O o【 تــربــع على عــرش الــرضـــا 】o O
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
تجاوزت التسعين عام من عمرها .. لا تستطيع الإهتمام بشؤونها الخاصة لضعف قوتها و كبر عمرها.. تعيش في منزلها مع خادمتها وإبنها المتخلف عقلياً.. رفضت طلب أبنائها في العيش معهم كي يقوموا بدورهم إتجاه والدتهم بشرط ترك إبنها وحيداً كونه يضرهم و يحرجهم بسبب تخلفه العقلي الذي لا ذنب له .. فكانت النتيجة الرفض التام و أصرت أن تضحي نفسها و صحتها لأجله وهي في أمسّ الحاجة الى الرعاية و الولاية .. !
بعد أن بلغ من الكبر عتياً يعترف بأسى عميق عن ضعف بِره في والدته المرحومه بسبب زوجته الغيوره التي تهدده بترك البيت والأطفال إذا إعتنى بوالدته..!
ما زال يتذكر الماضي المرير وما زال تأنيب الضمير يرافق سنينه الطوال وما زال الألم يُعصر قلبه برغم مجريات الحياة الكثيرة وما زال يحتسب على زوجته..!
و هذا طاعن بالسن يتذكر ساعة ويفقد ساعات مما جعل أبنائه يضيقون ذرعاً منه فتركوه وحيداً كسيراً في حجرته مع خادمه الذي يقوم بعنايته الشخصية..!
ضحى بشبابه وسعادته وصحته من أجل أبنائه الذين لا يرعون أي إحترام وتقدير له..يُكيلون له بالشتائم والإحراج أمام الجميع..فأنهالت عليه أمراضاً عديدة..!
طالما عاندت والدتها شبه يومياً بأتفه الأشياء بسبب غرابة عقلها البعيد كل البُعد عن العقل و الإتزان و المنطق و الحكمة .. فكانت دائماً و أبداً تشير أصابع الإتهام إلى والدتها و إن كانت بريئة و بعيدة عن الموضوع .. فكما جرت العادة بأن الجزاء من جنس العمل و كما تدين تدان .. فرزقها الذي لا تغفل عينه قط بإبنتها التي تطابقها نسخة تماماً ... !!
تلك القصص الحقيقية و المؤسفة التي رأيتها بأمّ عيني ليست غريبة عنكم .. فهي تشابه الكثير من مآسي عقوق الوالدين التي نراها و نسمعها و نقرأها دائماً و التي لا نكسب منها غير عَكّر المزاج و الإحباط لهذا الوضع المزري في أمتنا العربية و الإسلامية .. !!
أعوذُ بالله من أمثال هذه القلوب التي ترعرت بوسط إسلامي يحثُ على وجوب طاعة الوالدين .. هؤلاء الذين تكيفوا وفق حنان و إهتمام الوالدين في سنوات مديدة من مراحل الطفولة والشباب .. وما أن يشتد عودهم حتى ينقلبوا الى مخلوقات أخرى .. أصبح الكفران والنكران والحقارة والدناءة تسري بدمائهم .. فأصبحت قلوبهم خاوية من المشاعر .. و عقولهم عارية من المباديء .. و ضمائرهم سارية بِلا مدارك ..
يا رعاك الرحمن أنت لا تعلم متى تفارق الحياة .. و هل ستفارقها قبل أو بعد والديك .. فلماذا التسويف و التأخير في طاعتهم و برهم و الإستحسان بهم .. ! ؟ ألم تطمح بطاعتهم باب الجنة المتاحة لك الآن .. ؟ أم إنك واثق مجرى الدم في جسدك بدخولك الجنة و خلوك من الحساب بعد البعث تارة أخرى .. !؟
تذكر فقط اليوم عائشون و غداً تحت التراب .. غداً تحت التراب .. تحت التراب .. !!!
ألم تعلم هذا الحديث الشريف ..؟
عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة،وإن واحداً فواحد،ومن أصبح عاصياً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار،وإن كان واحداً فواحد؛قال رجل:وإن ظلماه؟ قال:وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه".
إذن سارع قبل فوات الآوان .. سارع قبل موعد الفراق .. سارع قبل عض أصابع الندم ..
هل تريد السعادة و النجاة في حياتك العلمية و العملية ..؟ هل تطمح و تطمع في نيل و حصد أفضل المناصب و المراكز .. ؟ هل فكرت و خططت و رسمت لنفسك الصاعدة الواعدة و الحالمة .. ؟ فلتدرك إذن .. أن كل ذلك لن يتحقق الإ برضا رب العرش العظيم الذي صاحب رضاه برضا الوالدين الكرام ..
لذلك بادّر برضاهم الآن و لا تجعل وساس الشيطان يقف واصداً و حائلاً لهذا الطريق متهلهلاً لضعفك و فشلك و حزنك .. إنسى جميع ما حدث فهمها حصّل فهما والديك أحن و أرحم و أعطف الناس عليك .. لا تلتمس و تحتج بأي أعذار وهمية أو حتى منطقية .. لا تسد الطريق من أجل أسباب هدّامه كـ الكبرياء أو الخجل أو رضا الزوجة أو مال أو حقوق أو ....... ألخ . بل واصِل و حاول إثنان و عشره و ألف .. فوالله لا تطيب لك الدنيا و أغلى ما فيها غير راضيان عنك .. ناهيك عن ملك الملوك الذي بيده النجاح و الضياع .. بيده الحياة و الموت .. بيده الجنه و النار ..غير راضي عنك و أنت أيها العبد الفقير الضعيف المسكين لا حول و لا قوة لك الإ بمشيئته و إرادته و رحمته فقط سبحانه جلت قدرته ... !!!
ألم تقرأ هذا الدليل العظيم ..؟
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد "
هل تأملت الآن في مدى أهمية وعظيم رضاهم؟أشرع الآن لهذا الطريق الجليل الذي يتحكم بمصير حياتك بالدارين وإغتنم وقتك فالساعات تركض والمنية ترقب
ألم تطمح بِرُ أبنائك ..؟ أما سمعت قصص عن العاقين الغافلين .. أما تفكرت بأن عقوبتك قادمة لا محاله .. !
أما سمعت بقول العلماء: " كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا "
و من مات والديه فالإكثارلهما بالدعاء فهذا أحوج ما يحتاجونه و التصدق و الإستغفار لهما بعد وفاتهما و وصل أقاربهما وأصدقائهما والإحسان إليهم ..
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ".
و الآن أيها القاريء هل تزعجهما بـ غيرتك ومقارنتك لأخيك أو أختك ..؟ هل تشتاط غضباً لأتفه الأمور وتقدّم العتاب واللوم لهما في حال أي ظرفٍ كان..؟ هل تتضجر بسبب ظروف المنزل السيئة التي يحملونهما على كاهلهما بدلاً من أن تقدم راحتهما و معاونتهما مادياً أو معنوياً..؟ هل ترهقهما بـ عِنادك وطلباتك التي لا تكف ولا تخف..؟ هل تناقشهما بفظاظة و رداءة وتحادثهما بلا شوق ولا ذوق ..؟هل تضيق ذرعاً لأوامرهما وتستجيبها بـ نبّرة حادّة ونظرة ثاقبة..؟ هل تصرخ و تزمجر في أنحاء المنزل بدون أي تقدير و تبجيل لوجودهما .. ؟
إذا كان جوابك بالإثبات و الإيجاب فلماذا لا تكوّن لك بصمة طيبة تعكس قلبك التقي و عقلك النقي لـرضا خالقك و والديك .. لماذا لا تفكر قليلاً بأنه أنت الخاسر الأول و الوحيد في عقوقهما المنهي عنه .. لماذا لا تتمعن قليلاً و ترى بأنه بـ ذنب واحد فقط سـ تقلب حياتك رأساً على عقب دنيا و آخره ..
أحبتي في الله..كم نفتقر الى التذكير بسبب الضمور و الفتور في عقولنا و نفسياتنا و سلوكنا و قدراتنا..أيضاً المبالغة و المثالية في إمتثالنا للترف و السرف.. تلك المُلهيات و الإغراءات التي جعلتنا نمتهن و نقتصر في واجبنا الأساسي مع والدينا الكرام .. لأجل ذلك سنتهاتف هنا بهدايانا لهم أحياءً كانوا أم أموات ..
و لا أعتقد أنه يجب حضور مناسبة معينة كأعياد و ما شابه لكي نهديهم ما يفرح قلوبهم و يبهج يومهم
البعض يفضل أن تكون هديته مادّية و البعض الآخر يفضل أن تكون هديته معنويه كـ بُشرى و البعض يفضل قبلة الرأس و اليد و القدم و جميل الكلام
و البعض الآخر يكتفي بـ حسن طاعتهم و الإنصياع لهم
و الآن .. ماذا تفضل دائماً هداياك لوالديك ..؟ و ما هي آخر هديه أسعدتهم بها ..؟ و إن كانوا أموات هل سعيت لصداقاتهم و الدعاء لهم كما ربياك صغيرا ..؟ هل شرعت بصدقات و أدعية قليلة و أكتفيت بدورك الى هذا الحد أم إنك مستبسل للخير و البِر و الأجر .. ؟
لفت نظري تعامل قريبتي مع والديها..فكما أرى أن والدايها يعشقان العطور والجوالات..فجلّ هداياها لهما الجوالات بالإضافة الى العطور والمسك ودهن العود..
بالإضافة الى الترحيب و التهليل لهما و كأنها لم ترهما منذُ أسابيع عديدة .. مع بعض الطرائف الخفيفة التي تعجبهما كما أعجبتني .. !
جميل لمن يريد الإستدلال بأي موقف يخص بِرهُ لوالديه .. ربّ سطور تنفع بها قلبٍ تجرد عن والديه .. قلبٍ تفرغ لأنانيته و رغباته .. قلبٍ غفل عن الواجبات و الأساسيات .. قلبٍ قسيَ عن المكنونات القلبية الغريزية .. قلبٍ لاهي عن وظيفته و دوره مع والديه .. قلبٍ نسى و عصى و طغى .. !
دعونا نرفع أكف الضراعة للواجد الماجد الواحد المانع القابض الباسط .. رب الكون و مليكه سبحانه جل شأنه لا اله الإ هو
أن يجعلنا الفائزين برضاهم لا الخاسرين .. أن يجعلنا الصالحين لطاعتهم لا الفاسدين .. أن يجعلنا من أهل الجنان لا النيران
سبحانك يا حيّ يا قيوم يا أرحم الراحمين يا جابر المنكسرين و غافر المذنبين لا تردني من الخائبين أستغفرك و أتوب إليك
بقلم .. د/ نــوره
مواقع النشر (المفضلة)