بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إعداد: ابتهاج عدنان منياوي
في ظل العولمة والثورة المعلوماتية والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسارعة, ما هي ابرز التحديات التي تواجه الأسرة السعودية اليوم؟ قضايا حواء طرحت السؤال ليكشف استبيان «عكاظ» عن ان المتغيرات الاقتصادية المتمثلة في غلاء المعيشة هي اكثر ما يواجه الاسرة من تحديات خاصة في اوساط الأسر الفقيرة ومحدودي الدخل وبنسبة 50%, فيما حلت المتغيرات الاجتماعية في المرتبة الثانية بنسبة 29% واخيراً المتغيرات الثقافية بنسبة 20% وهذه ابرز الآراء:
عالية العتيبي (معلمة) ترى ان اكثر ما يواجه الاسرة المعروفة بخصوصية وضعها ومدى تمسكها بعاداتها وتقاليدها تلك القنوات باتت تشكل خطرا كبيراً على ابنائنا وبناتنا ومستوى تفكير الجيل لما تعرضه من ابتذال دمّر بعض الاسر بسبب المقارنات التي تولدت لدى بعض الرجال ورفضهم لواقعهم المعيشي اضافة الى تقاليع الشباب والبنات مما ضيع الهوية المحلية لابنائنا اضافة الى مناقشة بعض القضايا البديهية التي اوجدت نوعاً من التضارب الفكري والوجداني لدى الاسر لذلك ارى ان اهم التحديات التي باتت تواجه الاسرة هي التربية في ظل المتغيرات الاجتماعية.
النظرة للمستقبل
وترى الدكتورة عبير محمد (طبيبة اطفال) أن الأسر السعودية اليوم تواجه تحديا كبيرا في انقلاب وتغير المفاهيم في ظل الانفتاح الإعلامي وصناعة النجوم لدرجة جعلت الشباب والفتيات يرون ان الفن والرياضة الطريق الأسرع للغنى والشهرة والتقدير من المجتمع ولم يعد تفكير الشباب كما كان في السابق من البحث عن اعلى الشهادات والرغبة في مواصلة التعليم والعمل ما ساهم في رفع نسبة البطالة والعنوسة في المجتمع.
الانترنت والانفتاح
ومن وجهة نظر رقية فتيحي (استاذة علم الاجتماع) ان اكبر التحديات التي تواجه الانتقال من ثقافة الى اخرى مغايرة أي من بلد صغير او قرية صغيرة منغلقة الى مجتمع كبير ومدينة منفتحة مثل جدة أو الرياض أو الدمام إما للالتحاق بالجامعات الكبرى او للعمل, فتحصل الصدمة الثقافية ما بين الثقافة التي يتبناها الفرد والتي انتقل اليها والثقافة الاخرى للأفراد المجاورين له في العمل او مجال الدراسة وطريقة التفكير, فمن الصعب التوافق ما بين الاثنين, فإما أن يتنازل عن ثقافته بشكل جزئي وإما ان يتخلى عنها بشكل كبير حتى يتوافق مع الثقافة الاخرى ويكون الصراع ما بين الحفاظ على تقاليد الأسرة الصغيرة والتغيرات في المجتمع الكبير.
إذاً اهم التحديات التي تواجه الاسرة السعودية يتمثل في الصراع ما بين القديم والحديث, وما بين الجيل الأول (الوالدين) والثاني (الأبناء والأحفاد) نظراً لدخول الفضائيات
والجوالات والانترنت.
مشيرة الى أن المتغيرات الثقافية والاجتماعية والإقتصادية جميعها عوامل بالغة التأثير على الأسرة والأبناء, كما ان من اهم المشكلات التي تعاني منها الأسرة السعودية عدم وجود الحوار ما بين افرادها فالاب مشغول والأم كذلك والأولاد. ومثال بسيط يؤكد على بعد افراد الأسرة حين تسأل احد الآباء عن المرحلة التي يدرس بها ابناؤه فيصمت قليلاً ليتذكر مما يعني بُعد الآباء عن مجالس الأبناء والأمهات عن مجالس الأمهات وعدم الإلتزام بالمشاركة والتواصل مع المدارس او الأبناء.
العودة الى الجذور
وتضيف د. فتيحي أن هناك دراسات حديثة تقول أنه لا بد من أن ينشأ حوار بين الوالدين والأبناء وهذا يعني ما يقوله المثل الدارج: «إن كبر ابنك خاويه» ويكون ذلك في الحوار وفي النصيحة وتبادل الآراء وطرح المشاكل الخاصة بالأسرة لمشاركة الأبناء في حلها فلا بد من وجود القدوة الحسنة والرجوع للدين والتمسك بالعادات والتقاليد التي فيها احترام لانفسنا قبل احترام الغير.
هلا العسيلان ولينا قطان (محاضرتان في الفنون الإسلامية بقسم الاقتصاد المنزلي بجامعة الملك عبدالعزيز أشارتا الى ضرورة العودة الى الجذور والتمسك بالقيم حتى يتمكن المجتمع من استيعاب التحول بهدوء وحتى لا يضحي بتاريخه ولا يفقد كيانه, ولا ينقص من الثقة بفكره وقدراته, ولا ينتهي الى السقوط في التهميش والتسطيح وفقدان الهوية والرضا بالتبعية والاستسلام او التوقف عن مواكبة ايقاع المرحلة ومسايرة التطور.
التأكيد على الهوية
ولا بد للمجتمع من ان يتعرف على حقيقة خطاه, ولا يكتفي بالانبهار او الدهشة امام تحولات المشهد الحضاري ولا بالانعزال او الانفصال عنه.
فينبغي أن يكون قادرا على العبور الى جسر التقدم واللحاق بعصر المعرفة, وانتاج العلم وتجاوز حدود الاكتفاء بدور المتفرج حين يستورد ويستهلك فقط. الى جدية الرغبة في التغيير, سعيا الى الخروج من النمطية السالبة الى الصياغة الموجبة, وتحويل المتوقع الى واقع, والطموح الى نمط متجدد أساسه العقيدة الإسلامية.
وفي ظل متغيرات دخيلة على عقيدتنا ومجتمعنا وبيئتنا وقيمنا, حدث نوع من التصادم بينها وبين الثوابت, مما اسفر عنه تحديات تواجهها الأسرة اليوم.
وهذه التحديات قد تتفاوت حدتها ومدى تقبلها من اسرة الى اخرى تبعا للإطار الفكري والخاص بها ما يفرض عليها نوعاً من التكيف والتآلف او التحول الواعي مع هذه المتغيرات حتى تتمكن من طرح او اعادة صياغة حياة الأسرة في الفكر والسلوك وتربية الأبناء ونمط حياتها حتى تتمكن من مواكبة الركب الحضاري الحديث دون المساس بثوابتها الدينية والاخلاقية ذلك ان الاسرة السعودية تنبع من تمسكها بثوابتها الدينية والاخلاقية ومواجهتها للتحديات للتأكيد على هويتها.
وتتفق لينا قطان مع ما طرحته العسيلان موضحة ان التحديات التي تواجه الأسرة والتي تغلغلت في فكرنا, وبالتالي انعكست على سلوكنا هي اختراق لمنظومة القيم الموجودة ولكل تحد جانبان: اما موجب واما سالب, فالموجب منه يعتبر إضافة للثوابت والتي هي منظمومة من القيم الموجودة, أما السالب فينتج عنه انبهار.. يغير الفكر والسلوك وبالتالي تمييع الهوية والهزيمة.
ونحن نستفيد من التحدي اذا كان موجباً في اطار الثوابت, فننجح في الحفاظ على هويتنا اما اذا تغلغل في فكرنا وانعكس على سلوكنا. وانبهرنا فهذه .. بداية الغزو الفكري وفقدان القيم في الفكر او الآيديولوجيا مثل قيمَّ الأبوة او الامومة.
والجانب الموجب هو الاستفادة من الانماط السلوكية وايجاد انماط جديدة مستحدثة, للتعزيز والحفاظ على القيم الموجودة فيصبح هناك قيمة ومعنى للابوة والامومة.
الى جانب تحدي الحوار الثقافي الذي يدخل احيانا بمداخل الالفاظ البراقة, والمستحدث من التغييرات, والخطورة ان يحدث الانبهار به وهنا تقع الهزيمة!
اما ايجابياته فهو يجعل الاطراف تتحاور ليتسع افقها ومداركها, لما ينتج من الحوار وهذا يعني النجاح والجانب السلبي في تحدي الغزو الفكري هو تحدي ثقافة تظهر في سياق غير سياقنا, تقتحم الثوابت الإيديولوجية, هدفها تشكيل انماط جديدة من التعايش. اما الجانب الموجب فهو الاستفادة من الثقافة الواردة, والفكر دون مساس الثوابت
واخيرا تحدي العولمة: فالجانب السالب فيه هو تحد لوجود البشر وانماط ثقافاتهم واعرافهم, يتغلغل لتفكيك الثوابت ذات الجذور العميقة والجانب الموجب هو ابتكار انماط جديدة من الثقافات والاعراف دون مساس بالثوابت والاحتفاظ بالهوية.
المتغيرات الاقتصادية
أما ابرز المتغيرات التي تواجه الاسرة السعودية في الوقت الحالي فهي المتغيرات الاقتصادية حيث اصبح الاقتصاد العالمي اليوم هو اقتصاد القرية الواحدة,
فأثرت هذه المتغيرات على الاقتصاد العربي بشكل عام, بالإضافة الى ما افرزته من معطيات جديدة غيرت فعليا من طبيعة الحياة الأسرية في السنوات الاخيرة وفتحت المجال امام بروز العديد من المشكلات التي اصبحت تواجهها.
ومن اهم الاسباب التي ادت الى التغير في الحالة الاقتصادية اكتشاف النفط, والتقدم العلمي والتقني المتسارع في جميع المجالات, وغزو الاجهزة الكهربائية والالكترونية لمختلف المجالات الحياتية والاعتماد عليها مما حول الاسرة السعودية الى اسرة استهلاكية بدلا من اسرة انتاجية.
فهناك ارتباط بين تقنية الاتصالات والمعلومات وبين العديد من المتغيرات الاقتصادية, وذلك في ما يتعلق بإيجاد فرص جديدة للعمل والانتعاش الاقتصادي والقدرة التنافسية والاستثمارات الاجنبية والإسهام في زيادة اجمالي الناتج المحلي. ومع هذه التغيرات في الحياة المعاصرة ظهرت مظاهر التمدن والرقي على المدن الكبرى خاصة, واتسعت وتباعدت المسافات فيما بينها. مما اغرى العديد من اهل البادية بالهجرة الى المدن الكبرى. ومن التحولات التي صاحبت هذه المتغيرات الاقتصادية خروج المرأة السعودية الى سوق عمل تنافسي ومعولم ترتب عليه بعض التغيرات في الكيفية التي تعيشها الاسرة وطبيعة حياتها اليومية بالإضافة الى ظهور العديد من التخصصات الجديدة للمرأة والتي لم تكن تمارسها من قبل حتىّ انها في بعض الاحيان شاركت الرجل في بعض المجالات التي كانت مقتصرة عليه في السابق فأصبحت المرأة بالتالي مساهمة مع الرجل في الدعم الاقتصادي للأسرة, وتحولت الاسرة السعودية من اسرة مستهلكة الى اسرة منتجة. وهذا فرض بدوره استقدام العمالة الوافدة والاعتماد عليها في امور الحياة اليومية.
المتغيرات الاجتماعية
من اهم المتغيرات الاجتماعية التي مرت بها بلادنا,
هي بداية نشأة افراده داخل قرية محدودة المساحة والسكان ومجتمعين في منظومة محدودة يصعب اختراقها او تغيير نسيجها الاجتماعي. لكن بطبيعة العصر الحديث الذي نعيشه ومع كل التقدم العلمي والتقني المتسارع, ومع ظهور مصطلح القرية العالمية الواحدة, اصبح المجتمع الدولي يتسم بالعولمة, فبدأت العديد من المتغيرات بالظهور والانتشار السريع. فكان من ابرز المتغيرات الاجتماعية التي اثرت على الأسرة استقلال الاسر النووية او «الخلوية» عن الاسرة الممتدة, بمعنى ان الاسرة الممتدة في السابق كانت كلها تقطن وتتشارك في منزل واحد, ابتداء من الجد (كبير العائلة) وحتى الأبناء وزوجاتهم وانتهاء بأصغر الاحفاد. لكن استقلت اليوم الأسر الصغيرة النووية عن (بيت العائلة) وصار كل ابن مستقلاً مع زوجته وأبنائه وربما بعيد المسافة ايضا عنه. فينشأ الطفل بعيداً عن الجو العائلي المتعدد الأفراد, وينشأ بعيداً عن بقية افراد عائلته, لا يجتمع معهم الا في المناسبات الكبرى, او في بعض الاحيان وقد لا يراهم في حياته. ومع سيطرة وسائط ووسائل الاتصال الحديثة, اصبح افراد الاسرة معتمدين عليها بشكل او بآخر على التواصل فما بينهم ومع بقية افراد المجتمع. كما ان التقنيات الحديثة في وسائل الإعلام تعتمد على عنصر السلبية او القهر الفكري الذي لا يعطي مساحة حقيقية للتأمل والتفكير الحر المتمثل في الكتاب, لأنها تعتمد على الإعلان وليس على الإعلام. وطغيان دور الآلة في المجتمع ادى الى اقتصار لعب الطفل معها والى قولبة تفكيره, فاستغنى عن الخروج من المنزل للعب, وعن تفاعله الجسدي في اللعب مع بقية افراد اسرته ومجتمعه. وقد اختلف مفهوم التربية اليوم عما كانت عليه في السابق, فالآباء والامهات الذين كانوا يقومون على تربية ابنائهم وتعليمهم وتوعيتهم وغرس القيم الأخلاقية والدينية فيهم وما يرتبط بها من سلوكيات, صاروا الآن وفي ظل المتغيرات المعاصرة وتأثيرات العولمة والتقنية والابتكارات العلمية المتتالية والمتسارعة, يجدون انفسهم أمام مرحلة جديدة لم يتعودوا على التعامل مع مقتضياتها.
المتغيرات الثقافية
وكان للمتغيرات الثقافية دور كبير في تشكيل مجموعة القيم حسب ما اوضحته الاستاذة هلا لتؤكد ان الثقافة هي مجموع القيم التي ارتضتها الجماعة لنفسها لتميزها عن غيرها من الجماعات. وتتمثل اهمية الثقافة في قدرتها على صياغة الوعي الفكري للفرد, وفي تأطير هويته, وفي تشكيل سلوكه الاجتماعي. ولكل عصر ثقافته, ولكل مجتمع ثقافته الخاصة به, وهي محكومة بمجموعة من القيم الدينية والخلقية وبالعادات والتقاليد بحيث لا يمكن فصل النسق الثقافي عن المكون الفكري والاقتصادي والاجتماعي, وكلها عوامل تؤثر بشكل او بآخر على نوع وعدد المثقفين في المجتمع وتضيف ان الثقافة هي الخيط الذي يربط الماضي بالحاضر, وهي التي تعد الفرد اعدادا واعيا للمستقبل. ومن هنا نخلص أن الثقافة كيان يتسم بالتغير المستمر من جهة, وبالثبات النسبي من جهة اخرى. وهي بهذا تشكل اواصر وحدة الجماعة, وتساهم في مواجهة الظروف المتغيرة والمتبدلة للحياة. والهوية الثقافية تمثل استجابة الامة للتحديات وتساهم في صياغة وحدتها القومية والوطنية. ومع التقدم العلمي لوسائط الاتصال ووسائل الاعلام وانتشار الشبكة العنكبوتية وفورية البث التلفزيوني والإذاعي.. الخ, ومع توافد الشباب الدارسين في الخارج, ادى كل ذلك الى التراكم المعلوماتي الذي دخلت من خلاله بعض من المتغيرات الثقافية الدخيلة على عقيدتنا وعلى مجتمعنا ولذلك تعتبر المتغيرات الثقافية من اقوى المتغيرات تأثيرا على الاسرة السعودية والتي اثرت بدورها على الناحية الاقتصادية, ومن ثم على الناحية الاجتماعية.
م..ن
مواقع النشر (المفضلة)