الرياض - نضال حمادية
أمام ما يُوصف باستمرار ارتفاع أثمان المواد الخام؛ ألمحت مخابز بالعاصمة السعودية إلى أن إيقاف إنتاجها من الخبز قد يكون الخيار الأقرب للتطبيق ما لم يجر تعديل الأسعار، بما يضمن بقاء هامش معقول للربح، خصوصا وأنها لا تملك تغيير وزن الرغيف أو مواصفاته الأخرى.
وفيما نفى مسؤولون في تلك المخابز لـ"الأسواق نت" حصول أي زيادة في أسعار الدقيق المدعوم حكوميا، فإنهم اشتكوا بالمقابل من تقلص الكميات الموردة وتأخر تسليمها أحيانا، خلافا لما صرحت به "الغلال السعودية" قبل أيام من أن حصص المخابز لم تنخفض.
فجوة وتقنين
فبعدما كان شبح التوقف مخيما بسبب أزمة توريد الدقيق التي شملت مناطق مختلفة من المملكة قبل أسابيع، أصبح تقلص هامش الربح التهديد الأبرز لاستمرار إنتاج الرغيف، بنفس الكمية والجودة، حسب مرئيات عدد من مسؤولي المخابز الكبرى في الرياض.
بدأنا جولتنا من مخابز "يامال الشام الأوتوماتيكية" حيث أوضح مديرها خالد صدّيق أنه لا توجد لديهم أزمة دقيق بالمعنى الحرفي للكلمة، إلا أنهم يعانون من عدم تلبية الطلبات كاملة، فلو طلبوا 100 كيس فإنهم لا يحصلون سوى على 50، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن السعر الرسمي للدقيق لم يشهد أي ارتفاع، بعكس سعره لدى التجار والذي قفز إلى قرابة 55 ريالا للكيس زنة 45 كجم (الدولار يعادل 3.75 ريالات).
وقال صدّيق "جميع الخامات الداخلة في صناعة الخبز والمعجنات والحلويات شهدت ارتفاعات متلاحقة، وهي مرشحة على ما يبدو للمزيد، وهذا ما دفعنا إلى تقنين الكميات، كما في الزيت والحليب والسكر إلى الحد الأدنى تقريبا، مؤكدا أن ذلك لا يغير في المواصفات ولا الجودة شيئا على اعتبار أن لكل مادة حدا أدنى وأعلى، وبينهما فجوة يمكن التحرك فيها بحرية".
التعويض بالحلويات
وكشف مدير المخابز التي تعتمد في 85% من دخلها على إنتاج الرغيف بأن التكاليف زادت بما يقارب 15% وأن أي زيادة أخرى مماثلة ستجعل بيع الرغيف عملية غير رابحة، رغم أنهم أفضل حالا من غيرهم لتعاملهم الكبير مع المطاعم التي لا وجود للرجيع لديها، بخلاف البقالات والأسواق.
وإزاء هذا السيناريو لم يستبعد صدّيق أن يكون التوقف عن إنتاج الرغيف واحدا من الخيارات المطروحة بقوة، مذكرا بخيار إضافي يمثله توجه أصحاب المخابز إلى وزارة التجارة للنظر في سعر الخبز.
وأضاف " نحن الآن نقوم بتحميل زيادة تكاليف الخبز على الحلويات التي لا تخضع لنظام تسعير صارم، كما هو الحال بالنسبة للخبز بنوعيه المفرود والصامولي، ونحاول التركيز على أنواع مختلفة من الشابورة (الكعك) لتعويض نقص الأرباح، وهذا أفضل حاليا من التفكير برفع ثمن الخبز الذي تعتمد عليه جميع الموائد، ولكن هذه الإجراءات قد لا تكون مجدية إلا إلى حين، وخصوصا إذا ما حصل تغير ملموس في سعر الدقيق أو غيره من الخامات".
من ناحيته، كان جواب مدير المبيعات في "مخابز المملكة" مفاجئا نوعا ما حينما بيّن لموقعنا أن المخابز لم تكن بصدد إيقاف إنتاج الخبز فقط، بل كان هناك تفكير جدي في تصفية جميع أعمالها داخل البلاد والانتقال إلى بلد خليجي آخر، رغم خبرة المخابز ومسيرتها التي تمتد لحوالي ربع قرن.
متضررون والمستهلك معذور
وحاول فيصل عبد الله المعيذر أن يرسم بالكلمات ما سماه المعاناة المزدوجة مع غلاء أسعار المواد الأولية من جهة، وقلة اليد العاملة المؤهلة من جهة أخرى، لا سيما في ظل التضييق على الاستقدام، متابعا "الوضع حرج من جوانب مختلفة؛ إذ لا نستطيع رفع سعر الخبز رغم أن هامش ربحنا الحالي فيه يكاد يساوي صفرا، ولا نريد أن نضحي بسمعتنا وجودة منتجنا الذي يعتمد على مواد مستوردة بعناية، كما لا يمكننا المجازفة برفع أسعار المنتجات الأخرى بشكل كبير كنوع من التعويض، رغم أن هناك من رفع أسعار الحلويات 30% دفعة واحدة.
وشدد المعيذر على أن مخابزهم متضررة من ارتفاع الأسعار عموما، والذي قابله زيادة إجبارية في رواتب العمال والموظفين، حمّلت المنتج النهائي ما لا يحتمل من نفقات، معترفا بأنه يعد دراسة خاصة بموضوع الخبز وأسعاره تمهيدا لاجتماع يضمه مع عدد من أصحاب المخابز الأخرى، من أجل "إيجاد حل لهذه المشكلة".
واعتبر أن المستهلك معذور في وصفه لأي تاجر يرفع ثمن سلعته بأنه "جشع"، لأنه -أي المستهلك- غير مطلع تماما على حجم ما طال السلع من غلاء، لافتا إلى أنهم لا يفكرون في إيقاف إنتاج الخبز حاليا، لأنه السلعة الأساسية التي يرتاد من أجلها آلاف الزبائن مخابزهم وعن طريقها يتسوقون بقية المنتجات، كما أنه ما زال في الحلويات متسع للتعويض النسبي بحكم تحرر أسعارها، أما إن قرروا التحكم التام بها فعندئذ يكون قرار التصفية قد وجب. حسب تعبيره.
على شفا الخسارة
مسؤول مخبز آخر فضل عدم الإفصاح عن اسمه واسم مخبزه قال "إن هناك تأخرا في تسليم طلبات الدقيق يومين وأحيانا ثلاثة أيام، ما جعله يلجأ للسوق من أجل شراء الطحين بسعر يعادل ضعف سعره الرسمي، متسائلا ماذا أفعل إذا لم يكن أمامي سوى هذا الحل أو إقفال مخبزي تماما"، ومشتكيا من تآكل الأرباح إلى حد بعيد.
أما محمد عبد العزيز الذي يدير مخابز التخصصي فأفاد أن توريد الدقيق لا يتم بنفس الزخم الذي كان معتادا، وعليه فإنهم يستهلكون كل ما يأتيهم من كميات، دون أن يبقى لديهم مخزون.
ورأى عبد العزيز أن مشكلة الرغيف لم تعد مرتبطة بالدقيق فقط، فهناك بقية المستلزمات من خميرة وملح وزيت، وهذا الأخير وحده قفزت صفيحته من 39 إلى 88 ريالا، الأمر الذي زاد تكاليف الإنتاج بمقدار 30% خلال 5 شهور فقط.
وأضاف "لو زادت أسعار المواد الخام أكثر فسنكون على شفا الخسارة، وقد نواجه إيقاف الإنتاج تماما، فرب العمل فتح مشروعه هذا من أجل الكسب، إلا أن الوضع الحالي يشهد توترا في مسألة الأرباح يزيده عدم القدرة على تغيير وزن الخبز أو مواصفاته أو حتى سعره تعقيدا".
مقدمات لـ"الأسوأ"
وفي الشارع السعودي كان للمواطنين والمقيمين على حد سواء آراء متقاربة، صبت كلها في خانة توقع "الأسوأ" بالنسبة للخبز، إما عبر رفع سعره أو تقليل وزنه وحجمه والهبوط بجودته.
وقال معجب الوايلي إن كل ما نسمعه ونقرؤه في هذا الشأن مقدمات لرفع سعر الخبز عاجلا غير آجل، متهما الجهات المعنية بأنها أعطت عبر أزمة الدقيق فرصة للمخابز لافتعال أزمات تتيح لهم فيما بعد المطالبة بزيادة سعر الرغيف.
وأبدى فواز العطوي تأقلمه المسبق مع المسألة، معلقا "الجميع ينتظرون ارتفاع أسعار الخبز بين ليلة وضحاها، وذلك منذ شهور عديدة، وبالنسبة لي لا أستبعد أن أستيقظ غدا صباحا فأجد أن الرغيفين صارا بريال، هكذا دون سابق إنذار".
ومن المعروف أن معظم أسواق المملكة ومخابزها تبيع الخبز المفرود بسعر ثابت يعادل ريالا واحدا (حوالي ربع دولار أمريكي) مقابل كل 4 أرغفة من الحجم المتوسط، في حين تعمد بعض المخابز إلى تكبير الرغيف لكن على حساب بيع 3 حبات منه بريال، ويباع الصامولي بنفس السعر لقاء كيس يحوي 8 حبات على الأغلب.
وتمنى المقيم المصري رشوان خليفة ألا يطال الغلاء رغيف "العيش"، لأن ذلك يعني مزيدا من المصاريف المرهقة لأصحاب العائلات الكبيرة، بعد فترة جيدة من استقرار ثمن الخبز، مستدركا "سأستغرب إذا لم يلحق الخبز بغيره، فكل ما حولنا أصابه الغلاء".
مواقع النشر (المفضلة)