بسم الله الرحمن الرحيمأنين تحت المطر
وقفت أمام النافذة في يوم مطير...ودوي كالمدافع..وحبال المطر لا تنقطع...
كان الجو باردا جدا..الكل ذهب إلى منزله ليتقي المطر ...ولجأت الطيور إلى أوكارها هي الأخرى...كانت الطريق خالية من كل عابر ...الكل في سكون... لا يسمع إلا صوت ماء المطر ينهمر بغزارة على الأرض...
وبينما أنا كذلك ...سمعت صوتا يأتي من قريب ..صوتا لم أعرف ماهو..
هل هو شخص يطلب النجدة.؟. أم أنه صوت طفل يلهو؟ لكن المطر ينهمر بغزارة كيف لأحد أن يقف تحته ! كان الصوت يقترب شيئا فشيئا ....
فتيقنت أنه طفل ،لكنه لم يكن يلهو إنما كان يئن تحت المطر...كان يمشي باتجاه منزلي وفجأة سقط على قارعة الطريق،وأخذ يطلب النجدة .....
أحسست بإحساس غريب ، أحسست أن ذلك الطفل ليس بغريب ...
لكن من هو يا ترى؟؟؟؟؟؟؟؟
شعرت بالحزن العظيم عليه...أسرعت إلى غرفتي أحضرت دثارا وأخذت مظلتي ...فتحت باب منزلي وذهبت إليه مسرعة لعلي أنجده ،لعلي أعرف من هو وما هي حكايته ؟ لماذا هو ممدد على الأرض وكأنه جريح ؟ لماذا أتى باتجاه منزلي؟؟؟؟؟
أسرعت إليه ،دثرته بالدثار ،ساعدته على الوقوف ،وبينما نحن متجهان إلى
المنزل ازداد المطر غزارة ولم نعد نرى شيئا ،لجأنا إلى أقرب مكان لنحتمي من المطر،كان هنالك بيت مهجور هو ملجأنا الوحيد في تلك اللحظه....دخلنا إليه ومازال الطفل يئن ... أجلسته بالقرب مني ،كان مابين السادسة إلى السابعة من عمره ، سألته عن وجهته ؟ فقال لي: "لا أدري"
ازدادت دهشتي منه .سألته ما اسمك ؟ أين والداك ؟ من أين أتيت ؟
لم يكن يجيب على تساؤلاتي كانت لغته هي الصمت والأنين ..سألته عن سبب أنينه ...فبدأ بالحديث ، قال لي :"إنني جريح"فقلت له : "سآخذك لأقرب طبيب وستعالج " ... نظرت إليه مليا فلم أر أثر جرح في أي مكان من جسده ، قلت له :لكنك لست بجريح ....! قال: بلى إنه جرح في قلبي ، جرحته من أول يوم لي في هذه الدنيا ...نظرت إلى عيني الطفل فأيقنت أنه يحمل من الشجن والحزن مالا يستطيع تحمله طفل في عمره .....
في هذه الأثناء بدأت الغيوم تعلن رحيلها عن السماء ..وسطعت أشعة الشمس الدافئه.. وهب النسيم اللطيف يداعب أوراق الشجر ، وانطلقت الطيور من أعشاشها تغني أجمل الألحان ...
سألت الطفل: ما سر حزنك ؟ فلم يجبني ..قال لي إنه جائع ، أخبرته أن يمكث مكانه وأسرعت أنا إلى منزلي لأحضر الطعام..لحق بي، نظرت إليه
وهو لم يزل بعيدا عني ، أراد أن يقول لي شيئا...لكن حدث مالم أكن أرجوه أو أتوقعه .........أتت سيارة مسرعة من أقصى الشارع ، وألقت بجسده الضعيف الوهن على قارعة الطريق ....لم أصدق ما حدث ؟ عدت إليه بأسرع ما أستطيع أمسكت يديه ..قلت له :أرجوك لا تمت، أخبرني من أنت ؟من أين أتيت ؟ أكمل لي الحكاية ..............
قال وهو يلفظ أنفاسه الأخيره : أنا لن أمت ، ستجدينني في فلسطين ، في غزة الأبية ...ستجدينني في العراق وفي الشيشان ..أنا الطفل المسلم الذي قتلت براءته وضاع حلمه بسبب حقد الكبار وجور الظالمين ........
وكانت تلك هي آخر كلماته ........ومااااااات...
مات قبل أن يكمل الحكاية.. مات قبل أن يخبرني ماذا أراد مني ...وكل ما عرفته أنه طفل صغير برئ ..جرح قلبه الصغير وامتلأ بالشجن....
استيقظت من نومي وجلة ، توجهت إلى النافذة مسرعة..نظرت إلى الطريق
لم يكن هنالك طفل ولا سيارة مسرعة ، لم يكن هنالك أمطار ولا غيوم ، لم يكن هنالك إلا شمس ساطعة ، وسراب الطريق ..........
أخذت بعض الطعام وذهبت إلى ذلك المنزل المهجور الذي دخلته أنا والطفل لنحتمي من المطر ، دخلته لعلي أجده مرة أخرى وأطعمه فقد كان جائعا...ناديته بأعلى صوتي فل يجبني إلا صدى الصوت ينتشر في جنبات
ذلك البيت............
عدت إلى منزلي وأنا حزينة كسيرة ..ذلك الطفل أراد أن يخبرني أن هنالك آلاف الأطفال من أبناء المسلمين يعانون الويلات والجوع ..أن هنالك من يئن بصمت ...يريدون الإنصاف والحرية ..يريدون أن يعيشوا كباقي أطفال العالم ..يلعبوا بأمان ..يفرحوا بلبس العيد.. يأكلوا لقمة هنيئة مع أهلهم..ويذهبوا إلى مدارسهم بأمان أيضا....
عدت إلى النافذة وأغلقتها.. وأخذت الطعام وتناولته بدلا عن الطفل .. وبعد فترة وجيزة ..تلبدت السماء بالغيوم ..ولمع البرق .. ودوى الرعد ......
وانهمر المطر............................
مواقع النشر (المفضلة)