د. أمين ساعاتي
يأتي قطاع العقار في المرتبة الثانية بعد قطاع البترول في الأهمية بالنسبة للاقتصاد الوطني السعودي، ورغم أن قطاع البترول حقق تقدما مذهلا إلا أن قطاع العقار ـ على صعيد العائد على المواطن ـ لم يحقق تقدما يستحق الذكر، وهنا نتساءل:
إذا كان الإنسان السعودي لم يستطع أن يمتلك عقاراً قبل خمسة وثلاثين عاماً حينما كانت الأسعار في المتناول، فهل يستطيع أن يمتلك عقاراً بعد أن دخل أصغر عقار في خانة الملايين؟ السؤال مهم ومشروع ولكن الإجابة عنه ربما تأتي من الهيئة العامة للإسكان التي حلت أخيراً محل وكالة الوزارة لشؤون الإسكان التي كانت أحد ضلعي وزارة الأشغال العامة والإسكان السابقة.
بداية كنا نرجو من مجلس الشورى ألا يتعجل في إصدار أنظمة العقار، وبالذات نظام الرهن العقاري، لأن الأنظمة بصيغتها التي قرأنا مقتطفات منها في الصحف لا تعالج معضلة الإسكان ولا توفر للأسـرة السعودية فرصة تملك العقار، وأخشى ما أخشاه أن تكون كارثة الرهن العقاري التي ألحقت خسائر فادحة بالاقتصاد الأمريكي وغيره من اقتصادات العالم .. هي العقدة التي أثرت سلبا في أعضاء اللجنة المالية في مجلس الشورى فخرجت الأنظمة مشوّهة بتشوّهات هذه الكارثة، ناسين مستلهمات نظام التكافل الإسلامي والسياسة العامة للدولة التي تهدف إلى تمكين كل مواطن من بناء سكن خاص له.
إن الأسـرة السعودية فوجئت بعد 35 عاماً من تنفيذ أول خطة للإســكان أنها تعيش دون ســكن، وهنا يطرح السـؤال المهم نفسه: هل نصدر أنظمة للعقار لأننا نريد أن نصدر أنظمة للعقار أسـوة بكل دول العالم التي لديها أنظمة لتنظيم العقار، أم أن الهدف من وجود الأنظمة هو معالجة معضلة مخجلة، وهي أن أكثر من 70 في المائة من السعوديين لا يملكون سكناً يأوون إليه ويسـكـنون جداره وحيطانه.
والمسؤولية الرسمية تقع اليوم على هيئة الإســكان التي يجب أن تبدأ أول مشاريعها تحت شعار (بيت تمليك لكل مواطن سعودي).
أولاً دعونا نعود القهقرى ونتسـاءل: ماذا فعلت الجهات الحكومية التي يهمها وضع الإسكان، ومنها وزارة الأشغال العامة والإسـكان؟ هل لدى تلك الجهات إحصائيات دقيقة عن عدد الوحدات السـكنية التي قدمتها للســكان؟ وهل هناك بيانات توضح من يملك عقاراً ومن لا يملك، وهل وضعت هذه الجهات وحتى الوزارة - حينما كانت على قيد الحياة - خططاً للتوسـع في تمليك السعوديين عقاراً؟ وهل كانت لديها إحصائيات دقيقة تقول إن أكثر من 70 في المائة من السعوديين لن يملكوا عقاراً في عام 2008؟ ثم هل وضعت آنذاك خطة استراتيجية للإسكان، أم أنها اكتفت ببناء ما تم بناؤه من عمارات وأبراج في بعض المدن الرئيسة.
أسئلة كثيرة نطرحها حتى تبادر هيئة الإسـكان المسؤولة عن تنظيم وتوفير سكن للسعوديين بوضع برامجها وخططها الاستراتيجية التي يجب أن تتفاعل مع كل هذه الأسئلة الملحة.
إن أزمة السـكن التي يعانيها الإنسان السعودي في الوقت الراهن ليسـت وليدة اليوم، وإنما تعود بأسبابها إلى عام 1980، وهو العام الذي بدأت فيه ما كان يعرف باسـم الطفرة الأولى حينما اضطلعت جهات الإسـكان بتنفيذ أول مشاريع للإسكان، ولقد أتاحت الطفرة للسعوديين يومذاك فرصة بناء وامتلاك العقار، وكان المفروض أن تقوم جهات الإسكان آنذاك بوضع خطة استراتيجية للإسكان هدفها تمكين الشريحة الأكبر من المجتمع السعودي من تملك سـكنهم، أمَا وإننا نفاجأ ونحن في عام 2008 بأن أغلبية الشعب السعودي لا يملكون عقاراً، فإن الملامة تقع - في الدرجة الأولى - على تلك الجهات ومنها وزارة الأشغال العامة والإسكان التي لم تقرأ المستقبل جيداً ولم تضع خطة استراتيجية تقي السعوديين مغبة الوقوع في أزمة حادة للسكن.
ولأننا لا نريد أن يصدر نظام لا يعالج هذه المشكلة المخجلة، فإننا كنا نرجو من أعضاء مجلس الشورى المحترمين أن يدركوا بأن المواطن السعودي يعيش في ظروف صعبة، حيث إن أسعار الأراضي وأسعار مواد البناء في عام 2008 ارتفعت إلى الحد الذي تُعجز المواطن من بناء ســكنه، ولذلك لابد للنظام أن تصدر الأنظمة وفيها مواد تعالج - بصورة واقعية - كل العقبات الموجودة على أرض الواقع، بمعنى أن الأنظمة لن تكون عاملا مساعداً لحل أزمة السكن بمفهومها السعودي إذا لم تتوافر فيه مسوغات تذليل كل المشكلات التي تحول بين المواطن وبين تمليكه سـكناً كريما يأوي إليه مع أولاده وجميع أفراد أسـرته.
وهنا نعيد صياغة السؤال الذي بدأنا به هذا المقال: إذا لم يسـتطع السعوديون شراء عقار لهم في عام 1980 حينما كانت الأمور ميسورة والأسعار معقولة، فهل يستطيعون أن يبنوا أو يشتروا عقاراً في ظل أسـعار تتجاوز قدرات الطبقة الوسطى وليس فقط قدرات الطبقة الدنيا!!
الحقيقة إن متوسط دخل العائل السعودي يقع - في أحسن الأحوال - بين خمسة آلاف ريال وسبعة آلاف ريال، هذا المستوى من الدخل لا يتيح للإنسان السعودي فرصة شراء أرض وتسديد أقساط القرض الذي قد يصل إلى نحو مليون ريال، يضاف إلى ذلك الشباب حديثو التخرج الذين لا يملكون من متاع الدنيا شيئا. كما يضاف إلى ذلك أن شريحة كبيرة من المواطنين ممن فوجئوا بأنهم لا يملكون عقاراً.. هم من الذين بلغوا الستين خريفاً وأحيلوا إلى التقاعد، وبدل أن نكرمهم يفاجأون بأننا نتركهم دون مسكن، الأكثر غبناً من ذلك أن البنوك (للأسف جميع البنوك الوطنية ) تتفق على الحرمان من منح القروض ضد كل مواطن بلغ سن الستين، وكأن سن الستين ليس سن التكريم والامتنان..
لكل هذه الأسباب وغيرها من الأسباب التي يضيق بذكرها المقام .. نحن نخشى أن يصدر نظام الرهن العقاري (وغيره من الأنظمة العقارية) دون أن يعالج جوهر المشكلة، بل نخشى أن يصدر النظام ليوفر لمن يملك العقار عقاراً آخر، ويحرم من لا يملك عقاراً من تملك العقار، وعندئذ سنقع - في المستقبل - في أزمة أسوأ من الأزمة التي نعانيها الآن.
وما نرجوه أن تكون الفئة التي لا تمتلك عقاراً هي الفئة التي تقع في مرمى النظام، وأن تكون هي الشريحة المستهدفة، ونؤكد أن ما نشرته بعض الصحف عن نظام الرهن العقاري وبقية الأنظمة العقارية تساعد على حرمان من ليس لديه سكن من الحصول على سكن، وهذا اتجاه يخالف تماماً سياسة الدولة التي تحارب الفقر وتسعى بكل قوة إلى تسكين فقراء الشعب.
نزعم بأن الأنظمة الأربعة التي قرأنا في الصحف مقتطفات من أهم موادها لن تعالج أزمة سببها وجود أنظمة لم تساعد السعوديين على تملك العقار وإذا أصدرنا أنظمة جديدة لا تعالج جوهر المشكلة، فإن التاريخ سيلوم مجلس الشورى لأنه الذي أجاز نظاماً لا يستحق الإجازة، وأصدر نظاماً لا يستطيع أن يعالج مشكلة سببت حرجاً للحكومة وللمجتمع السعودي بكل فئاته.
وإذا مرّت الفرصة في هذه المرة دون أن نمكن الإنسان السعودي من تملك عقاره في وطنه، فإن الثلاثين سنة المقبلة تجعل أكثر السعوديين لا يملكون عقاراً، وعندئذ ينحى السعوديون باللائمة على مجلس الشورى، وعلى الهيئة العامة للإسكان كما ينحى الآن باللائمة على تلك الجهات المسؤولة عن الإسكان التي لم يكن لديها من الخبرة والخبراء، ما يمكنها من اغتنام الفرصة التي أتيحت لها قبل نيف وثلاثين عاما لتمليك السعوديين عقاراً لهم ولأولادهم وأولاد أولادهم.
* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.
مواقع النشر (المفضلة)