السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* التأمل في نعم الله تعالى واستحضارها وتذكرها.
وأن الإنسان في كل حالة من أحواله في نعمة ، بل ولا يمكن أن يمر عليه لحظة في حياته إلا وهو يتقلب في نعم الله تعالى ، وفي هذا استجابة لأمر الله تعالى بقوله سبحانه : ((وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ)) (البقرة:231) .
وقال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)) (فاطر : 3) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
* الضراعة إلى الله تعالى بأن يوزع عبده الضعيف شكر نعمته ، والإعانة على القيام بهذه الوظيفة العظيمة التي لا قيام للعبد بها إلا بإعانة الله تعالى ، والضراعة صفة أنبياء الله تعالى ورسله وعباده الصالحين . قال تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام : ((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)) (النمل :19) .
وقال تعالى عن العبد الصالح : ((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (الأحقاف :15) .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه بهذا الدعاء العظيم فقال له وقد أخذ بيده : ((يا معاذ ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) [1].
وعن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء ؟ قولوا : اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)) [2].
* أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يسأله يوم القيامة عن شكر نعمه .
هل قام بذلك أو قصّر ، قال تعالى : ((ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)) (التكاثر : 8) .
قال ابن كثير رحمه الله : (أي : ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة) [3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة يعني العبد أن يقال : ألم نُصحَّ جسمك ، ونرويك من الماء البارد)) [4].
* أن يعلم الإنسان يقيناً أن النعم إذا شكرت قرت وزادت ، وإذا كفرت فرت وزالت ، قال تعالى : ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) (إبراهيم :7) .
فمتى أراد العبد دوام النعم وزيادتها فليلزم الشكر . وبدونه لا تدوم نعمة.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( عليكم بملازمة الشكر على النعم فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم )[5].
على ذي النعمة أن ينظر إليها وإن قلت بعين التعظيم وإظهار الفاقة لأنها من الله تعالى وقليله لا يقال له قليل .
وقد أوصلها إليك فضلاً منه وامتناناً لا باستحقاق منك .
ومن الجهل بالنعمة أن يراها الإنسان يسيرة لا تستحق الشكر وبإمكانه أن ينالها، وهذا فهم سقيم ، فإن كل مطلوب يريده الإنسان لن يكون إلا بتيسير من الله مهما كان صغيراً ، فإذا تحقق فهو من نعم الله عليه لأن حصوله مصحلة لهذا المخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضراًّ ولا نفعاً.
* أن يفكر الإنسان في حاله ويتأمل حياته قبل حصول هذه النعمة ، وكيف كانت حاله آنذاك . وينظر إلى حاله لو كان فاقداً لها ، فإن كان غنياً فإلى حال فقره ، وإن كان صحيحاً فإلى حاله يوم كان مريضاً ، وإن ملك بيتاً فإلى حاله يوم كان لا يملك بل كان يستأجر أو في بيت ضيق لا يرتضيه ، وهكذا كل نعمة ينظر إلى وجود ضدها ليعرف بذلك قدرها فيشكرها .
* أن ينظر الإنسان إلى من دونه في أمور الدنيا . فإذا فعل ذلك استعظم ما أعطاه الله تعالى وفضّله به على غيره ، فلم يعب نعمة ولم ينتقص عطية ، فقام بمحبة الله تعالى وشكره ، وتواضع لربه ، وفعل الخير . فكان من الشاكرين .
وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ((انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ))[6].
فلينظر الإنسان إلى من دونه ممن ابتلي بالفقر المدقع أو الدين المفظع ، ويعلم ما صار إليه من السلامة من الأمرين . فذلك نعمة عظيمة فيشكر ربه .
وينظر إلى من ابتلي بالأسقام وينتقل منه إلى ما فُضِّل به عليه من العافية والصحة فيشكر مولاه ويستعمل ذلك في طاعته .
وينظر إلى من في خلقه نقص من عَمًى أو صَمَمٍ أو فَقْدِ عضو ، وينتقل إلى ما هو فيه من السلامة من تلك العاهات التي تجلب الهم والغم وتعوق الإنسان عن كثير من التصرفات ، فيشكر ربه وخالقه ، ويعمل حواسه التي سلمها الله في طاعته وابتغاء مرضاته .
وينظر إلى من ابتلي بجمع الدنيا وحطامها ، والامتناع عما يجب عليه من حقوق ، ويعلم أنه فُضل بالإقلال وأنعم عليه بقلة تبعة الأموال التي حلالها حساب وحرامها عقاب .
فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه وحصول القناعة .
إن الإنسان إذا وضع نصب عينيه هذا المعنى الجليل الذي اشتمل عليه هذا الحديث الشريف رأى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها ، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت بالحال فيزول همه وقلقه ، ويزداد سروره واغتباطه بما هو فيه من نعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها[7].
وما أحسن ما قاله بعض السلف : ( لَنِعمُ الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها ، وذلك أن الله لم يرضَ لنبيه الدنيا ، فلأَنْ أكون فيما رضي الله لنبيه وأحبَّ له أحبُّ من أن أكون فيما كرهه له وسخطه ) [8].
* وما يساهم في علاج تقصير الناس في الشكر التواصي بشكر نعم الله والقيام بحقها ، فإن تذكير الناس بالشكر أمر مطلوب ، لا سيما من صاحب كلمة مسموعة ، كخطيب جمعة وإمام مسجد وغيرهما من واعظ ومحاضر .
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (تذاكر النعم شكر) [9].
وقد كان السلف من هذه الأمة من الصحابة والتابعين يلهجون بشكر الله تعالى وحمده ، والثناء عليه ، عند كل لُقِيٍّ واجتماع .
وما ذلك إلا لاستنارة قلوبهم . ومعرفتهم لنعمة الله تعالى عليهم بل إن بعضهم كان يتقصد لقاء أخيه ، ويسأله عن حاله مع قرب العهد بينهما وما مقصوده من سؤاله أو السلام عليه إلا أن يسمع منه حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه .
وقد جاء ذلك في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته الشريفة . فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ((قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل : (( كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أحمد الله إليك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا الذي أردتُ منك ))[10].
ومعنى (أحمد الله إليك) : أحمد الله معك ، أو أشكر معك أياديه ونعمه . فقط (إلى) بمعنى (مع) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (( سمعت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سلم على رجل ، فرد عليه السلام . وقال للرجل : كيف أنت ؟ قال الرجل : أحمد الله إليك ، قال عمر : هذه أردت منك)) [11]
وعن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : (( إنْ كنا لعلنا أن نلتقي في اليوم مراراً ، يسأل بعضنا بعضاً عن حاله وإنْ نريد بذلك أي ما نريد بذلك إلا الحمد لله عز وجل)) [12].
* وهذا العلاج الذي وصفناه إنما ينفع صاحب القلب المبصر الذي يتأمل في نعم الله تعالى . أما القلب البليد الذي لا يعد النعمة نعمة إلا إذا نزل به البلاء فسبيل صاحبه أن ينظر أبداً إلى من دونه لعل الله تعالى أن يوقظه من رقدة الغفلة فيرى نعم الله ويقوم بشكرها [13]
* وأول مراتب سعادة العبد أن تكون له أذن واعية ، وقلب يعقل ما تعيه الأذن ، فإذا سمع وعقل تذكر فضل الله عليه. كلما تجددت له نعمة جدد لها شكراً . فهذا على خير وإلى خير .
[1] رواه أبو داود رقم (1522) والنسائي (3/ 53) بإسناد صحيح ، قال الحافظ في البلوغ : إسناده قوي ، وانظر شرح ابن القيم لهذا الحديث في كتابه " الفائد " ص (234) .
[2] أخرجه أحمد (7969) قال الهيثمي (10 / 172 ) : (رجاله رجال الصحيح غير موسىبن طارق وهو ثقة ) ويشهد له حديث معاذ الذي قبله. وقال أحمد شاكر: (إسناده صحيح ) .
[3] تفسير ابن كثير (8 / 494) .
[4] رواه الترمذي رقم (3358) وابن حبان (16/ 364) والحاكم (4 / 38) وقال صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي . وذكره الألباني في الصحيحة رقم (539).
[5] مختصر منهاج القصدين ص (291) .
[6] رواه مسلم رقم (2963) .
[7] انظر سبل السلام (4 / 302).
[8] عدة الصابرين ص (112) .
[9] ربيع الأبرار (4 / 328) .
[10] أخرجه الطبراني في الأوسط (5 / 191) رقم (4374) وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (10 /14) .
[11] أخرجه ابن المبارك في الزهد ص (68) .
[12] المصدر السابق ص (67 ، 69) وانظر رسالة المسترشدين ص (141) .
[13] راجع مختصر منهاج القاصدين ص (290) .
مواقع النشر (المفضلة)