"الأسهم الحرة" سلاح جديد في معركة التوصيات على الشركات السعودية:
خلافا لمن يرى انعكاساته محصورة بتغيير أوزان الشركات، فقد فتح المؤشر الحر والبيانات الملحقة به بابا واسعا أمام أصحاب التوصيات ينفذون من خلاله إلى المتداولين ليُسدُوا لهم "مشورة" قوامها التركيز على نسبة الأسهم المتاحة للتداول، وما تحمله من دلالات "هروب" أو "تمسك" الأعضاء المؤسسين بحصص الشركة التي أنشؤوها وسهروا على تطويرها، حتى صارت جاهزة للطرح في اكتتاب عام!.
ولأنها جاءت بعد طول احتجاب كرس الضبابية ومنطق الشائعات، فقد كان من البديهي أن تحظى البيانات التي نشرتها "تداول" منتصف شهر مارس/آذار 2008 الحالي باهتمام استثنائي، كونها أعطت فكرة ولو عامة عن نسب التملك المؤثرة التي تفوق 10%، من خلال استعراض نسب الأسهم الحرة إلى المصدرة.
عودة للأعلى
تجريد من الجاذبية
وبرجوع "الأسواق نت" إلى تلك البيانات وجدت أن هناك 30 شركة من أصل 115 يتساوى فيها عدد الأسهم المصدرة مع المتاحة للتداول، وبمعنى آخر فإن نسبة تملك حصة مؤثرة (تعادل 10% أو تزيد) هي صفر%، علما أن الشركات الثلاثين مقتصرة على 3 قطاعات فقط هي الصناعة والزراعة والخدمات، فيما لم تضم القطاعات الباقية أي شركة تشكل نسبة أسهمها الحرة 100% مقارنة بأسهمها المصدرة.
وبالمقابل فإن عدد الشركات التي تجاوزت نسبة أسهمها الحرة 70% هي 20 شركة، تعادل ما يقرب من سُدس الشركات المدرجة، ما يوضح بالمحصلة أن حوالي 45% من شركات السوق السعودي قد تنازلت عن الاحتفاظ بالحصص المؤثرة لصالح بيعها، على اعتبار أن معدل المطروح في الاكتتاب العام لأي شركة لا يتعدى 30% من أسهمها، وسطيا.
المؤشرات الرقمية السابقة علق الدكتور عبد العزيز الغدير عليها، معتبرا أن تفتيت ملكية الشركات بشكل مبالغ فيه قد يجردها من الجاذبية الاستثمارية ويؤثر على أدائها، في ظل غياب حصة فاعلة تفرض التزاما موازيا بإنجاح الشركة أو القلق من فشلها على الأقل.
عودة للأعلى
و مناقلة للتمويه
ووصف الخبير الاقتصادي الاستناد إلى بيانات الأسهم الحرة في بناء القرار الاستثماري بأنه غير مفيد، نظرا لعدة أسباب منها افتقاد هذه البيانات للدقة الكاملة، وعدم عكسها للواقع الآني، لا سيما بعد حوالي 10 أيام من أحجام التداول المنخفضة، إضافة إلى ما يتم الحديث عنه من عمليات متواصلة لتوزيع بعض الملكيات الكبيرة على عدة محافظ.
ودلل الغدير على عدم دقة بيانات "تداول" بالإشارة إلى نسبة الأسهم الحرة لشركة دار الأركان، موضحا أنه تأكد من خطئها شخصيا بالاتصال بإدارة الشركة، التي بينت أنها خاطبت الهيئة بشأن إضافة نسبة 19% إلى 11% المذكورة سابقا، ليصبح مجموع الأسهم الحرة 30%، عطفا على أن النسبة التي تم تجاهلها تعود إلى مساهمين غير مؤسسين، ممن لا تخضع أسهمهم لأي فترة من حظر التداولات عليها.
ومجرد وجود هذا الخلل كاف للقول بأن بيانات الأسهم الحرة لا يمكن التسليم بها تماما، بحسب الغدير الذي ربط هذا المحور بقضية تفريق نسب الملكية الواحدة على أكثر من محفظة، منوها أنه اطلع على القضية من عدة مصادر، أعربت عن اعتقادها بأن التداولات الضخمة والتدوير على بعض الأسهم ما هو في حقيقته إلا إجراء مناقلة بين بعض المحافظ للتمويه على الهيئة فيما يخص نسب الملكية الداخلة في إطار التحييد من حساب المؤشر الجديد.
عودة للأعلى
بين الكشف والإخفاء
وطالب الغدير هيئة السوق بضرورة استئناف نشر نسب التملك، التي انقطعت عنها منذ حوالي عامين بدعوى أثرها السلبي في إطلاق العنان للمضاربات المحمومة، مستدركا: لقد كان هذا المبرر صالحا في وقته نوعا ما، لكن بيانات التملك أصبحت ضرورية الآن لاسيما في ظل ما نشهده من تداولات مريبة على بعض الأسهم، كان آخرها التداول على سهم "اتحاد اتصالات"، الذي اتضح أنه مبني على معلومات عن بيع "اتصالات الإماراتية" 20% من حصتها في "موبايلي"، لقاء 107 مليارات ريال (الدولار يساوي 3.75 ريالات).
واقترح الخبير الاقتصادي أن تشمل بيانات التملك أي نسبة تتجاوز 5%، حتى يكون المتداولون على اطلاع دائم بأي تغيير جوهري، بدل أن يفاجؤوا لاحقا بهبوط ملكية بعض الأفراد أو الجهات من 50% إلى أقل من 10%، كما كشفت عن ذلك بيانات الأسهم الحرة، معتبرا أن تحَمّلَ سلبيات المضاربة الناجمة عن نشر هذه المعلومات أولا بأول يبقى أخف ضررا من إخفائها والسماح لمن يرغب بتغيير نسبة ملكيته "سرا".
من جهته قال مراقب التعاملات فهد المطيري إن بيانات الأسهم الحرة تعطي صورة مضللة بشأن نسب الملكية، لأنها تستثني أي ملكية تقل عن 10% حتى ولو كانت بمقدار واحد بالألف، فالحكم بأن جميع أسهم شركة ما قابلة للتداول لا يعني بالضرورة انعدام ملكيات من هذا النوع، سواء كانت عائدة لعدة أشخاص أو لشخص واحد قرر تقسيمها من باب الاحتيال على نظام المؤشر الجديد.
عودة للأعلى
من أولى بـ"الفرار"؟
وبناء عليه، أكد المطيري أن السوق السعودية ومتداوليها بحاجة ماسة لبيانات أكثر تفصيلا عن نسب الملكية، تكون مستقلة عن حساب الأسهم الحرة الذي لا يهتم بأي حصة مؤثرة لمجرد بقائها تحت الحد المخوِّل باستبعادها (أي 10%).
ولفت المطيري إلى أن غياب مثل هذه البيانات المفصلة والمستقلة، شجع كثيرا من "المتنفعين" للاصطياد في ماء التوصيات العكر، مغيبين عن "ضحاياهم" كل الاحتمالات، لصالح الرقم الذي يُظهر نسبة الأسهم الحرة فقط، وهكذا انقلبت الفائدة المرجوة من نشر بيانات الأسهم إلى استغلال سيِّئ، نتيجة كونها منقوصة وغير متوازنة، على حد تعبيره.
وعبر المتداول منصور العوض عن حيرته إزاء ما يُطرح من تفسيرات متضاربة لنسب الأسهم الحرة، فمرة يسمع بأن بعض الملاك المهمين لجؤوا إلى توزيع أسهمهم على عدة محافظ تتبع أقاربهم، ومرة أخرى يسمع بأن هذا الكلام مجرد إشاعات لتحسين صورة بعض الشركات في عيون المتداولين، الذين يرون أنهم أولى بـ"الفرار" من سهم شركة تخلى عنه مؤسسوها، إذ لو كان في السهم خير ما باعوه، وفق كلامه.
أما عادل الزهراني فقال إنه صُدم ببعض النسب الواردة في تقرير الهيئة عن الأسهم الحرة، والتي بينت له أن كل ما كان يُروج عن ملكية فلان أو علان لم يكن سوى أكاذيب، هدفها إقناع أوسع شريحة من الصغار بالإبقاء على أسهمهم الخاسرة، متمنيا على الهيئة أن تهب لمحاسبة كل من غرر بالمتداولين وتُراجع صفقات بيع المؤسسين الماضية، وأن تتشدد أكثر في ضوابط تغيير الملكية؛ لأن البعض لا يعدم طريقة "للاحتيال على الأنظمة".
عودة للأعلى
تحت مجهر الشك
واتهم المستثمر عايض شعيل بعض مؤسسي الشركات بـ"اللعب على الحبلين"، فمن جهة أولى يتمسكون بعدم طرح أكثر من 30% من شركاتهم للاكتتاب العام، متذرعين بضرورة بقاء نسبة السيطرة في أيديهم لضمان نجاح الشركة، ومن جهة أخرى لا يوفرون أدنى فرصة للتخلص من معظم أسهمهم فور انتهاء فترة الحظر.
وهذه العملية المزدوجة برأي شعيل تؤمن للمؤسسين تحقيق ربح مضاعف، الأول من خلال بيع ثلث أو ربع شركتهم بثمن باهظ عبر الاكتتاب، والثانية من خلال بيع حصصهم الباقية داخل السوق بأسعار مضاعفة بعد مساهمتهم في رفع السهم إلى مستويات خيالية.
وبدوره، اعتبر زيد القاضي أن بيع المؤسسين يبقى حقا من حقوقهم المشروعة ما داموا لم يخرقوا فترة الحظر، لكن الهيئة معنية بالبحث عن أسباب البيع الحقيقية، لا سيما أنه تركز في الشركات المضاربية، حيث يندر أن نجد ملكية مؤثرة في أي واحدة منها، لا بل إن معظم الشركات التي كانت نسبة أسهمها الحرة 100% هي شركات "خشاش" بامتياز، ما يضع القضية برمتها تحت مجهر الشك ابتداء من الموافقة على الاكتتاب ونسبته الضعيفة، وانتهاء بالتخلي عن الحصة الأكبر في ظرف أشهر معدودة، دون وجود مسوغ حقيقي.
ويشكل الخامس من إبريل القادم الموعد المنتظر لتطبيق المؤشر الحر الذي يستبعد من حسابه أي سهم غير متداول، بما يشمل الأسهم المملوكة من الحكومة أو مؤسساتها، وتلك المملوكة لشريك أجنبي ممن يحظر عليه البيع دون موافقة جهة إشرافية، إضافة إلى أسهم الشريك المؤسس خلال فترة الحظر، وكذلك حصة من يملك 10% أو أكثر من أسهم أي شركة مدرجة، وتمثل نسبة الأسهم القابلة للتداول لجميع الشركات المدرجة قرابة 33% فقط من إجمالي أسهمها المصدرة.
مواقع النشر (المفضلة)