[align=center]/ فخامة الرئيس:
من فم المأساة، أكتب مأساتي...
فأنا طفل بين الصخور والركام ترقد حكاياتي..
أسمع أزيز الطائرات..
وأشم رائحة البارود والرصاص..
والأرض تتحرك فوق كلماتي..
فأسأل أمي عن دمعة أراها تحرق وجنتيها: لماذا البكاء يا أمي؟ هل سيصيبنا مكروه؟ فلا تجيب، فتلوذ بوجهها عني وتمسح دمعها بطرف ردائها، فألح بالسؤال، فتردّ بصوت ممزق كتمزق أرض العراق: يا صغيري، قد قُدّر لنا في الأزل أن نكون كبش فداء للأقوياء بدون خطيئة.
وأسأل أمي عما أرى في الأفق من أسراب الطائرات، وإلى أين هي ذاهبة.
فتقول: هي ليست ذاهبة، هي قادمة إلينا..
وهل نحن بحاجة إلى هذه الطائرات يا أمي؟
يا صغيري هي ليست لنا بل ستمزق جسدك النحيل الصغير..
ولماذا يا أمي؟ هل اعتديت على أحد؟ هل سرقت لعبة أحد؟ فأنا لا أعرف اللعب، ولم أر اللعب يومًا..
يا بني هكذا هم الضعفاء.. هم دائمًا كبش الفداء..
فأطرقت بصري وسرحت بذهني أرمق الجبال البعيدة الممتلئة بالصخور الصمّاء، وأتسمّع رجع صدى صوتي فلا أسمع إلا صوت الريح التي تنقل لأذني أزيز الطائرات وضحكات الجنود، وهم يحلمون بوجبة شهية من البيتزا الأمريكية تحت نخيل دجلة والفرات.
فخامة الرئيس، أستنطق السؤال المتحجر في فؤادي: هؤلاء الجنود الذين حملتهم الطائرات هذه المسافات وهم يبتسمون ويضحكون: هل لهم أطفال؟ كيف يفكرون فيهم؟ ما هو شعور أحدهم لو شاهد على شاشة التلفاز طفلَهُ الوحيد المدلل، وجسمه قد يتمزق بطلقة خاطئة من جندي آخر؟ هل لديه استعداد أن يطلق النار على طفل يلعب بالحجارة عوضًا عن الدمى البلاستيكية؟ ما ذنب طفولتي إذًا وأنا الذي لم أجنِ شيئًا؟ هل يحتاج جسدي إلى هذه الطائرات والدبابات؟ والناس الذين يحاصرون بيتي من كل اتجاه، وأسمع أصوات العالم وهي تتنادى لقتلي، هل وجودي فقط من دون أطفال الأرض خطيئة؟
أسير في طرقات العالم أبحث عن ابتسامة.. أبحث عن حضن دافئ.. أبحث عن حلوى.. أبحث عن مأوى.. لا أحد يجيب.. فأعود لأجد حضن أمي قد مزّقته الطائرات الجارحة.
فخامة الرئيس: هل لي أن أتجرّأ بسؤالكم: ما ذنب طفولتي تُسرق مني وأنا الذي لم أجن ذنبًا؟
طفولة أصدقائي، ما هو الذنب الذي اقترفت، وبأي ذنب قُتلت؟
أشجار ونخيل بلادي تُحرق لماذا؟ زهور دياري تدوسها الدبابات لماذا؟
سيادة الرئيس، كانوا يحدثوننا في بلادكم عن أنهار الحرية.. وساحات العدل، وأنا أستمع إلى حديثك وأنت تهدّدنا بالصواريخ التي ستعبر القارات، تحمل في رؤوسها العدل والسلام والبيتزا الأمريكية لتنعم الشعوب بالرفاه، ولكن على الطريقة الأمريكية.. إذ تحمل هذه الطائرات الموت والدمار واللهب والنار.
سيادة الرئيس، هل الإسلام في نظركم خطيئة؟ فأين حرية الأديان التي تزعمون؟ غضبتم يوم اعتدي عليكم.. وهذا من حقكم.. وتعتدون علينا وتريدون منا أن نبتسم..
فأين العدل الذي تزعمون؟
فخامة الرئيس، سيتشرد أهلي وتُقتل طفولتي، فهل تتوقع يا سيادة الرئيس أن نمنحكم أنهار الحب؟ وهل من السهولة أن يُمنح الحب لمن يقتل الأطفال الأبرياء وهم يرقدون على صدور أمهاتهم يستجدونها قطرة من حليب قد نضب وجف من الجوع والخوف، وشبح الموت يتربص في كل زاوية من أيامها الرمادية، وهم لا يعرفون لماذا يُقتلون؟
سيادة الرئيس، قصفتم ديارَنا.. ومزقت صواريخُكم أحلامَنا وثيابَنا.. وتناثرت أشلاؤنا مع لعبنا القماشية، فهل أرويتم غضبكم.. وشفيتم حقدكم؟ أسمع أنين الأطفال وجراحهم تسيل دمًا.. وأسمع دقات قلوبهم وهي ترسم على وجه الحياة، مأساة شعب ذنبه في الحياة أنه مسلم وضعيف، فأصرخ وأصرخ فلا أسمع إلا رجع الصدى مع الريح التي تعبث بنخيلنا، وهي تقاوم من أجل البقاء.. أنادي أطفال العالم لعلهم يسمعون.. لعلهم من أجلنا يبكون..
فخامة الرئيس، سأكبر يومًا وستكبر معي مأساتي.. وستبقى صورها في ذاكرتي وحياتي.. صورة صديقي يوم تمزّق جسده برصاص أمريكي.. وصورة أمي وهي تنـزف دمًا وأنا أصرخ بجوارها.. صورتها يوم ودعتني وهي تفارق الحياة، وعيناها توصيني:
لا تنسَ الجهاد في سبيل الله.. صورة المآذن وطائراتكم تدكّها.. صور قطع الحلوى التي تناثرت.. ولم نذق طعمها أبدًا.. ألعابنا الخشبية من قصفكم تكسّرت، هل أنسى صورتها؟
فخامة الرئيس، ما أصعب الخوف!! وما أقسى الكره الذي قد يتحول مع الزمن إلى جليد من اللهب يحرق الزهور والرياحين وكل الشجيرات والمؤتمرات المفروشة للحب والسلام!! فهل تتوقع مني أن أمنح الجندي الأمريكي حبًا، وأضع في يده زهرة أو وردة، وأنا أراها مخضبة بألوان الدم من أجساد العصافير والأطفال؟
فخامة الرئيس، هل تتوقع أن أحبكم يومًا ما؟ هل تتوقع أن ننسى مأساتنا يومًا ما؟ ما ظنك بطفل شبّ ونما في أحضان المأساة وسط الرصاص ونام فوق الرماد.. كيف سيصحو..؟[/align]
مواقع النشر (المفضلة)