الجريسي ملياردير سعودي عمل بالتجارة مصادفة وأصبح من رموزها حاليا:
لم يحلم عبد الرحمن بن على الجريسي رئيس الغرفة التجارية والصناعية في الرياض حاليا، بأنه سيصبح في يوم من الأيام من رجال الأعمال السعوديين البارزين والفاعلين، وخاصة أنه ذاق مرارة اليتم منذ نعومة أظافره، بعد أن رحل والده وهو لم يكمل عامه الثاني.
وقال الجريسي في حديث خاص مع "الأسواق.نت" "إنه دخل التجارة عن طريق الصدفة ولم تكن خيارا، ويرى أن التقديرات عن ثروته مبالغ فيها"، مشيرا إلى أنه يعمل 14 ساعة يوميا.
من موظف واحد إلى 5 آلاف
واعترف بأنه كان يحلم بتحقيق شيء من النجاحات، "ولكنني لم أتصور أن يكون النجاح بهذا الحجم"، مشيرا إلى أنه حصل على عدد من الأوسمة والتقديرات، ويعتز منها بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى.
وعزا الجريسي ما حققه من نجاحات إلى الصدق في التعامل والحفاظ على الالتزامات وبذل الكثير من الجهد في سبيل إعطاء صورة حسنة في أعمالنا التجارية، وهو الذي يساعد على بناء جسور الثقة بيننا وبين الناس.
ويملك الجريسي عددا من المؤسسات بنسبة 100% تنطوي تحت مظلة مجموعة الجريسي، وهي كل من مؤسسة الجريسي لخدمات الكومبيوتر والاتصالات، و"أثير" أحد مزودي خدمة الإنترنت، والجريسي للتقنية، والجريسي للتنمية، فيما تعود له ملكية 4 مصانع، أولها الجريسي للأثاث، ومصنع ستيلكيس للأثاث، ومصنع ثالث لصناعة البطاقات الذكية، ورابع لصناعة ورق الكومبيوتر، وتنصب كل استثماراته بكاملها في السعودية.
وأضاف الجريسي "بدايتي كانت بسيطة حيث كان يعمل معي شخص واحد فقط أما الآن فيعمل في الشركات التي أملكها 5 آلاف موظف وعامل، منهم 4 آلاف موظف يعملون في مجال التقنية، منهم المهندسون والمبرمجون والإداريون في مجال تقنيات الكومبيوتر، وهو المجال الذي برعنا فيه على مستوى الشرق الأوسط".
وأضاف "كنت أول من جلب جهاز كومبيوتر للبيع في السوق السعودية، وكان ذلك في بداية السبعينات الميلادية عندما انتشرت أنباء استخدامات الكومبيوتر في دنيا الأعمال".
عاش الجريسي حياة يصفها بالصعبة وخاصة أنه نشأ في قرية "رغدة" تبعد عن مدينة الرياض نحو 130 كلم، وخاض غمار تجارب قاسية بعدما رحل والده ليواجه تجارب الحياة بنفسه.
النشأة والرحيل
ويتذكر الجريسي حياته في القرية، ووصفها بأنها كانت بسيطة جدا، وأن كان كل ما نراه حاليا حولنا لم يكن له وجود، بل لا نعرف حتى أنه سيكون هناك في المستقبل شيء من ذلك أكثر مما كنا نراه في القرية، كنا نعتمد فيها على التمر والقمح فقط؛ حيث يعتبر من لديه قمح أو تمر من الأثرياء في ذلك الوقت وفي سعة من العيش.
ويقول "إنه قرر الرحيل مع جدته التي احتضنته بعد وفاة والده من (رغبة) إلى الرياض للبحث عن الرزق والعمل بعد أن بلغ من العمر 7 سنوات لتبدأ مرحلة جديدة في حياته مليئة بالمواقف والتجارب".
ويصف الجريسي الرياض التي قدم إليها قبل نحو 60 عاما بأنها كانت في بداياتها أيضا ولا تختلف عن القرية إلا في أنها مقر الملك المؤسس وعاصمة المملكة، وهذا ما جعل سكان القرى ينتقلون إلى الرياض ويحلمون بالعيش فيها، لم يكن فيها مدارس ولا مستشفيات ولا كهرباء ولا طرق مسفلتة، ولا ماء ولا أسمنت.
وأضاف إن حياة الرياض مثلها مثل القرية إلا أنها تتميز عن القرية بوفرة الشيء الرئيسي وهو الأكل (التمر والقمح) ودرست في أحد الكتاتيب عند المرحوم عبد الله بن سليمان، وعلى يديه بدأت دراسة القرآن حتى بلغت سن العاشرة، ثم فتحت أول مدرسة نظامية في نجد وهي المدرسة الأهلية التذكارية التي فتحت بمناسبة وصول الملك عبد العزيز من رحلته إلى مصر؛ حيث كان أهالي الرياض قد أعدوا احتفالا بهذه المناسبة وجمعوا مبلغا لذلك.
أقيمت المدرسة في البطحاء والتحقت بها حتى وصلت للمرحلة الخامسة ابتدائي عندها بدأ التغيير في مجرى حياتي، بعد أن كانت هناك عدة تغيرات مؤثرة في بداية حياتي ابتداء بوفاة والدي، ثم انتقالنا للرياض وإصرار جدتي على بقائي في كنفها بعد وفاة والدي وزواج والدتي والتحاقي بالمدرسة التذكارية.
بداية العمل
ويعتبر الجريسي أن التغير الجوهري في حياته حدث عندما جاء عمه محمد الجريسي الذي كان يقيم معه في الرياض، وعرض عليه العمل مع ابن نصار في دكانه ووافقت وتركت الدراسة وعملت معه لمدة 3 سنوات.
وعن طبيعة عمله قال "إن المواد التي تباع في المحل في ذلك الوقت محدودة جدا حسب الظروف المتوفرة وهي عبارة عن أوان منزلية، وحقيقة أعتبر الشيخ عبد العزيز بن نصار أستاذي الذي تعلمت منه الشيء الكثير".
وتابع قائلا "في ذلك الوقت لم يكن هنالك تصور واضح للعمل، كان الشخص يفتح دكانا ويدير أي شيء يرى أنه قادر على عمله، وكانت التجارة سابقا عبارة عن مواد غذائية أو ملابس وأقمشة بسيطة أو أواني منزلية وأشياء بسيطة جدا أو مواد زراعية وهذه كل الأشياء التي كانت في يوم من الأيام تباع".
وقال "إنه خلال السنوات الثلاث التي عمل فيها مع الشيخ عبد العزيز بن نصار "لم أسأله كم سيعطيني، ولم أستلم أي مبلغ نظير عملي، وحقيقة لم أكن في تلك الفترة بحاجة للمال لأنني أسكن في بيت مجاور لبيت ابن نصار وآكل مما يأكل وبعد تلك الفترة تركت العمل عندها صرف لي ما يعادل 20 ريالا في الشهر عن فترة عملي"، (الدولار = 3.75 ريالات).
وتابع "أخذت ما صرفه لي وبدأت عملا آخر مع قريب لي، وفتحنا دكانا وبدأنا العمل وخلالها عرض علي الشيخ ابن نصار العمل معه من جديد وبعد مشاورات مع شريكي في العمل عدت للعمل مع ابن نصار بـ60 ريالا (الدولا = 3.75 ريالات)، في الشهر بدلا من 20 ريالا وعملت معه من جديد 8 سنوات ليكون إجمالي فترة عملي معه 11 سنة".
يصف الجريسي بداية حياته التجارية، بأنها كانت مليئة بالتحديات والصعوبات، ويقول
"بعد أن أمضيت أحد عشر سنة في العمل قمت بالبدء بأول مشاريعي التجارية من خلال تأسيس بيت الرياض، وتوالت بعد ذلك المشاريع التجارية وبعد تلك السنين الطويلة أعتقد بأني قد حققت من الطموحات والنجاحات ما يفوق وبكثير مما كنت أحلم به في بداية حياتي التجارية".
وعن أسباب اختياره التجارة، قال "إن اختياري المجال التجاري جاء عن طريق المصادفة في بداية الأمر ولم أكن بدأت بالفعل أعتمد على دراسة السوق والتخطيط المدروس لكافة الفرص الاستثمارية قبل الدخول فيها، فطبيعة الأعمال التجارية التي أقوم بها ترتكز على التقنية وتخضع لكثير من متغيرات السوق التي تتطلب منا الدراسة الدائمة والمتأنية لتلك المتغيرات.
وقد بدأت أعمالي التجارية التي تدرجت فيها من تقنية المكاتب ثم انتقلنا إلى تقنية الأثاث والأدوات المكتبية، ثم إلى تقنية الحاسوب ثم إلى تقنية المعلومات والبرامج ثم إلى تقنية الإنترنت وهكذا، فلو لم يكن هناك تخطيط ودراسة متكاملة لكافة المشروعات الاستثمارية التي ندخل فيها لفقدنا المنافسة ولتعدانا الزمن.
حكاية بيت الرياض
ويقول الجريسي "إنه بعدها تركت العمل مع ابن نصار بالاتفاق معه، بعد أن تعلمت منه الكثير، وفكرت أن أبدأ العمل من خلال بيت الرياض ولم يكن الاسم في ذلك الوقت حاضرا لكنها فكرة أن أفتح دكانا وأشتغل، وخلال تلك الفترة تقدم أحد رجال الأعمال الذي لديه خبرة في التجارة وكنت أعرفه، وعرض علي الشراكة فوافقت وأسسنا (بيت الرياض)".
وأضاف "عملنا ثلاث سنوات تقريبا كانت الشركة في أول سنتين تخسر وكان لدينا خيارين إما إغلاق الشركة أو الاستمرار، ورأينا أن نستمر أملا في تحويل هذه الخسارة إلى ربح وعملنا بعدها 9 سنوات كنا وقتها نتعامل مع الخارج في أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها".
وقال "إنه بعد تلك الشراكة حصل بعض الخلاف بيننا واشتريت حصة شريكي بثلاثة أضعاف قيمتها الفعلية، وأصبح بعدها "بيت الرياض" ملكا لي 100%".
وعن مبادئ العمل التي انطلق منها الجريسي لتحقيق أهدافه بعد تلك الفترة وحاليا، قال إنه من بداية عملي مع الشيخ عبد العزيز بن نصار وكذلك في بداية عملي الخاص كنت أنطلق من ثلاثة عناصر مهمة جدا وهي الأمانة في التعامل مع الصدق والإخلاص، والأمر الثاني هو العمل الجاد؛ حيث يجب أن يأخذ الإنسان العمل بجد ولا يأخذه على أساس أنه من الممكن أن يعمل اليوم ولا يعمل غدا أو يحضر إلى العمل اليوم وغدا ثم بعد ذلك الاستمرار في العمل بمعنى ألا يستعجل الإنسان في الأمور بل لا بد أن يعمل ويجتهد ويصبر ويستمر في هذا العمل".
وعن نصيحته للشباب المقبل على العمل التجاري، قال "نصيحتي للشاب المقبل على العمل أن ينخرط في العمل وأن يكون أميناَ وصادقا ومخلصا ويجد ويجتهد ولا يستعجل الأمور، وعلى كل شاب في مقتبل العمر وفي بداية رحلة البحث عن عمل إكمال تعليمه، إذا كان قادرا أن يستمر في ذلك من الابتدائي إلى المتوسط والثانوي ثم الجامعة".
كما أنصح كل شاب بالانخراط في العمل بالقطاع الخاص في إحدى المؤسسات أو الشركات حتى يُكون الخبرة والسمعة الطيبة ويكسب قناعة من يريد أن يعمل عنده.
وعن أعماله الخيرية قال عبد الرحمن الجريسي "إن للبلد حقا علينا وشعب المملكة له حق علينا وكل شخص ناجح في أي موقع من المواقع عليه أن يقدم ما لديه، فإذا كان رجل أعمال عليه أن يقدم دعما ماليا سواء للجمعيات الخيرية أم للجان الخدمية التي تخدم المرضى أو المعاقين والأيتام وتخدم ذوي الدخل المحدود وغيرهم".
ولذلك علينا واجب عرفانا بما لوطننا من حق، وأن نقدم مثل تلك المساهمات الخيرية سواء في الزكاة الواجبة وليس للإنسان فضل في تقديمها ولكنها واجب ديني، إضافة إلى تقديم الصدقات والمعونات والدعم لهذه المؤسسات التي أشرت إليها، وكذلك يجب على رجال الأعمال إذا جاء نداء من الجهات المسؤولة في الحكومة أن هنالك مشروع خدمي أو وطني أو إنساني، يتوجب علينا أن نقدم ما يمكن تقديمه كل حسب طاقته وقدرته.
واعتبر الجريسي أن أغلى وسام حصل عليه في حياته هو وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، الذي حصل عليه عام 1420 هجرية، كما أنه تم منحي شهادتي دكتوراه من أمريكا وشهادة بروفيسور من جامعة أمريكية وعدة شهادات أخرى عالمية في مجال التعاون بين الدول في الخدمات الإنسانية، وكانت آخر شهادتين منحت لي هي جائزة ابن سينا من الأمم المتحدة، وكذلك عضوية الأكاديمية الروسية التي منحت لي من روسيا كأعلى درجة بعد الدكتوراه والبروفيسور.
مواقع النشر (المفضلة)