[frame="8 10"]بلوغ مقام الولاية العظمى ليس بالعبادات لأن ذلك مقام العُبَّاد ، والعُبَّاد لهم أجرهم يوم القيامة عند الله ويزيدهم الله أضعافاً مضاعفة فى جنات النعيم لكن بلوغ المراد أن يبلغ الإنسان مقام: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فاطر32
وراثة الكتاب
أو أن يبلغ الإنسان مقام يُعلِّمه فيه ملك الإلهام: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65
أو يبلغ الإنسان مقاماً أعلى لا يصل إليه ملك الإلهام، بل يُعلِّمه الله فوراً: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} البقرة282
أو يصل الإنسان إلى مقام البصيرة النورانية وراثةً للحضرة المحمدية سر قوله: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف108
ولم يقل "أنا ومن آمن بى" لماذا؟ لأن هناك فرق بين من آمن بى وبين من اتبعنى ، فاتبعنى مقام خاصة الخاصة ، وآمن بى هو مقام العامة ، ولذلك يقول الله للخاصة : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} آل عمران31
والمتابعة لابد أن تكون متابعة جامعة ، فإن المتابعة فى المظهر والشكل متابعة ناقصة لأنها فى المظاهر ، لكن المتابعة فى المظهر العام تكون فى العبادات والأخلاق والمعاملات ، والمتابعة الخاصة تكون فى تقلب القلب وفى حركات النفس ، ولذلك يقول قائل من الصالحين عندما سُئل عن سهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة: لِمَ سهى فى الصلاة؟ مع أنه قال فى الحديث: {لست أَنْسَى? ولكن أُنَسَّى? لأَسنَّ}{1}
وإلا كيف كنا نعلم هذه التشريعات العظيمة فى السهو وغيره ، فسُئل الرجل الصالح :كيف سهى رسول الله فى الصلاة ، مع أننا نعلم أنه تنام عينه وقلبه لا ينام عن ذكر مولاه؟ فقال الرجل:
يا سائلى عن رسول الله كيف سها والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شئ سره فسها عما سوى الله فالتنزيه لله
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم قد استغرق فى جلال الله وكوشف بجمال مولاه فأُخذ فى هذا الجمال عن نفسه وعن حسه ليحصل له السهو الذى نراه فى الصلاة ، ليسن لنا ويشرِّع لنا كيفية قضاء السهو إذا سهونا فى الصلاة ، لكن شتان بين هذا وذاك ، لأن هذا سهو نعلمه جميعا ً، أما سهو رسول الله فهو سهو عن الدنيا والمشاغل والأكوان، شغلاً كليَّاً بحضرة الرحمن عز وجل
ولذلك فإن المتابعة الخاصة لخاصة الخاصة هى المتابعة القلبية فى الخوف والرجاء وفى الإقبال على الله وفى الإخبات لله وفى التواضع بين يدى الله وفى الخشوع لجلال الله وكمال الله ، وهذه هى متابعة خاصة الصالحين ، وهى متابعة لا يطلِّع عليها الخلق ولكن يراها وينظر إليها ويمنح بسببها الحق عز وجل ، فإن الحق عز وجل عندما أعلى شأن الصلاة قال فيها: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} المؤمنون
إذاً المتابعة الأعظم لا تكون إلا فى الخشوع والخضوع والحضور بين يدى من يقول للشئ كن فيكون ، وفيها يقول صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتبعها: {أنا أعلمكم بالله وأشدُّكم له خشية}{2}
إذاً المتابعة فى هذا الباب فى الخشية ، أهذا واضح؟ فى الخشية وليست فى العبادات وليست متابعة فى العادات وليست متابعة فى السنن الظاهرات ، ولكنها متابعة فى خشية الله فى الغيب وفى الشهادة، وفيها يقول الإمام أبوالعزائم رضي الله عنه:
ما غاب عنى حبيبى لكنه كلَّفنى
فصرت بعد يقينى بالفضل قد عرَّفنى
أنا بمن فى وجودى من بالصفا أتحفنى
تلك التكاليف رمز لَمَّا بها شرَّفنى
فيتابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظاهره وفى باطنه ، أما متابعته صلى الله عليه وسلم فى سيره نحو ربه عز وجل فإن هذا أمر لا يكفيه بيان ولا يستطيع أن يتحدث عنه لسان ، وإنما يقول فيه أهل العيان: {ذق تعرف} وهذا مقام ذوقى لأن الأسرار لا يطلع عليها إلا من غاب عن سوى الله ، وكان سرُّه باق بمولاه جلَّ فى علاه ، وإجمالاً نقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال سيدى أبو الحسن البكرى رضي الله عنه:
وأنت باب الله أى امرئ أتاه من غيرك لا يدخل
{1} شرح الزرقانى
{2} صحيح البخارى عن عائشة رضى الله عنها
[/frame]
مواقع النشر (المفضلة)