لماذا فرض الله علينا وسنّ لنا رسولنا هذا الاحتفال العظيم بالعيدالسعيد؟ شكراً لله للأجر الكريم والثواب العظيم الذي تفضل علينا به في شهر رمضانوقد زاد في تكريمنا وجعل هذا الحفل لتشريفنا وأمر ملائكة السموات أجمعين أن يقفوامتأهبين وأن ينظروا مترقبين إلى جموع المسلمين وهي تستبق إلى ساحة البر والخير بينيدي الله رب العالمين ويقول لهم كما ورد في الحديث الشريف عن الحبيب {يا ملائكتيأنظروا إلى عبادي صاموا من أجلي وقاموا ابتغاء وجهي أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرتلهم} فيسمعنا في هذا الموقف العظيم ويسمع الملائكة أجمعين في مختلف عوالم الملكوتصافين أقدامهم مقبلين عليكم بوجوههم ليشهدوا لنا بالمغفرة من الغفار ويقولالله{يَا مَلاَئِكَتي مَا جِزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا عَمِلَعَمَلَهُ؟فَيَقُولُو نَ:جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ فَيَقُولُ: فَإِني أُشْهِدُكُمْأَني جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْرِضَائي وَمَغْفِرَتي}[1] هذا الشهر الكريم لو علم رجل منا ما حصل فيه من الخيراتوالفضائل والمبرات لسجد على وجهه شاكراً لله إلى أن يأتيه أمر الله شاكراً للنعمالعظيمة التي أولاه بها الله في هذا الشهر الكريم ولذا يقول النبي{لَوْ يَعْلَمُالعِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّهارمضانَ}[2] وقد ورد في هذا المعنى أن رجلين تآخيا في عهد رسول الله وكانا يعملانمعاً ويمشيان معاً ويعينان بعض على طاعة الله فمات أحدهما شهيداً في ميدان القتالومات الآخر بعده بعام جاءه أجله على فراشه ومات موتة طبيعية فرأى سيدنا عبد الرحمنبن عوف الرجلين في الجنة غير أن الذيمات آخراً وموتته طبيعية أعلى منزلة في الجنة من الذي مات شهيداً في سبيل اللهفقام من نومه متعجباً لأنه يعلم كما علمه الحبيب أن أعلى درجة في الجنة هي درجةالشهداء والتي يقول فيها النبي {إِنَّ فِـي الـجنةِ مِائَةَ دَرَجَةٍأعَدَّهَا للـمـجاهدينَ فـي سبـيلهِ ما بـينَ كُلِّ دَرَجَتَـيْنِ كَمَا بـينَالسماءِ والأرضِ}[3] فذهب إلى صلاة الفجر وهو يزيد عجبه من هذا الأمر وبعد انتهاءالصلاة وكان من عادة رسول الله مع أصحابه الكرام إذا انتهوا من صلاة الفجر أن يجلسمعهم لحظات ويسألهم عما حصلوه في نومهم من عجائب ملكوت الله ومن عوالم فضل اللهوكرم الله فقد كانوا تنام أبدانهم وتستيقظ أرواحهم لتذهب إلى ملكوت الله وتأتيبطرائف الحكمة وغرائب العلم وكثير من فضل الله الذي يشهدكم الله إياه في المنامفإذا صلوا الفجر قال لهم {من منكم رأى الليلة رؤيا؟} فيقصون عليه رؤياهم فيؤولهالهم ويفسرها لهم فلما قصّ عليه سيدنا عبد الرحمن بن عوف رؤياه قال { مِنْ أَىِّذَلِكَ تَعْجَبُونَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِاجْتِهَاداً ثُمَّ اسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ هَذَا الآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُفَقَالَ رَسُولُ الله أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً قَالُوا بَلَىقَالَ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فيالسَّنَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ رَسُولُ الله فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّابَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}[4] وكأن الفضائل التي يعطيها الله لنا في شهر رمضانلا يعادلها حتى الجهاد في سبيل الله ولا إراقة الدماء بين الصفوف في القتال للأجرالعظيم والثواب الكريم الذي كتبه لنا المولى العظيم في هذا الشهر فمنا من يكرمهالله ويكتبه في كشوف العتق من النيران وهي كشوف تظهر في اللوح المحفوظ في كل ليلةوفي كلليلة كشف فيه مائة ألفبأسمائهم وأسماء آباءهم ومقابل كل واحد منهم مكتوب بقلم القدرة الربانية (هذا عتيقالله من النار وفي ليلة الجمعة يظهر كشف فيه عدد بعدد ما أعتق الله في سائرالأسبوع وفي الليلة الأخيرة يظهر كشف كبير فيه عدد كعدد من أعتق الله في سائرالشهر كلهم عتقاء الله من النار ومن لم يصبه الدور في هذا العام قد يكون أصابه فيعام سابق أو يكون قد ادخره الله له في عام لاحق المهم أنه لا يخرج مؤمن من الدنياإلا وقد فاز بالعتق من النيران إلا من كان غاضباً عليه الرحمن كيف يسجل اسم الرجلمنا في هذا الكشف وما العمل الذي يستوجب به العتق من النيران؟عمل يسير وأجر كبيريقول فيه البشير النذير {مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً كَانَ لَهِ مَغْفِرَةًلِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ}[5] من فطّر في هذا الشهر صائماًلله كتب اسمه في الحال في كشوف العتق من النيران عند الله قالوا: يا رسولالله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه قال:يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماًعلى تمرة أو على شربة ماء أو على مزقة لبن فالمؤمن الذي لا يفطر صائماً في عمرهكله ولو على شربة ماء هو وحده المحروم من هذا المدد النازل من السماء لعباد اللهالمؤمنين والعقلاء وهذا ما كان يفعله السلف الصالح فقد كانوا يتنافسون في إطعامالطعام وفي صلاة القيام في شهر رمضان رغبة في هذا الأجر الكبير ونحن والحمد لله قدكثرت أقواتنا ودرّت السماء بأرزاقنا وأصبحنا نُغْدق على أنفسنا وأولادنا الكثيروالكثير ولكن الشيطان والنفس تحرمنا من هذا الأجر الكبير فيبخل الرجل منا على نفسهأن يطعم رجلاً لوجه الله تعالى في رمضان ليكون من عتقاء الله من النار فالمؤمنالذي يرجو العتق من النيران يطعم في كلرمضان ولو يوماً واحداً ولو مرة واحدة رجلاً من طعامه مما يسر الله له من الأرزاقولو على تمرات ولو على شربة ماء حتى يكون من الذين يتفضل الله عليهم ويرزقهم العتقمن النيران ومنا يا إخواني من تدركه في هذا الشهر عناية الله فلا تستطيع الملائكةالكرام أن تسجل أقلامهم أعماله الصالحة فتكل أيديهم من الكتابة وتعجز صحفهم عن حملهذه الحسنات ويتساءلون لله قد انتهت الصحف التي بأيدينا وعجزت الأقلام التيبأيدينا عن تسجيل هذا الأجر فيقول الله لهم: اكتبوا عمل عبدي كما هو وضعوه لي وأناأضع أجره{كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَاإِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللّهُ:إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَاأَجْزِي بِهِ}[6] أي أنا الذي أضع أجره وأنا الذي أصنّف ثوابه وأنا الذي أحددنعيمه وأنا الذي أرفع شأنه لأنه صام ابتغاء وجه الله بترك الطعام والشراب من أجلالله ومثل هؤلاء لا يطلع على ثواب أعمالهم ملائكة السموات ولا شياطين الأرض وكلعملهم مدخر لهم عند الله يبرز لهم عن خزائنه خزائن القدرة يوم يلقون الله فيحسدهمالنبيون والمرسلون بل والخلائق أجمعون على العمل الكبير والأجر العظيم الذي خصهمبه الله في هذا الشهر المبارك الميمون ومنا من يكرمه الله في هذا الشهر فيوفقه لأنيفتح كتاب الله ويتلو منه ما تيسر له كما قال الله {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَمِنْهُ}فإذا كان في آخر الشهر خرج له كتاب من الله صدق عليه كتاب الله بأن هذايشفع له كتاب الله يوم يلقى الله قال النبي{الصِّيامُ والقُرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِيومَ القِيامَةِ يقولُ الصِّيامُ: أيْ رَبِّ مَنَعتُه الطَّعَامَ والشَّهْوَةَفَشَفِّعْنِي فِيهِ ويقولُ القرآنُ:مَنَعْتُه النومَ باللَّيلِ فشفِّعْنِي فيهقال:فَيَشْفَعانِ له} [7] أعمال كثيرة وأجور كبيرة حتى أنالكرام الكاتبين يعجزون عن تسجيل حتى الفرائض المعروفة التي يؤديها المسلمين في شهررمضان لأن الفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه والنافلة فيه بفريضة فيما سواه شهررمضان شهر كريم يكتب الله لنا فيه النوم عبادة ويكتب لنا فيه الصمت تسبيح ويكتبلنا فيه الطعام أجر وثواب ويجعل حركاتنا وسكناتنا كلها فيه بأجر كبير عند اللهفنحتفل بهذا التكريم وبهذا التعظيم ويبشر بعضنا بعضاً فيه بفضل الله وقد كانت هذههي الحكمة في قول الله {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} فنكبر اللهلأنه هدانا لأفعال الخير ولعمل البر في شهر رمضان ونصلي العيد لنرجو من الله أنيعيد علينا أعمال الخير وأعمال البر بعد رمضان كما كنا نعملها في رمضان لأن اللهحي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم وخزائن عطائه وفضله مفتوحة بعد رمضان كما كانتمفتوحة في رمضان فلا يغلق منها شئ بعده ولا يمنع الله أجراً بعدها ولا يلغي اللهثواباً بعده للعاملين بطاعته والراغبين في جنته لكن عنده الأجر العظيم والثوابالكريم قال النبي {إن الله يتجلى لعباده فيغفر لهم مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أنتصيبه مما يرى من كثرة مغفرة الله}[8] وقال { إن الله يباهي بعباده ويقول لملائكتهيا ملائكتي انظروا إلى عبادي الصائمين إني فتحت لهم أبواب الجنة وأغلقت أمامهمأبواب الجحيم وأشهدكم يا ملائكتي إني قد غفرت لهم} [1] رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن أبي هريرة[2] رواه أبويعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعودالغفاري[3] رواه ابن حبان في صحيحه والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة[4] عَنْ أَبِىسَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمن عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله، المسند الجامع،وفى رواية أبى هريرة فى مجمع الزوائد: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَوصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ، وكَذا وكَذا رَكْعَةٍ صَلاةُ سَنَةٍ؟}[5] رواهابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وابن حبان في الثواب عن سلمان[6] رواه الدارمي فيسننه وأحمد في مسنده وابن خزيمة في صحيحه وأبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة.[7]رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعبالإيمان عن ابن عمرو[8] رواه الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان عن حذيفة بناليمان.
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضانوعيد الفطر]
مواقع النشر (المفضلة)