الفساد والإفساد
الأميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز
عندما أتحدث عن الفساد عامة ، فإنني أتطرق إلى عالم بأكمله، فلا يوجد على وجه هذه المعمورة منطقة لا يوجد بها هذا الداء . فهو موجود في حياتنا في كافة مجالات التعامل الشخصية والاجتماعية والإدارية .
منذ بدء الخليقة ونحن نحارب الفساد ، فها هو أبونا آدم عليه السلام قد سمح للشيطان أن يفسد عليه عيشته الرضية في الجنة ، وبها بدأت قصة كفاح طويل بين بني آدم وبني الشيطان .
لننظر لواقعنا الأليم ، هل توجد في مؤسساتنا ( إلا ما رحم الله ) جهة لم يستشرِ فيها الفساد ؟ هل يوجد بيت لم تتغلغل به خيوط الشيطان من فتن داخلية وخارجية ؟ فهذا واقع ولا بد من رؤيته بكل وضوح، والاعتراف به بكل صدق.
أما الإفساد فهذا موضوع آخر وأخطر من الأول ، فالإفساد هو وجود النية للتخريب المقصود للآخر ، وهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع ، وهم المفسدون .
وهنا الحديث يطول ويتشعب ، وأعني وبكل صراحة قنوات التلفزة العربية التي بعضها تبث من قبل بعض أبناء وطننا لإفساد أبناء الوطن العربي وعولمتهم ، عندما أتأمل هذه القنوات أشعر وكأنهم يتسابقون على من يقدم الأقبح ، والأفظع ، والأجرأ .
ونحن لا نحرك ساكنا نتشرب الفساد مثل إسفنج البحر بدون تعليق . . . من المسؤول عن إفساد مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؟
فها هنا يوجد فارق شاسع بين أن تبث أفلاما خليعة وبرامج سفيهة ، ومسلسلات فاسقة عبر قنوات أصحابها مسلمون متعلمون ، معروفون اجتماعيا ، لهم مواقعهم في المجتمع الدولي ، ويتحملون مسؤولية فساد مجتمعات إسلامية بأكملها وأجيال ناشئة وصاعدة حول العالم ، بل أجيال سابقة لم تكن ترى وتسمع وتعي بأن يوجد في هذا العالم فساد أكبر من استيعابهم للأمور ، فهي مفسدة للدين والدنيا ، وبين قنوات يهودية أمريكية مبدأها وعيشتها وواقعها هو الفساد بكل ألوانه وأطيافه .
تخيل عزيزي القارئ أن رجلا في أعلى جبال تهامة ، لا يعرف من الدنيا إلا جبله وربه وعمله . . في الخلاء يتعرض لمشاهدة ما تبثه هذه القنوات من أفلام ومسلسلات وبرامج تهيج شهوات لم تكن لديه ولم يعرف بوجودها ، تخيلي عزيزتي القارئة الزوجة والأم والأخت أو الابنة أن تتعلم مبادئ حياتها من المشاهد الساخنة والمبادئ المبتذلة والعادات الفاجرة ومشاهداتها البذيئة لهذه القنوات ، التي تعتبر في مجتمعاتنا الآن شرا لا بد من وجوده، تخيل أن بكبسة زر تنتقل من رقص وخلاعة إلى قناة دين تابعة لنفس المالك ؟ فهذا دليل على الازدواجية وتمرير رسائل إفسادية للمسلمين بان تقدر أن تكون فاسدا ومفسدا ومتدينا في وقت واحد. صدق الرسول الكريم حين قال: إن الإسلام بدأ غريبا ، وسينتهي غريبا .
للأسف يوجد انفصام بين قناعاتنا وأفعالنا ، فقناعتنا هي بالدار الآخرة، لكن أفعالنا أكثرها للدنيا ، ولم يكن عند أسلافنا هذا الانفصام ، فقناعاتهم كانت للآخرة وعملهم كان لها، ويرون أن ذلك عين العقل والحكمة ، قال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى، وكانت الآخرة خزفا يبقى لوجب على العاقل أن يختار الخزف الباقي على الذهب الفاني ، كيف إذا كانت الدنيا هي الخزف الفاني والآخرة هي الذهب الباقي ، بهذه النظرة الصحيحة إلى الدنيا والآخرة صلح حال أسلافنا فصلحت لهم الدنيا وانقادت لهم الأمم .
مواقع النشر (المفضلة)