رابعاً:التأويل
من أنواع موانع التكفير التي ذكرها العلماء هذا النوع وهو التأويل.
والتأويل هو: التلبس والوقوع في الكفر متأولاً من غير قصد لذلك.
اتفق أئمة أهل السنة والجماعة على أن التأويل السائغ - الذي له وجه في العلم واللغة العربية - يعتبر من موانع التكفير؛ إذا كان سببه القصور في فهم الأدلة الشرعية، أو الاستناد إلى الشبه التي تصرف عن إتباع الحق دون تعمد للمخالفة، أو المعارضة، أو التكذيب، أو الرد، أو العناد؛ بل اعتقاد العكس بأن الحق معه والتزمه بذلك.
وهذا النوع من المتأول إذا أخطأ، وكان من أهل الإيمان؛ فهو معذور حتى تقام عليه الحجة، وتزول عنه الشبهة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَالتَّكْفِيرُ هُوَ مِنْ الْوَعِيدِ . فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكْفُرُ بِجَحْدِ مَا يَجْحَدُهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ . وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَا يَسْمَعُ تِلْكَ النُّصُوصَ أَوْ سَمِعَهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ عَارَضَهَا عِنْدَهُ مُعَارِضٌ آخَرُ أَوْجَبَ تَأْوِيلَهَا، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا ، وَكُنْت دَائِمًا أَذْكُرُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ : " { إذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ ، فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت . قَالَ خَشْيَتُك : فَغَفَرَ لَهُ } " . فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ . وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا . مجموع الفتاوى (3 / 231)
والشاهد من قوله رحمه الله: وَالْمُتَأَوِّلُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ الْحَرِيصُ عَلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْلَى بِالْمَغْفِرَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا.
وهذا واضح والحمد لله.
مواقع النشر (المفضلة)