السعودي سليمان أبانمي من عامل بناء وتاجر ساعات إلى هامور أسهم وعقار:
يحرص رجلُ الأعمال السعودي الشيخ سليمان أبانمي، على أن يصف نفسه بالسمكة الصغيرة في بحر هوامير الأسهم والعقار، على الرغم من أن الكثيرين يعتبرونه أحد أكبر الهوامير في هذين القطاعين المهمين.
ويعتبر أبانمي أحد أهم الأشخاص الذين عملوا في سوقي الأسهم والعقار، وخلافا للكثيرين كان يركز على الاستثمارات الطويلة، ويبتعد عن المضاربات، وامتلك حصصا كبيرةً في كثيرٍ من الشركات المساهمة والبنوك، وله حضورٌ فاعل اقتصاديّا واجتماعيّا، وله تجربةٌ غريبةٌ ومتميزةٌ؛ حيث اشترى أسهما في إحدى الشركات بأسماء أيتام.
((عندما رأت والدتي إصراري على السفر أخذت تبحث في خزانتها وأخرجت منها ريالين، وهو ما ادخرته لأقسى الظروف الطارئة وأعطتني إياها))
((الشيخ سليمان بن عبد المحسن أبانمي)).
النشأة والعائلة
كما أن أبانمي على عكس الكثير من رجال الأعمال، الذين يتحدثون عن النحت في الصخر، وكيف واجهوا الصعاب وقهروها، ليحققوا ما هم فيه الآن، حيث يرى أنه لم تواجهه صعوبات تُذكر، ويقول: "لم تواجهني صعوبات تذكر، حيث عملي جاء متدرجا، وفي حدود إمكانياتي، ولم أتعرض لمواقف محرجة".
ويقول أبانمي في حديثه لـ"الأسواق نت"، إنه لم يولد لأسرةٍ غنية؛ فقد كان والده في أحوال مادية أقل من المتوسطة، وكانت حياة أهله بسيطة، لافتا إلى أنه بدأ حياته عاملاً للبناء براتبٍ ضئيلٍ لا يتجاوز عدة قروش، وانتقل إلى العمل الحكومي، واستُغنيَ عنه في إحدى الفترات، وتمَّ تكليفه للمساهمة في تأسيس أفواج الحرس الوطني، واستقال بعد 6 شهور دون استلام أي راتبٍ، وانتقل إلى التجارة والأعمال، وكانت تجارةُ الساعات نقطةَ انطلاقه في عالم المال والأعمال، حيث بدأها من بيروت.
ويذكر سليمان بن عبد المحسن أبانمي: وُلدت في بلدة الرويضة إحدى قرى محافظة المجمعة شمال مدينة الرياض، عام 1346هـ حسب رواية الوالدة، حيث لا يوجد سجلٌ في ذلك الوقت، وتربيت في سنواتي الأولى في كنف والدي، وقرأت القرآن كاملاً في بلدة الرويضة في الكُتاب على يد معلمنا محمد بن إبراهيم عجميان.
وأضاف: بعد ذلك نقل والدي زوجته أم إخواني ناصر وعبد العزيز من بلدة الغاط إلى المجمعة، وانتقلت معهم من الرويضة إلى المجمعة، وذلك في عام 1357 أو 1358هجرية، والتحقت بالمدرسة الحكومية في ذلك العام في الصف الثالث الابتدائي في النصف الأول، ولم أتمكَّن من إتمام النصف الثاني للفصل الثالث؛ لأن والدة إخواني تُوفيت، وبعد ذلك مباشرةً رجعت قافلاً إلى الرويضة حيث والدتي وبقية إخواني.
وأضاف أنه مكث في الرويضة فترةً قليلة، وفي صباح أحد الأيام خرج من البيت إلى المجلس الذي يجتمع فيه الجماعةُ في أوقات فراغهم، وكانت نشرة أخبار ذلك الصباح عن سفر عددٍ من شباب القرية إلى الرياض، وجميعهم يكبرونني سنّا، وعند سماعي للخبر رجعت إلى البيت حيث والدتي هناك، مقرِّرا السفر إلى الرياض، وعندما أخبرتها برغبتي حاولت تأجيلَ السفر للعام القادم على الأقل فأصررتُ على تنفيذ رغبتي.
البداية عامل بناء
وقال "إنها عندما رأت إصراري على السفر أخذت تبحث في خزانتها، وأخرجت منها ريالين، وهو ما ادخرته لأقسى الظروف الطارئة، وأعطتني إياها".
ويستطرد قائلاً "ذهبتُ إلى المجمعة على قدمي، وعند وصولي أدركت مدى حاجة والدتي إلى الريالين؛ لأنها تعول أخواني الصغار، وسلمت الريالين إلى أحد الجماعة العائد للقرية من المجمعة ليسلمها للوالدة، قائلاً: هي وأطفالها أحقُّ مني، وسوف ييسر الله أمري، وبعد ذلك ركبت في سيارة لوري إلى الرياض بثلاثة ريالات، وليس معي منها شيء".
وتابع "عند وصولنا للرياض وكان ذلك يوم جمعة، وبِتُ في بيت أحد أقاربي، ورجوته أن يسدد الأجرة لصاحب السيارة، وفي الصباح الباكر ليوم السبت التالي طلبت العملَ مع زوج خالتي، وخرجنا لتوِّنا للعمل بأجرة ثلثي ريال، وعملنا في بناء سور في الشميسي إلى يوم الخميس، وحصلت بذلك على أجرة أربعة ريالات، سلمتها لقريبي، وهو صاحب دكان في ذلك الوقت، ثلاثة منها أجرة السيارة، والرابع أمانة لديه".
وأضاف "بعد ذلك التحقت بأعمال البناء الخاصة بالدولة، أي قصور أولاد الملك عبد العزيز، وبعد فترةٍ قصيرةٍ التحقت بالعمل في مستودع العمران وذلك في عام 1359 هجرية، براتبٍ شهري 9 ريالات تقريبا" (الدولار يعادل 3.75 ريال).
وأوضح أنه بقي في هذا العمل كمساعدٍ لمدير المستودع حوالي خمس سنوات، وصل الراتبُ إلى 90 ريالاً في الشهر، ثم انتقلت للعمل في مكتب محاسبة العمران في مالية الرياض براتبٍ قدره 150 ريالاً، وعملت عام 1364 هـ كله، وفي نهايته انتهى عملنا.
وفي عام 1365 فتحت دكانا لبيع السكر والشاي والقهوة لفترة 6 أشهر، ولم أجد فيه فائدة، عندها عُرض عليَّ وظيفة أمين صندوق بلدية الرياض وذلك في شهر رمضان عام 1365 هجرية، وقبِلت العرض وعملت في البلدية كأمين صندوق لمدة ثلاث سنوات، وبعدها ترقيت، ثم سافرت إلى لبنان للعلاج.
وتابع أنه "بعد فترةٍ من وجودي في لبنان وصلني خطابُ البلدية، مفاده أن رئيس البلدية عيَّن بعدي محمد حسن أخضر، واقترح إعطائي نصف الراتب، والاستغناء عن خدماتي".
وبعد سنةٍ تقريبا عدت إلى الرياض، وفي عام 1365، كُلِّفت من الديوان الملكي بالتعاون مع الأمير عبد الله الفيصل الفرحان- رئيس الحرس- المكلف باستلام أفواج الحرس الوطني من الأخوان عبد العزيز وسليمان الحماد الشبل، وتأسيس الحرس الوطني مع عددٍ من الشباب، وبقيتُ فيه حوالي ستة أشهر، واستقلت منه بدون أن أستلم أي راتبٍ؛ حيث لم يكن للحرس الوطني في ذلك الوقت ميزانيةٌ، وذلك بعد خلافٍ مع رئيس الحرس، بعد ذلك عدت إلى لبنان في عام 1376 هجرية.
الساعات طريق دخول البزنس
وعن الصفقة التي أحدثت تحولاً في حياته التجارية، وأدخلته دنيا البزنس، قال إنها كانت في تجارة الساعات، التي عملت بها من عام 1374 إلى 1383 هجرية، وفيها حصلت على أول مليون ريال.
وقال إن أول صفقةٍ تجاريةٍ كانت صفقة أساور الساعات؛ لأن الربح فيها 100%، وهي التي شجَّعتني على الانخراط في تجارة الساعات.
واسترجع أبانمي بداياته مع التجارة، وقال إنها بدأت في لبنان، عندما كنتُ بجانب والدتي حيث كانت مريضة وتُعالَج هناك، حيث قمت أبحث عما يساعدني على المصاريف، فاتصلت بحسن تميم وكيل ساعات ميدو في لبنان، وطلبت شراء 200 ساعة منه من المنطقة الحرة لإرسالها للرياض، فرفض قائلاً "أبيعك داخل بيروت، ومعني ذلك أنه صرف عليها رسوما جمركيةً بنسبة 30 %، وهذا لا يناسبني".
وبعد ذلك عرَّفني على مندوب شركةٍ ألمانيةٍ تصنِّع أسورة الساعات، وبما أنني لا أعرف التجارة اتصلت بصديقي إبراهيم المحمد اليحيى، وهو صاحب خبرةٍ في هذا المجال، وذهبنا سويّا إلى الألماني في الفندق، واطلعنا على الأساور التي يعرضها، واشترينا منه ألفي حبة بمبلغ 1800 دولار، دفعناها مناصفةً، وتم إرسالها إلى الرياض لمحلهم، وبيعت بضعف القيمة، وهذه بدايتي في مجال التجارة، وبعدها تطوَّر عملي في تجارة الساعات حتى عام 1383 هجرية.
وأضاف أنه في نفس هذا العام دخل مجال الصناعة؛ بإقامة مصنع مراتب السُّست، وفي عام 1385 ألحقنا به مصنعا للأثاث المعدني المكتبي، وكذلك السرر الحديدية، وفي عام 1390 أنشأنا مصنعَ الأسفنج الذي لا يزال قائما في المنطقة الصناعية الأولى.
مستثمر لا مضارب
ويروي أبانمي تجربته مع سوق الأسهم، وقال إنها بدأت من عام 1402 هجرية، واستمرت حتى الآن، وتعرضنا لتقلباتٍ كثيرة فيها الربح والخسارة، وهذه طبيعة التجارة، مكسب وخسارة، أما المضاربات فلا أعرف شيئا عنها؛ لأنني غير مضارب، وإنما أنا مستثمر فقط، ولا أعرف المضاربين.
ورأى أن الأسهم والعقار فرسا رهان، ولكل منهما مخاطره ونجاحه، مشيرا إلى أن مساهماته تتوزع على الأسهم والعقار، وعلى الصناديق الخارجية، عملاً بالقول "لا تضع البيض في سلةٍ واحدةٍ؛ حتى لو وقعت السلة ينكسر بعض البيض ولا ينكسر جميعه"، مشيرا إلى أن الاستثمار في مجالي الأسهم والعقار مناسبٌ بشرط أن لا يتورط المستثمر في ديون تُفقده السيطرة على قراره.
وعن كيفية تعامله مع تقلبات وانهيارات أسواق المال والعقار، أوضح أبانمي أنه تعلب عليها بالصبر وعدم التسرع في البيع إلا في حالة الإحلال من سهمٍ لسهمٍ حسب الرغبة.
وعن نصيحته للجيل الجديد من رجال الأعمال، قال "أنصحهم بالاعتماد على الله ثم أنفسهم، والتعامل بالصدق والأمانة، وعدم التردد"، كما نصح أبانمي رجالَ الأعمال الجدد بالصدق في القول والعمل، والالتزام بالكلمة.
مساهمات الشيخ سليمان أبانمي الاجتماعية والإنسانية كثيرة، ومتنوعة وبعضها يتسم بالغرابة، وخاصةً تبرعه لعشرة آلاف يتيم ويتيمة بأسهم من شركة "ينساب"، مضيفا أنه قام بالاكتتاب في شركة ينساب لهؤلاء الأيتام، بدفع قيمة ما خُصص لهم من الأسهم.
ولأن "الأقربون أولى بالمعروف"، فإن أسرة أبانمي لها نصيبٌ كبير؛ حيث يقول إن هناك تبرعاتٍ سنويةً لأفراد أسرته ممن هم بحاجةٍ للدعم، وكذلك الجيران والمعارف لنا ولهم، كما أننا قررنا لكافة أفراد أسرة آل أبانمي ذكورا وإناثا مساعدةَ زواجٍ تبدأ بـ 100 ألف ريال للدرجة الأولى، و 50 ألفا للدرجة الثانية، و 30 ألفا لعامة الأقارب، وعدد أفراد أسرة آل أبانمي حسب الشجرة التي تمَّ إعداها مؤخرا بلغ حوالي 1700 من الذكور والإناث.
وأشار إلى أن هناك توزيعاتٍ على كافة الفقراء من المواطنين، إلى جانب تبرعاتٍ لأعمال خيرية منها بناء المساجد.
مواقع النشر (المفضلة)