ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا لفراقك يا شيخنا لمحزونون و{ إنا لله وإنا إليه راجعون }، هكذا يغيب الموت علما من اعلام هذه الامة، ويغطي الظلام نجما من نجومها، انه الشيخ العلامة الدكتور عبدالله بن جبرين يرحمه الله احد ابرز كبار العلماء في العالم الاسلامي.
لقد كان الشيخ (يرحمه الله) من اقوى العلماء تأثيرا في فتاواه حيث تتلقاها وسائل الاعلام ويتقبلها العلماء والدعاة وطلاب العلم، وذلك لمكانة الشيخ العلمية ولما عرف عن الشيخ من تحريه الحق وعدم مجاملته في فتاواه، فكان (يرحمه الله) يقول الحق ولا يخاف لومة لائم، بل كان يصدع بالحق ولو على حساب نفسه، فيرحمه الله ويغفر له ويعلي منزلته.
صحيح انني لم اجلس مع الشيخ (يرحمه الله) في مجالس خاصة الا مرات قليلة الا انني لا استطيع نسيان ذلك العالم الجليل الذي على الرغم من تواضعه الجم الا انه تحيطه هيبة، وعلى الرغم من كلامه القليل الا انك تجد فيه معاني عظيمة، وعلى الرغم من كثرة السائلين الا انه صاحب خلق جم رفيع، وكانت عيناي لا تخطئه حتى لا تضيع مني فائدة أو تشرد مني شاردة.
لقد نصر الشيخ (يرحمه الله) المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، فوقف مع الضعفاء والمساكين، وناصر الدعاة والمجاهدين ولم يبال بما قيل فيه أو طعن بنيته، فكانت مواقفه لله وبالله - نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احدا - ولاجل هذا هابه اهل الزيغ والضلال، وتردد امامه اهل الاهواء والبدع.
وموت العلماء مصيبة في هذه الامة ليست كغيرها من المصائب، وموتهم لا كموت غيرهم، فموتهم علامة من علامات الساعة فبموتهم يقبض العلم وينزع، قال صلى الله عليه وآله وسلم «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل»، ولهذا قال الحسن البصري (موت العالم ثلمة في الاسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار).
كان الشيخ (يرحمه الله) ذا همة عالية ونشاط بالغ، فلم يدع الى محاضرة أو كلمة أو درس في أي منطقة في المملكة العربية السعودية الا ولبى الدعوة حتى لو كانت هجرة صغيرة، وما اذكر انني زرت منطقة أو مركزا دعويا في المملكة الا ورأيت كلمة للشيخ (يرحمه الله) في سجل الزيارات، وفتاوى تؤيد الدعاة الى الله وتنصرهم في الحق من الشيخ (يرفع الله قدره ومنزلته).
كان بإمكان الشيخ (يغفر الله له) ان يكون كغيره ممن حفظ العلم وكتمه، أو تكاسل في نشره والصدع به، أو تكسب به واخفى بعضه، ولكنه (يرحمه الله) أبى الا ان يكون وريثا للانبياء الذين ضحوا بكل شيء في سبيل دعوتهم ونشر دينهم، فكم في الامة اليوم من حافظ ومتعلم وحامل للفقه لكنه ليس بفقيه!! يتعلم علم الآخرة من اجل الدنيا، آتاه الله من الآيات لكنه (اخلد الى الارض واتبع هواه)، لكن الشيخ اختار الطريق الآخر وهو طريق العزة والرفعة، طريق الانبياء والعلماء والصديقين، جمعه الله بهم وجمعنا معهم.
عزاؤنا يا شيخنا ان الموت حق، وان الانبياء قد ماتوا من قبل، ومات خيرهم وافضلهم صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الله تعالى فيه { انك ميت وانهم ميتون } ، وهذه الامة سيبقى الخير فيها ما شاء الله، وسيخلف الله هذه الامة خيرا، وصحيح انك مت بجسدك يا شيخنا، لكنك ستبقى حيا بالذاكرة، وستبقى معنا بالعلم والاثر، وستظل علومك صدقة جارية، ولن ينقطع محبوك من الدعاء لك، اسأل الله ان يغفر لشيخنا (ابن جبرين) ويرحمه رحمة واسعة، وان يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وان يتجاوز عنه ويقبله في الصالحين، واسأله تعالى ان يجمعنا به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنات النعيم، اللهم آمين.
مواقع النشر (المفضلة)