الدكتور/ أحمد سعيد قشاش
قال أبو حنيفة: ( أخبرني أعرابيُّ من أهل السراة وهم أهل تين، قال: التين بالسراة كثير جدا مباح، قال: ونأكله رطباً ونزببه فندخره، وشجر التين الجبلي يقال له: الحماط.
وأخبرني بعض الأعراب: أنه في مثل نبات التين غير أنه أصغر ورقاً، وله تين كثير من كل لون أسود وأملح وأصفر، وهو شديد الحلاوة يحرق الفم، إذا كان رطباً ويعقره، فإذا جفَّ ذهب ذلك عنه، وهو يُدخر، وله إذا جفَّ متانة وعلوكة، والإبل والغنم ترعاه وتأكل تينه).
وقال: (من الشَّجر الحماط، ومن العشب حماط، فأما الحماط من الشجر: فشجر التين الجبلي.
قال أبو زياد: هو شبيه بالتين، خشبه وجناه وريحه، إلا أن جناته هي أشد صفرة وحمرة من التين، ومنابته من الجبال، وقد يستوقد بحطبه، ويُتخذ خشبه لما ينتفع به الناس، يبنون عليه البيوت والخيام، ومن احتاج إلى زنده اتخذ منه زندة، وتأكل منه الماشية ورقهُ رطباً ويابساً، وليس من شجرة أحب إلى الحيَّات من الحماط، ولما وصف أبو زياد من إلف الحيَّات الحماط.
قيل: شيطان الحماطة، فجرى مثلاً.
قال الراجز:
ثُمَّتَ لا أدري لعلي أُرجَمُ بمثل شيطان الحماطِ الأعرمِ
الشيطان: الحيَّة.
والأعرم: الأرقط ، كذلك الشاة العرماء.
وقال آخر:
ثُمَّتَ لا أدري لعلي أقذفُ بمثل شيطان الحماطِ الأعرفِ
والأعرف: الذي له عُرف، وهو أيضاً الأقرن، له من جلده شبيه بالقرن.
وقال حميد بن ثور في تشبيه الزِّمام بالحية: وفي نسب الحية إلى الحماط:
فلمَّا أتته أنشبت في خشاشه زماما كثعبان الحماطة مُحكما
ومن أمثال العرب قولهم: ذئب الخمر، وشيطان الحماطة).
الحماط: هي شجرة التين البري، منابتها بطون الأودية، وشطآنها وشعاف الجبال بين شقوق الصخور، وأطراف الثمائل، وأفواه الآبار، على ارتفاع1300-2300م.
تقوم الحماطة على ساق أغبر، يميل إلى البياض، يرتفع قدر3-10م، وهو بخلاف ما ذكر أبو حنيفة: ضعيف لا يصلح للوقود ولا تُسقف به البيوت، وربما اتخذ منه أعمدة لبيوت الشعر، أوراقها خشنة مفصصة بعمق أو رمحية مفردة، وحوافها مسننة، سطحها أخضر غامق، وخلفها شديد التعريق، تكسوه خضرة فاتحة، وحجمها أصغر من ورق التين المزروع، تنحَت شتاء، وتورق أوائل الربيع، أزهارها صغيرة لا طائلة غير واضحة، وتتكون الزهرة من ثلاثة إلى أربعة تويجات قصيرة، تحتوي على ثلاثة أو خمسة مآبر للقاح، وتظهر الثمار خضراء محمولة على أعناق طويلة، وتنضج في منتصف الصيف، وحينئذ يتحول لونها إلى الأحمر فالأسود، وهذا النوع يسميه أهل السراة ( الحماط السوادي)، وهناك نوع آخر يسمونه ( الحماط البياضي) وهو قليل الانتشار، تبقى ثماره عند النضج خضراء يعلوها صفرة يسيرة، وثمار الحماط أحجام صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وإذا نضجت فإنها تؤكل، ومنها ما هو غاية في الحلاوة، وإذا كسر أحد أغصانها ولا سيما حديث النمو سال منه لبن أبيض غزير، فكان الرعاة يضعون منه قطرات على حليب الغنم فيروب في الحال، وربما استعمل في المنازل لترويب اللبن، ولا سيما إذا كان الجو بارداً، لأن في ترويبه بالطريقة المعتادة إبطاء، وتدهن به الأثاليل فيقتلعها من أصولها، وتُمرخ به الشوكة في القدم فيسكن ألمها ويسهل خروجها، وفي نواح من ديار ثمالة يعالجون جروح حيواناتهم بتجفيف أوراق الحماط ثم دقها وذرها على الموضع المصاب.
ومن أهل السراة دباغون يهرسون أوراق الحماط مع أغصانها الغضة، ثم يضعونها قبل الدباغة على الجلود، أو في أجوافها، ويتركونها بعد دعكها نحو يوم وليلة فيمرطون منها الشعر بأيسر الجهد، ويسمون ذلك الفعل( الحمط)، وكذلك يفعل أهل الجبال من جهينة وحرب ويسمونه( العطن).
روى أبو حنيفة: أن الأفاعي ومنها المقرنة وكذلك أنواع الثعابين تألف الحماط من بين سائر الشجر، حيث تطلب الظل والغذاء، وكثيراً من الحشرات والطيور تقع على الحماط تبتغي ثماره فتكون صيداً سهلاً لتلك الأفاعي.
ومن الحماط فحل له ثمر لا ينضج، يسميه أهل السراة ( السُدَاء والصدَاء) وهي تسمية لأهل السراة قديمة، وربما سموه ( السيَاب)، ويسمى في ثمالة والعيالة وبني سعد إلى بلحارث جنوب الطائف ( الذُكار) ويخرج من ثمره إذا فلقته شيء كغبار الطلح أزرق، كانوا في السراة يقطعونه فيعلقونه بين أغصان الحماط المثمر، في أعشاش خاصة يصنعونها من العرفج ( الجثجاث) فيكون لقاحاً لها بإذن الله، وتوجد شجرة الحماط في أعالي جبال الحجاز بأعداد قليلة في الشعاب وضفاف الأودية، كما كانت شجرة الحماط مأوى يألفه الثعبان الأصفر ( الكوبرا العربية) .
* وفي جبل ورقان: سفح جبلي كبير يُسمى ب(جبل الحماط) سمي بذلك لكثرة ما كان ينبت فيه من تلك الشجرة.
* وفي جبل رضوى: ينبت في الغالب شكعاً متداخل الأغصان، وأوراقه أصغر حجماً وأكثر خشونة من حماط السراة، وخضرتها شديدة تميل إلى السواد، كما أن عوده أصلب وأكثر بياضاً من عوده.
والبلس: اسم للحماط البري في جبال فيفا، وأقاليم أخرى كثيرة من منطقة جازان وعسير، وهي لغة قديمة معززة لأهل اليمن، وسمعت أهل جبل صبر يسمونه الشجرة الكبيرة منه (البلس) والصغيرة (الحماط)، وآخرون يطلقون (البلس) على المزروع، (والحماط) على البري، وبعض اليمنيين يطلقون البلس أيضاً على التين الشوكي، ويميزونه بقولهم ( بلس تركي) لكونه دخيلاً على بلادهم، ويعتقدون أن الترك هم من أدخله إلى اليمن.
* وفي جبال ظفار: حيث ينطقونه في جبال ظفار ( بولس) أو ( إيلوس).
* وفي جبال رضوى: يطلقون عليه (الحماط المثمر).
* وفي سراة خثعم: يسمونه ( الحماط الوحشي) تميزاً له عن الحماط المزروع، فقد روى أبو حنيفة عن أعرابي من أهل السراة أن من أنواع التين عندهم نوعاً يسمونه الوحشي، قال: ( وهو ما تباعدت منابته، فنبت في الجبال وشواحط الأودية، ويكون من كل لون أسود وأحمر وأبيض، وهو أصغر التين، وإذا أكل جنياً أحرق الفم، وهو صادق الحلاوة ويُزبب).
* وفي سراة خثعم: أيضاً يعرف (بالبلس).
* وفي الجبل الأخضر شمال عمان: يسمونه ( السقم) بالميم، وربما ( السقب) بالباء، ويظهر أن السوَقم في قول أبي حنيفة: (السوقم شجر عظام مثل الأثاب سواء، غير أنه أطول من الأثأب وأقل عرضاً، وله ثمر مثل التين، وإذا كان أخضر فإنما هو حجر صلابة، فإذا أدرك أصفر شيئاً قليلاً ولان، وحلا حلاوة شديدة، وهو طيب الريح، وهو أغرب من ثمر الأثأب يتهادى) (والسوقم): لغة يمانية قديمة وفي الضالع ونواحي أخرى من جنوب اليمن يطلقون ( السقم) على الجُمَيز (الإبري) أحد أنواع هذه الفصيلة.
- وفسر أبو الحسن الهنائي وغيره (الحماط بأنه الجُمَيز) والأمر خلاف ذلك، وعذرهم أنهم لم يشاهدوا هاتين الشجرتين في منابتهما الطبيعية، وذلك أن الحماط –وإن كان من جنس الجميز – فإنه يختلف عنه في الحجم والثمر والطعم والمنبت.
ويُعتقد أن الموطن الأصلي للتين المزروع هو جبال السراة من جنوب غرب الجزيرة العربية، إذ ينمو هنالك وينتشر بحالته البرية، ثم انتشرت زراعته إلى سائر أنحاء العالم.
وأما الحماط من العشب فهو اليابس من عشبة الأفاني.
* وفي وادي تنومة: هناك حماط ساقه يظهر متفرعاً على قمة جذع الرقعة، وكأنه أحد فروعها الباسقة.
ومن الأنواع ذات الصلة: شجيرة صغيرة يعزوها علماء النبات إلى الفصيلة التوتية ( التينية ) برغم اختلافها البين عن أنواع تلك الفصيلة: وهي شجيرة أو عشبة صغيرة معمرة منابتها الأغوار الدافئة الرطبة، على ارتفاع 900-1500م تنبت منحشرة بين شقوق الصخور وأكنافها، وتقوم على ساق لحمي مجعد، لونه بني مغبر، يعلوه نتواءت متبقية من أصول الأوراق المتساقطة، ترتفع نحو 10- 20سم، أوراقها بيضاوية مسننة، وأحياناً مفصصة بعمق، تخرج مجتمعة على قمة الساق، أزهارها صفراء مخضرة، ثخينة، نجمية الشكل، ليس لها بتلات بل زوائد طرفية كهيئة قنديل البحر، تفرز هذه النبتة كالحماطة عصارة بيضاء يعالج بها في كثير من جبال السراة الأبدة ( اللشمانيا) وذلك بوضع شيء من تلك العصارة على الموضع المصاب، فيجد المريض من أثرها حرقة شديدة يبرأ بعدها بإذن الله، وهي أمضَ من عصارة الحرملة أو الحريملة وأبلغ أثرا.
* وفي سراة خثعم: تسمى ( البداة) وذلك لشهرتها في علاج الأبدة التي يسمونها أيضاً ( البداة ).
* وفي حزنة من سراة بني عمر: تسمى ( أم لقْف) والقف: جانب البناء من حائط ونحوه، وذلك لأن حوائط الحقول من منابتها .
* وفي تهامة عسير: يسمونها ( عضة العقير)، والعقير عندهم: الحيوان الجريح، وأضيفت إليه، لأنهم يضمدون بها جرحه، فيبرأ على عجل.
* وسمعت أهل جبال العبادل: يسمونها ( فاشق القمع) أي فالق الصخور.
* ويسميها أهل جبال فيفا فيقولون: ( فلع بعر) وربما أخذوه من الرائحة الكريهة التي تنبعث من هذه النبتة عند قطعها، وهؤلاء يأكلونها لدفع الحموضة الزائدة وانتفاخ البطن، وطعمها حار كالفلفل.
* وفي اليمن في جبل صبر يسمونها: ( الُسر) وهي عندهم من الأعشاب المهمة أيضاً في علاج الأبدة.
* وفي جبال ظفار يسمونها: ( كرثب) وهي طعام مفضل عند أهل تلك الجبال، يأكلونها مسلوقة أو مشوية للتخفيف من حرارتها الزائدة.
* وفي جزيرة سقطرى: هناك نوعاً متضخماً جداً من هذه النبتة، ينبت على حافات الجروف الصخرية الشديدة الانحدار، فيصعب الوصول إليه، يقوم على جذع شحمي منتفخ يشبه كثيراً جذع الجرازة ( العدنة) وربما وصل ارتفاعه إلى مترين، وهو نوع غريب نادر ليس له وجود خارج جزيرة سقطرى، وأهل هذه الجزيرة يسمونه ( كرثب) أيضاً.
مواقع النشر (المفضلة)