قوى إقليمية على أنقاض القوى العربية الإقليمية الضعيفة ولاسيما الدور التركي. - توسع دائرة الرفض الشعبي الضاغط على النظام العربي لاتخاذ مواقف مناصرة للفلسطينيين وإعادة الاعتبار للمفهوم الوطني المرتبط بالموقف من فلسطين. - عجز مصر "الممسكة بالملف الفلسطيني عربياً" عن التأثير في الملف الفلسطيني وحاجتها إلى الدور الإقليمي لتركيا ثم محاولة مصر استعادة دورها بدعوة حماس للقاهرة. - الاستمرار في استخدام تكتيك معبر رفح للضغط على حماس ودفعها للقبول بالتهدئة الدائمة.
إطلالة على المشهد الدولي:
- تفهم أوروبي للمعركة الصهيونية ضد غزة مع مقاربة إيجابية واحدة بإدانة العدوان على المدنيين . - مبادرة أوربية تتعامل مع الطرفين بمنطق متساو بغرض الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم دون تقديم أثمان سياسية تستفيد منها حماس بالتنسيق مع المطلب المصري. - فاعلية الدور الفرنسي بقيادة مباشرة من الرئيس الفرنسي لاستعادة الدور الفرنسي في المنطقة. - تغطية سياسية كاملة من إدارة بوش للعدوان الصهيوني مقرون بموقف عائم ومتأخر لأوباما، وعدم قدرة واشنطن على استخدام الفيتو لخشيتها من فقدان معسكر الاعتدال العربي. - تحرك الدور الإقليمي لتركيا بالتنسيق مع سوريا وإيران . - تمايز الموقف الروسي عن الموقف الأوربي والأمريكي.
إطلالة على المشهد الصهيوني:
- عدم اتفاق المستوى السياسي والعسكري والأمني في تحديد الأهداف النهائية للحرب في غزة ثم اختلافهم في مواصفات ظروف إنهاء المعركة وشدة الاختلاف بينهم. - السياسة التدميرية العالية المتبعة. - البطء الشديد في تنفيذ العمليات مع محدودية الوقت المتاح قبل الانتخابات وقبل تغيير الرئيس الأمريكي وارتباك الجبهة الداخلية الإسرائيلية.- الأغلبية العظمى من الرأي العام الصهيوني في المناطق البعيدة عن غلاف غزة يؤيد ويدعم بشدة استمرار العملية العسكرية. - خسارة كبيرة في الحرب النفسية على الفلسطينيين وخسارة الصورة الإعلامية الإيجابية عن الكيان الصهيوني في الغرب بسبب استمرار سقوط المدنيين .
إطلالة على المشهد الغزّي:
- السيطرة الكاملة لحركة حماس على قطاع غزة بعد الحسم العسكري. - الاستفادة من التهدئة السابقة في تعزيز قدرات المقاومة من حيث التجهيز والتدريب والتخطيط. - الاستعداد المبكر للمقاومة التي تتحسب لهذه المعركة منذ مدة ليست بالقليلة. - الحاضنة الشعبية الكبيرة للمقاومة والتي ساهمت في توسيع دائرة الانتساب لها وحمايتها من العملاء والأعداء . - التنسيق العالي الذي صنعته حماس مع فصائل المقاومة وتشريع عملهم المقاوم وإسنادهم وإشراكهم في إدارة ملف المقاومة. - التفاعل الشعبي الكبير لدى الفلسطينيين في الشتات وفي الأرض المحتلة عام 48. - بناء منظومة قتالية تعتمد عقيدة حرب العصابات والنشاط غير المركزي ومنح صلاحيات واسعة للميدان للتصرف دون الرجوع لقيادته المركزية.
ما بعد الحرب.. رابحون وخاسرون
بعد الحرب يبدأ فرز الرابحين والخاسرين؛ أما السلطة الفلسطينية وحركة فتح فتأتي كأحد أهم كبار الخاسرين؛ فواضح أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح وبغض النظر عن نتيجة المعركة قضت على ما تبقى لديها من مخزون نضالي وطني، ومن أكبر الخاسرين النظام المصري داخلياً وإقليمياً وهذه خسارة لن تعوض، من ضمن الخاسرين النظام العربي نفسه، وفي المقابل نهج المقاوم الفلسطيني تحديداً والعربي عموماً سيكون الطرف الأكثر ربحاً بغض النظر عن نتيجة الحرب.
الخاتمة
بلا شك أن عوامل الصمود التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، وقدرتها على إفشال مخططات العدو ودوام واستمرار المد الشعبي المناصر لغزة، هي العنصر الأساس الذي يُرتكز عليه في حقن الدم الفلسطيني. والعنصر الأساس الذي سيرغم الأطراف الأخرى عربية كانت أم صهيونية إلى الالتزام بوقف العدوان، ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وهذا ممكن في ظل علامات وإرهاصات الصمود البطولي الذي أبدته المقاومة التي ترتكز إلى قوة الله أولاً، ثمّ إلى ما استطاعت إليه سبيلا.
*أعدّ هذا التقرير بعد جمع وتحرير المواد والآراء التي طرحت في ورشة عمل أقامها المركز الفلسطيني للإعلام وشارك فيها كل من: أ. بشار سعيد، أ. ناهض أبو خالد، د. أسامة الأشقر، أ. أحمد الحيلة.
المقال رائع ومهم وقد حاولت نقله بإختصار غير مخل...
قسورة السراتي
رابط
مواقع النشر (المفضلة)