الموضوع: الحمـــــــــــــــــــــ ــــــــــاط

الكَرَاث



الدكتور/ أحمد سعيد قشاش



قال أبو حنيفة: ( أخبرني أعرابيٌّ من أزد السراة، قال: الكرَاث شجرة جبلية، لها ورق طوال دقاق، وخطرة ناعمة، إذا فُدغَت هريقت لبنا، والناس يستمشون بلبنها، وقال أبو ذَرَّة الهذلي:

إنَّ حبيبَ بنَ اليمانِ قد نشب في حّصّدٍ من الكراثِ والكنبْ

قال: ويُؤتى بالمجذوم حتى يتوسط به منبت الكَرَاث، فيقيم فيه، ويخلط له بطعامه وشرابه، فلا يلبث أن يبرأ من جذامه، وتذهب قوته ( يعني قوة الجذام ) .

قال: وهو ما يتخذ أرشية، أي حبالاً من قشره .

قال: وقال الأزدي: لا أعرفه ينبت إلا بذي كشاء، وهو جبل الزُّهْران، وببلاد هذيل وادٍ يقال له: عَروان[1]، به الكَرَاث .

قال: ويزعمون أن جنية قالت: من أراد الشِّفاء من كل داء فعليه بنيات البُرْقَة من ذات كشاء)[2] .

وقال الفيروز آبادي: ( الكَرَاث... كسحاب: شجر كبار رأيتها بجبال الطائف )[3] .

قلت: الَكَراث نبات جميل معمر، مقاوم للجفاف، وهو شديد الشبه بالصَّاب، ويقوم مثله على سيقان لحمية جرداء ترتفع نحو متر من جذمور أرضي واحد، وتتفرع بكثافة على هيئة شبه كروية، ربما وصل قطرها إلى ثلاثة أمتار، وهو من الشجيرات، وليس بشجر كبار كما ذكر الفيروز آبادي، ولعله رأى العَمقى، وهو شجر كبار يشبه الكراث، فظن أنه الكَرَاث، لسيقانه زوايا ثلاثية مطرزة بأشواك كثيفة حادة أطول قليلاً من أشواك الصَّاب، وهذه الزوايا مقلصة أو مخصرة من أسفل الساق إلى قمته على نحو أوضح فيه من الصَّاب، ويظهر الساق بلونين: ثلثه الأسفل أخضر مغبر، وباقيه بلون أخضر فاتح يعلوه عند الجدب صفرة أو بياض قليل، وفي الرواء يظهر على رؤوس سيقانه الحديثة النمو أوراق صغيرة، تظهر من آباط الأشواك، تبقى أياماً قليلة ثم تسقط .

وهو أيضاً يشبه الصَّاب في نظامه الزهري والثمري، غير أن أزهاره أكبر وكذلك ثماره تظهر بحجم أكبر، ولونها أصفر مشرب بحمرة قانئة، وتنطلق منها البذور إذا حمي النهار، محدثة فرقعة عند انفلاق غلاف الثمرة أعلى من تلك التي تحثها بذور الصَّاب .

وتفرز سيقان الكَرَاثة عصارة لبنية حارقة كعصارة الصًّاب.

في ديار قبائل آل حيَّان من قحطان: مازالت تستعمل علاجاً للجذام .

وفي جبل ورقان ونواح أخرى من جبال الحجاز: علاجاً لجَرَب الإبل والحمير .

وقل أن يفعلوه لحرارتها الشديدة .

وفي أحامدة الفقرة: أنهم كانوا يستخدمون تلك العصارة لعلاج أمراض الصدر والرأس، يضعون قطرات منها على الرأس بعد حلقه، وكذا توضع على الصدر فينجم عنها حروق وآلام مبرحة، قال: لعلها تنسي الألم القديم ولا تشفيه.

قال: وكانوا يستعملونها مسهلة لتطهير البطن، يضعون منها شيئاً قليلاً داخل عجين أو زبد فيكورونها بحجم حمصة كبيرة، ويبتلعون منها حبتين أو ثلاثاً بحسب عمر المريض وقوة تحمله، يفعلون ذلك خشية أن تلامس الحلق، وهي تسهل إسهالاً شديداً، وربما أودت بحياة صاحبها إذا لم يأخذ منها بقدر يسير وحرص شديد، وإذا أرادوا وقوف الإسهال شربوا لذلك المرق أو اللبن أو ماء المضير ( الإقط) .

والعقلاء يحذرون من استعماله علاجاً على أي حال كان .

وأخبرني رجل من الأحامدة قال: ونستعمل عصارة الكراث للتخلص من مسامير الأقدام ( الأثافين) .

قال: ويأكل بذره طائر القهبي ( الشَّنَّير) فإن صيد وأكل قبل أن يذهب أثرها من لحمه فربما أودى بحياة آكله من فرط الإسهال، ويعالج بالطريقة السابقة نفسها.

وأخبرني الفيفي: أن رجلاً من ذويه شرب بقصد التداوي شيئاً قليلاً من عصارته دون وقاية، فقطع حلقومه ومات من فوره.

وأخبرني آخر من ديار بالحارث: أنهم كانوا يستعلمون عصارته لعلاج الأبدة، فيجد المريض منها حرقة شديدة يشفى بعدها بإذن الله تعالى .

وفي الأجرد ورضوى من ديار جهينة: يعالجون بتلك العصارة آلام عرق النَّساء، وذلك بوضع قطرات منها قليلة بدءا بأعلى الورك إلى أسفل الساق، ثم دعكها على عجل بواقٍ على اليد، فيشعر المريض بعدها بحرارة يعقبها راحة عاجلة، وربما وضعوها بنفس الطريقة على المفاصل المؤلمة .

وأخبرني رجل من أهل ورقان: أن عصارة الكراث إذا وقع منها قطرة في العين فقد يزول بها البصر، ولا يسكن حرارتها الشديدة إلا عصارة الغلثى، وكذلك إذا أصابت الأعضاء الأخرى من الجسم .

وقال الأحمدي: والنحل يثمر أزهاره فيجني منها عسلاً شهيراً نسميه ( عسل الكراثة) لونه أبيض أو أبيض يميل إلى الصفرة، وهو حار يقرص الفم واللسان، يُسهِّل أكله إذا أكثر منه، إسهالاً خفيفاً.

والحاضرة من أهل المدينة: يغالون في ثمنه، ويعتقدون أنه خير أنواع العسل لعلاج أسقام البطن، وتطهيره من الطفيليات أو الديدان.

قال: وكنا في أزمنة الجدب نجمع ما أوشك منه على الجفاف، ثم نضربه بعصاً غليظة حتى إذا تفتت قدمناه علفاً لأغنامنا ونضع من عصارته قطرات على الماء الذي تشربه بعد إظمائها يومين أو أكثر، فتقتل ما في بطونها من الديدان، ولا سيما الدودة الشريطية التي نسميها ( داب البطن) فتصح بعدها وتسمن.

وأخبرني رجل من بني قُراد من أهل جبل مُنجد وهروب شرق منطقة جازان: أن عسل الكراث عندهم من أفضل أنواع العسل قاطبة، وأنهم يحنذون سيقانه في أزمنة الجفاف للإبل، وربما أكلته بلا حنذ.

وكذلك أهل جبال فيفا: يعدون عسل الكراث من أطيب العسل الذي تنتجه مناحلهم وأكثره شهرة .

في ديار بالحارث في جبل ذي كشاء، وجبل فُقَيع المجاور: رأيت الكراث على علو 1700م.

وأخبرني دليلي الحارثي: أنه كان ينبت في ذي كشاء المذكور بأعداد كبيرة لكنه تناقص في الأعوام الأخيرة ولم يبق منه إلا أعداد ضئيلة متناثرة .

وذو كشاء: جبل عملاق يقع في ديار بالحارث شمال ديار بجيلة ( بني مالك) ومسائله من ( روافد وادي بُوا فوادي تربة)، ويقطنه المسِيْلات من قبائل (الموسى من بني الحارث بن كعب)، وينطقونه ( كشا) بحذف المضاف والقصر، وهو للمصعد على يسار الطريق بعد مفرق ميْسان بنحو 9كم .

والزُّهْران: بالتعرف وضم الزاي وإسكان الهاء، ( بطن كبير من غامد)، وهم بادية يسكنون السفوح الشرقية والشمالية الشرقية من سراة غامد .

وزهران: تحدهم:

من الغرب: زهران بجيلة ( بني مالك).

ومن الشمال والشمال الغربي: ( بنو الحارث)، وديارهم اليوم قريبة من جبل ذي كشاء، فلعله كان في الزمن القديم من ديارهم، ثم جلوا عنه، يقوي هذا قول الأزدي ( وهو جبل الزُّهران) .

ورواه البكري: بفتح الزاي فقال: ( الزَّهران بفتح أوله وإسكان ثانيه بلدٍ بالسراة، وفيه الجبل المعروف بذي كشاء)[4] .

ولا أعرف بلداً في السراة يسمى الزَّهران بفتح الأول وإسكان الثاني .

وأما زَهْران: بفتح الأول وإسكان الثاني بلا تعريف: فهو (اسم رجل) تنتسب إليه زهران القبيلة المعروفة، وتسمى به ديارهم أيضاً، وليس منها جبل ذي كشاء .

ورأيت الكراث أيضاً في جبال الحجاز: ولا سيما جبال الفقرة وورقان وما حولها، رأيته يغشى مساحات واسعة من سفوحها الصخرية القاحلة الشديدة الانحدار، على ارتفاع 1200- 1400م وينبت هنالك في مجموعات كبيرة، وأكثر منابته مضاحي الشمس، وإلى جواره ينبت في الغالب شجيرة أخرى سامة من الفصيلة نفسها، تُسمى الدِّهن سبق الحديث عنها في موضعه من حرف الدال .

والكَرَاث: هو الاسم الذي يعرف به هذا النوع في جبال الحجاز، وجبال فيفا والقهر والعبادل شرق منطقة جازان، ونواح كثيرة من تهامة قحطان، وكذلك يسمى في ديار بالحارث وبني سعد .

ورأيته بكثافة في السفوح الشمالية الشرقية من جبال فيفا: على ارتفاع 1300- 1600م.

وأهل هذه الجبال: ينطقون الكاف بصوت يأخذ كثيراً من خصائص الشين.

وكذلك يُنطق في جبال الحشر ومنجد والقهر.

وسمعت أهل العميد من محافظ إب: يسمونه ( الإكْرث) وربما نطقوه ( الكَرَاث) بحف الألف.

في جبال الحمية غرب صنعاء: رأيته على 2000م.

وسمعت أهل هذه الجبال: يسمونه ( العَمَق) وهو الاسم نفسه الذي يطلقونه على العمقى كما تقدم في رسمه.

وفي جبال ظفار جنوب عمان: يسمونه ( زَغَر) وهو واسع الانتشار في السفوح العالية الجافة من تلك الجبال

ماشاء الله لاقوة الا بالله
كتاب دقيق ومفصل جزى الله كاتبه وناقله الف خير .. ودمتم

يعطيك الف عافيه على مجهودك


ودمت بود

معلومات قيمه يعطيك العافيه

للملاحظة ................


لقد تم نقل هذا الموضوع الى هذا المنتدى بعد اخذ اذن الدكتور شخصيا فية من مصدرة الخاص ....)