[frame="9 10"]كان النبي صلى الله عليه وسلم مدور الوجه واسع العينان محدودب الأنف ضليع الفم مقوس الحاجبين في غير قرن ، أي غير متصلين ، وكان صلى الله عليه وسلم غزير الشعر سواء شعر الرأس أوشعر اللحية ، وكان صلى الله عليه وسلم مسترسل الشعر ، أي وسط بين النعومة الزائدة والجعودة ، وظل حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يبيض من شعره إلا سبعة عشر شعرة ، وسئُل: يا رسول الله لقد ظهر في شعرك الشيب ، فقال صلى الله عليه وسلم: {شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا}{1}
لأن الله قال له: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} هود112
عندما يقول له الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} ماذا يكون وقعها على الذي كان قلبه يُسمع له وجيب وحنين على بُعد أميال عند صلاته لله؟ وبعض السادة العارفين قال: إن سر شيب رأسه بسبب ذكر البعد: {أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ} هود60 {أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} هود68
فكلما يسمع ويقرأ ذكر البعد يخاف من البعد عن الحَبيب الأعظم عز وجل وهذا هو الذي شيَّبه ، وأخوات هود هي الواقعة والمرسلات والتكوير وغيرها من السور التي تتحدث عن الآخرة وما فيها من أهوال وما فيها من عذاب وما فيها من نعيم من عند الله ، قال في الرواية الأخرى: { شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }{2}
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحلق شعر رأسه إلا في المناسبات كالعمرة والحج أو ماشابه ، وكان عندما يحلق شعر رأسه يحتاط به الصحابة أجمعون ويتزاحمون عليه ويريد كل رجل منهم أن يفوز بخصلة من شعره
سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه في واقعة اليرموك مع الروم كان يلبس على رأسه قلنسوة ، فوقعت في صفوف الأعداء ، فأخذ يقاتل بشدة وشراسة حتى حصل عليها ، فلامه صحبه وقالوا: يا خالد يقول الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة195
فلِمَ تُلقي بنفسك في جموع الأعداء ولا تكاد تسلم منهم؟ فقال: كُنت قد رُزقت بخصلة من ناصية رسول الله – شعر المقدمة – فوضعتها في قلنسوتي ، وأعتقد أن كل نصر رُزقته من الله كان بسبب هذه الخصلة فلما وقعت مني القلنسوة وفيها هذه الخصلة خفت أن يضيع مني سبب النصر بعد ذلك ، انظر إلى هذه العقيدة التي هي أرسخ من الجبال، والتي يُعبر عنها رجل من المعاصرين فيقول:
وإذا الجبال تزحزحت عن أرضها عن حبنا في الله لا نتحول
وحي السماء منزلٌ بقلوبنا وحقائق الآيات عنا تُنقل
قل للحسود اخسأ فإنك جاهل بجنابنا يتوسل المتوسل
وإذا تجلى بالجمال حبيبنا للأوليا فلنا الطراز الأول
ويوجد بعض شعرات لحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه ، وفي أماكن أخرى كثيرة من العالم كتركيا والهند وأفغانستان ، وانظر كم عمر هذه الشعرات؟ هل يوجد شعر يعيش كل هذه المدة؟
وكان صلى الله عليه وسلم يُحب أن يوافق أهل الكتاب في أول دعوته ، وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم ، فسدل مثلهم لكنه رجع في آخر حياته فكان يفرق شعر رأسه ، ففرق الشعر سُنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أراد ذلك
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن مقدم اللحية وما انحدر منها على الصدر ، وكان صلى الله عليه وسلم غزير شعر اللحية وكان يعفى لحيته ويأخذ من شاربه ، وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته الشريفة من عرضها وطولها ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر تسريح لحيته
وكان صلى الله عليه وسلم لا يفارقه سواكه ومشطه وكان ينظر في المرآة إذا سرح لحيته ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اهتم أكثر من مسِّ لحيته ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا اغتم أخذ لحيته بيده ينظر إليها ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته بالماء ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته
وكان صلى الله عليه وسلم يتنور{3} في كل شهر ويقلم أظفاره في كل خمسة عشر يوما ، وكان صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يروح إلى الصلاة ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن الشعر والأظفار وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر والظفر والدم والحيضة والسن والعلقة والمشيمة
وكان لا يترك في حضر ولا سفر عدة أشياء ، المرآة والمشط والمكحلة والسواك وزيت للشعر ، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: {خَمْسٌ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُنَّ فِي حَضَرٍ وَلا سَفَرٍ: الْمِرْآةُ وَالْمِكْحَلَةُ وَالْمُشْطُ وَالْمِدْرَى وَالسِّوَاكُ}{4}
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ}{5}
وكان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلى لقاء قوم جاءوا لزيارته إلا بعد أن ينظر في المرآة ، ويقول عندها: {اللَّهُمَّ كما حَسَنْتَ خَلْقِي، فَحَسِنْ خُلُقِي}{6}
وفي رواية أخرى يقول إذا نظر فى المرآة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّى خَلْقِي فَعَدَّلَهُ وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَهَا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}{7}
وأخبرت عائشة رضي الله عنها أنه: {كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم وفي الدار ركوة فيها ماء فجعل ينظر في الماء ويسوّي شعره ولحيته فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا ، قال: إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليهيىء من نفسه فإن الله يُحِبُّ الجمال}{8}
ولما كثرت الوفود جاءوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بُحلَّة كانت صُنعت لسيف بن ذي يزن الملك الذي طرد الحبشة من بلاد اليمن ، والحلة في لغة العرب تتكون من قطعتين - أى بلغة عصرنا بنطلون وجاكت - أو قطعة واحدة ولها بطانة تلبس ، فاشتراها النبي صلى الله عليه وسلم بسبع وعشرين جملاً ليقابل فيها الوفود ، وتعددت الروايات حتى أن إحدى الروايات ذكرت أنه اشتراها بإثنين وأربعين جملاً
حتى نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مثالاً للجمال والكمال ومحاسن الخلال وجمال الصفات الظاهرة والباطنة مع الخلق ومع الحق[/frame]
{1} الأحاديث المختارة عن عبد الله بن العباس {2} سنن الترمذي والحاكم عن عبد الله بن العباس {3} يتنور أى يستخدة النورة لإزالة الشعر المسنون إزالته عن الجسم {4} معجم الطبراني وشعب الإيمان للبيهقي {5} صحيح مسلم ومسند أحمد عن عبد الله بن مسعود {6} مسند أحمد والدعوات للبيهقي {7} معجم الطبراني والجامع لأخلاق الاروي عن أنس {8} مكحول عن عائشة أدب الإملاء والإستملاء
مواقع النشر (المفضلة)