[frame="9 10"]{إذا تقرَّب العبد إليّ شبراً تقرَّبتُ إليه ذِراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقرَّبتُ منه باعاً وإذا أتاني مشياً أتيتُهُ هَرْوَلَةً}{1}
كل ما فى الأمر أن تنوى وتبدأ وتستمر وتداوم ولا تكسل فتفتر فتتوقف وربما أوشك الفضل أن يتنزل إليك ولكن النفس تثبط همتك وتقول لم يأتك شيىٌ ولن يأتك فتعود أدراجك من حيث بدأت ، فالله لا يبادئ الكسالى ولا يبادئ القاعدين لكن يبادئ المتذكرين والحاضرين والمتنبهين والمواصلين ، البادئين بداية جد وإيقان رغبة فى الوصول إلى رضاء الكريم الحنان وإلى كمال معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكمال معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بداية الولاية الخاصة ولا أقول الولاية العامة لماذا؟ لأن المسلمين أجمعين فى مقام الولاية العامة ، فكل مسلم يقول: {لا إله إلا الله محمد رسول الله} له نصيب فى الولاية العامة لكن الولاية الخاصة بدايتها أن يتعرف الإنسان المعرفة الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذهب رجل إلى سيدى أبى الفتح الواسطى فى العراق وقال: يا سيدى: أريد أن أتربَّى على يديك ، فنظر الشيخ إلى الأرض وأطال ، ثم رفع رأسه وقال: أنت لست تلميذى وإنما تلميذ أخى عبد الرحيم القنائى فى قنا فى بلاد مصر - وكانوا صادقين لا يريدون جمع مريدين وإنما يريدون القيام بالكشف الذى سلمه لهم سيد الأولين والآخرين ، وهذا يكفيهم عند الله لأن الله أقامهم فى هذا المقام
فسعى الرجل حتى جاء إلى قنا فى صعيد مصر ، ولما وصل إلى سيدى عبد الرحيم القنائى رضي الله عنه - وكان سيدى عبد الرحيم من أصحاب الأحوال الخاصة إذ كان يقول: {لى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتان كلَّ أسبوع ، يأتينى ليلة الإثنين وليلة الجمعة فأعرض عليه كلَّ ما استشكل علىَّ من الأسئلة فيجيبنى عنها جميعاً صلى الله عليه وسلم} وقد ذكر رضي الله عنه هذه الأسئلة فى كتاب مخطوط - نسأل الله أن يُخرجه للنور قريباً إن شاء الله رب العالمين – فلما وصل إليه مريده قال له:
يا بنى هل عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة الحقيقية؟ قال: لا ، قال: فاذهب إلى بيت المقدس حتى تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة الحقيقية ، فرجع المريد بلا تكاسل ولا تململ وبعزيمة وإصرار إلى بيت المقدس – من قنا إلى القدس ولم يراجع شيخه بكلمة واحدة- ورجع متعرِّضاً لفضل مولاه ، وفى ذات يوم نام هناك تحت الصخرة – والموجودة الآن بأسفل القبة المعروفة بقبة الصخرة{2}
وهى الصخرة التى تعلقت بقدم النبى عندما كان عارجاً إلى السماء فأشار إليها فوقفت بين السماء والأرض لا يسندها شئ حتى بنى تحتها اليهود الأعمدة ليخفوا تلك المعجزة عن الأبصار– قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نوراً وقد أخذ هذا النور يتسع حتى ملأ ما بين السماء والأرض ، فلما أن كان ذلك وبعد هذه الرؤيا رجع إلى شيخه رضي الله عنه فى قنا بصعيد مصر، فقال: يا بنى هل عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة الحقيقية؟ قال: نعم، قال: إذاً نبدأ معاً السير إلى الله
إذاً فبداية السير والسلوك لخاصة الصالحين هى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لماذا؟ لأن الطريق إلى الله طريق باطنى وإن شئت قلت طريق معنوى وإن شئت قلت طريق خفى لا يطلع عليه إلا كل صفى ، إذ إلى أين تمشى؟ فإن الله لا تحيزه جهات ولا تشير إليه عبارات ، ومن أين تمشى؟ وما محطة السفر؟ وما محطة الوصول؟ وما بين ذلك؟ وما العقبات التى تواجهك فى خلال ذلك؟
لا يطلع على ذلك إلا من سلك هذا السبيل ، والذى يقول فيه الله وهو نِعم الدليل: {وَأَنَّ هَـذَا} ، صلى الله عليه وسلم ، {صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} الأنعام153
ولذلك لم يقل فامشوا عليه لو كان معناه الطريق المعروف
وقد قال الله فى هذا الشأن: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف56
ورحمة اسم مؤنث فى اللغة ولكن الله فاجأنا وأدهشنا فقال: {قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} فلم يقل "قريبة" ولكن قريب صلى الله عليه وسلم من المحسنين الذين بلغوا مقام الإحسان ؛ فقريب بالمذكر أى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قريب من المحسنين
ولكى يمشى الإنسان إلى طريق الفتح الإلهى وطريق الغيب النورانى لابد وأن يأتم بالنبى وأن يأخذ النبى صلى الله عليه وسلم بيده ليسلك به فى هذه الغيوب وإلا فإنه سيتعثر من أول خطوة فى الطريق ولن يستطيع أن يصل إلى أى شئ، وإنما سيقف مع حظه وهواه ، فكانت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحققين هى بداية السير والسلوك إلى الفتح الإلهى النورانى من ربِّ العالمين عز وجل
أما أهل الولاية العامة فإنهم ربما لا يستطيعون الوصول إلى هذا المقام ولكنهم إذا أحبوا بإخلاص حضرة النبى فإن الله يوافيهم بالنبى عند خروجهم من الدنيا ودخولهم إلى البرزخ فيشهدونه صلى الله عليه وسلم عند الختام ، فيكون ختامهم مسك ويختم الله لهم بخير ، ويكون النبى صلى الله عليه وسلم هو المعنى بقول الله: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} إبراهيم27
وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل التحقيق فى الطريق يعنى الإنشغال بكمالات حضرته وليس إنشغال العوام عندما يتغنون هياماً بالمصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ولا يستحضرون بقلوبهم أوصافه وجمالاته وكمالاته التى جمله بها الملك العلام ، لكن حقيقة الحب للنبى يجعل الإنسان الصادق منا يستحضر الجمالات التى جمل الله بها النبى ويحاول جاهداً أن يتجمل بها فى نفسه وهذا هو سر بلوغ مقام الولاية العظمى[/frame]
{1} صحيح البخارى عن أنس رضي الله عنه {2} مسجد قبة الصخرة هى التى نشر اليهود صوره المشهورة من الخارج على أنها صور المسجد الأقصى ليلفتوا المسلمين عن المسجد الأقصى وهذا خطأ بدأ الناس فى تداركه مؤخراً فمسجد بيت المقدس أو المسجد الأقصى يقع بجوار مسجد قبة الصخرة والمنطقة كلها تسمى بيت المقدس وبها مئات الآثار
مواقع النشر (المفضلة)