إن عداوة الشيطان لبني الإنسان
أمر لا ريب فيه ولا خفاء،
فعداوته ظاهرة لا تحتاج إلى برهان؛
فمن العجب أن يعلم الإنسان عدوه
ومع ذلك ينقاد له!
وإن الشيطان ليبذل كل طاقته وجهده
لإضلال الإنسان عن منهج خالقه سبحانه وتعالى ..
ولكن هيهات هيهات
فقد حذرنا سبحانه وتعالى من اتباعه
وجعل لنا سلاحاً يصده ويحفظنا من وساوسه،
وهو ذكره سبحانه وتعالى والتزام أمره،
فمن داوم على ذكره سبحانه ولزم أمره حفظ عليه قلبه ودينه.
. مِن أشهر القصص التي يعرفها الخواص والعوام:
قصة العداء الأول بين آدم عليه السلام
وبين إبليس عليه لعنة الله.
وهذه قصةٌ مشهورة، تفاصليها معروفة،
فكان المرجو من المسلمين ألاَّ يغفلوا عن هذه القصة مع شهرتها. هذا الشر الموجود في العالم الآن؛
أليس مصدره إبليس؟!
كيف تكون جندياً لهذا الملعون المرجوم،
وأنت تعلم أنه عدوك سلفاً؟!
هذه من المواطن التي يتعجب منها اللبيب،
عدوك!
ليس أمرُه ملتبساً عليك، ولا تدري عداوته؛
لكنك تعلم كل ذلك،
ومع هذا ينقاد له بعض الناس
مع تنبيه الله تبارك وتعالى الناس بهذه العداوة،
قال عز وجل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ،
(مبين) أي: عداوته ظاهرة لا تحتاج إلى برهان.
وقال تعالى:
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً
. فبئس للظالمين بدلاً أن يتولوا هذا الشيطان
ويتركوا الله تبارك وتعالى. ......
تفكيك الأسرة المسلمة مراد الشيطان
إن الشيطان الرجيم له كل يوم برنامج مع بني آدم،
كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله الانصاري
رضي الله عنهما:
أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:
(إن إبليس يضع عرشه على الماء كل يوم، ثم يأتيه كل من يعمل تحته من الشياطين -طاغوت-
فيرسلهم إلى بني آدم يضلونهم ويفتنونهم،
وفي نهاية اليوم يأتي كل شيطان بخط سيره،
وماذا فعل في بني آدم،
محاكمة يومية يعقدها هذا الشيطان للذين يعملون تحته،
لو أن بني آدم اتعظوا وأخذوا الدقة والحذر من فعل الشيطان
ما استطاع هذا الشيطان أن يتغلب عليهم.
أما نحن بنو البشر يأمر الآمرُ بعمل ولا يتابعُه،
يعيث فيه فساداً يكمله أو لا يكمله،
لا أحد يسأل،
إنما هذا الشيطان
كل يوم لا بد أن يعلم هل استطاع أن يذل بني آدم أم لا.
ثم هو يقوم عمل الشيطان الصغير في الحال،
يقول له: أنت أفلحت أم لم تفلح في الحال،
ويعطي مكافأة للذي يفلح، والذي يظل من بني آدم أكثر من غيره،
كما هو واضح من الحديث:
(إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يرسل سراياه إلى بني آدم يضلونهم ويفتنونهم، وفي آخر اليوم -وهو قاعد على العرش-
( أي: على السرير، الكرسي العظيم-) يأتونه واحداً واحداً:
ماذا فعلت؟
يقول له: ما تركتُه حتى زنا، فيقول له إبليس:
لم تصنع شيئاً،
وأنت ماذا فعلت؟
يقول: ما تركته حتى سرق، يقول:
لم تصنع شيئاً،
وأنت ماذا فعلت؟
يقول: ما تركته حتى قتل؟ يقول:
لم تصنع شيئاً،
وأنت ماذا فعلت؟
يقول: ما تركته حتى فعل كذا، يقول:
لم تصنع شيئاً.
فيأتي آخَر فيقول له:
ماذا صنعت؟
يقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين أهله، فيقوم الشيطان من على العرش ويلتزمه -أي: يحتضنه- ويقول له:
( نِعْمَ أنتَ! أنْتَ أنْتَ! )
أي: أنت أجودهم وأفضلهم وأحسنهم،
ماذا فعل؟!
ما ترك الرجل حتى طلق زوجته.
ولعل سائلاً يسأل ويقول: إن الطلاق مباح، والزنا محرم،
والسرقة محرمة، وشرب الخمر محرم،
والقتل محرم،
فلِمَ لَمْ يفرح إبليس بوقوع هذه المعاصي المحرمة
وفرح فرحاً عظيماً لهذا الشيء المباح الذي يرتكبه بنو آدم،
ولا إثم عليهم؟
الجواب:
إن كل معصيةٍ يمكن أن يتوب العبد منها، وقد جعل الله تبارك وتعالى له فيها فَرَجاً ومخرجاً، وجعل لها كفارة،
إما بحدٍ أو باستغفار. فالزاني إذا زنا وهو غير محصن
فجلدٌ مائة وتغريب عام، فإذا زنى الرجل المحض؛
فإنه يحفر له حفرة في الأرض ويوضع فيها، ويُضْرَب رأسُه بالحجارة حتى يموت،
وهذا هو المعروف في حد الرجم،
فإذا رُجِمَ المسلم وجلد فكأنما لم يزنِ، ولم يرتكب الذنب
وشاهد ذلك:
(أن المرأة الغامدية التي زنت وهي متزوجة في زمان النبي عليه الصلاة والسلام، فرَجَمَها بالحجارة حتى ماتت، ثم لما أراد عليه الصلاة والسلام أن يصلي عليها ووقف أمامه عمر ، وقال:
أتصلي عليها وقد زنت؟
( لقد تابت توبةً لو وُزِّعت على سبعين من أهل المدينة لَوَسِعَتْهُم )
كيف وقد جادت بنفسها لله عز وجل؟!
فهذه زنت؛
لكن بمجرد أن أقيم عليها الحد ذهب الفعل والجُرْم،
ومعنى أن يذهب الجرم، أي: فشل الشيطان في كل فعله؛ لأنه أقسم بعزة الله تبارك وتعالى ليُغْوِيَنَّ الناس جميعاً إلا المخلَصين، و(المخلَصين) بفتح اللام،
أي:
الذين أخلصهم الله لنفسه؛ لذلك لا يستطيع إبليس أن يغوي رجلاً أخلصه الله لنفسه،
ولذلك المخلَص أعلى درجة من المخلِص؛
لأن المخلَص: الله هو الذي أخلَصه لنفسه، أما المخلِص: فهو الذي أخلَص نفسه لربه،
ولا شك أن الذي يخلصه الله بنفسه أعلى درجة وأقوى حرزاً ومَنَعَة من الذي يخلِصُ نفسه لربه تبارك وتعالى.
فمعنى أن يُتابَ على هذا العاصي، ذهاب جهدُ إبليس هدراً، وكذلك الذي يشرب الخمر، أو الذي يقتل مع فداحة هذه المعصية إلا أن إبليس لا يهتز لها،
وإنما يهتز للطلاق!
لماذا؟
لأن غاية مراد إبليس أن يرى العباد جميعاً في غوايةٍ وضلال، تصور! رجل طلق امرأته، فتزوجت المرأة، والزوج الجديد ليس على استعداد أن يربي أولاد غيره، فيأبى حضانةَ الأولاد، فتتركهم الأم، ويتزوج الرجل الزوجة الجديدة وليست على استعداد أن تربي أولاد غيرها؛ فيطرد الأولاد، وهم يريدون أن يأكلوا و يشربوا،
فينحرفون وتسيطر عليهم عصابات الفساد. وهذا مراد إبليس، أن يرى عتلاً زنيماً في الأرض،
أن يرى جندياً مخلصاً له، لا يمكن أن يحصِّل جنوداً مخلِصين إلا بتفكيك الأسرة؛ لأن وجود الوالد وهو ضابط عظيم، ووجود الأم كل حركة يحاسب الولد عليها، إذا فعل الولد فعلاً شائناً يخشى العقوبة، إما أن يسترها، وإما أن لا يفعلها من الأصل، لأن هناك محاسباً. أما إذا خرج الولد من هذا الضابط، ولا يحاسبه أحد على الفعل تم مراد إبليس.
لذلك يقول: (لم تصنع شيئاً)،
إنما الذي قال: (ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين أهله)
قام له واحتضنه. إبليس له مقام عظيم بالنسبة للشياطين الصغار،
فمثلاً:
لو أن شخصاً صافحه رئيس الجمهورية لكاد أن يمشي على السحاب من العُجْب،
فما بالك بإبليس هذا يقوم له من على العرش، ولا يسلم عليه وإنما يحتضنه ويعانقه، ولا يكتفي بهذا، إنما يؤكد أنه من المَهَرَة:
(نِعْمَ أَنْتَ! أَنْتَ أَنْتَ!)
يعني: لا يوجد لك مثيل، قد فاز على بقية الشياطين الصغار، فهذا يفتح شهيته لمزيدٍ من الإضلال وتخريب البيوت المسلمة. فإذا كان الشيطان يحمل سلاحه ويشهره في وجوه بني آدم جميعاً،
أفيليق بك أيها العاقل أن ترى هذا الشيطان ممسكاً سلاحه، ثم تلقي سلاحك على الأرض؟!
أهذا يعقل؟!
عدوُّك معه سلاحه، وهو يتربص بك، وأنت تعلم أنه سيقتلك، ثم ترمي سلاحَك أمامه؟! ......
مواقع النشر (المفضلة)