ذكر بعض الفوائد والمواعظ الميقظة للقلوب الغافلة
1- اعلم أيها الإنسان أن النفس الأمارة بالسوء عدوة لك مع إبليس لعنه الله، وإنما يتقوى عليك الشيطان بهوى النفس وشهواتها، فهي سلاحه الذي يصيد به وهل أوقع إبليس في كبره ومعصيته إلا نفسه، قال الله جل وعلا وتقدس: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.
فلا تغرنك نفسك بالأماني والغرور؛ لأن من طبع النفس الأمن والغفلة والراحة والفترة والكسل والعجز فدعواها باطل وكل شيء منها غرور، وإن رضيت عنها واتبعت أمرها هلكت، وإن غفلت عن محاسبتها غرقت، وإن عجزت عن مخالفتها واتبعت هواها قادتك إلى النار.
وهي رأس البلايا، ومعدن الفضيحة، وهي خزانة إبليس، ومأوى كل شر لا يعرفها إلا خالقها نعوذ بالله من شرها.
2- ينبغي للإنسان العاقل أن يبادر بالتوبة من الذنوب الماضية والحاضرة من رياء أو كبر أو عقوق أو قطيعة رحم أو كذب أو غيبة أو نميمة أو نحو ذلك من الذنوب.
ويتفكر فيما يقربه إلى الله وينجو به في الدار الآخرة ويقصر الأمل ويكثر من ذكر الله تعالى، ويجتنب المناهي كلها ويصبر نفسه ويسأل الله الثبات بالقول الثابت حتى الممات.
3- قيل إن يعقوب عليه السلام قال لملك الموت: إني أسألك حاجة قال: وما هي ؟ قال: أن تعلمني إذا دنى أجلي وأردت أن تقبض روحي، فقال: نعم أرسل إليك رسولين أو ثلاثة.
فلما انقضى أجله أتى إليه ملك الموت فقال: أزائر جئت أم لقبض روحي، فقال: لقبض روحك. فقال: أولست كنت أخبرتني أنك ترسل إلي رسولين أو ثلاثة قال: قد فعلت:
1- بياض شعرك بعد سواده.
2- ضعف بدنك بعد قوته.
3- وانحناء جسمك بعد استقامته.
هذه رسلي يا يعقوب إلى بني آدم قبل الموت.
أشرف الأوقات التي يعمرها الإنسان ما تقضى بطاعة الله، ومن أراد حفظ أوقاته فليجعل كلامه ذكرا وصمته تفكرًا ونظره عبرة وعمله برًا.
إذا رأيت من قلبك قسوة فأكثر من تلاوة كتاب الله بتدبر وتفكر وجالس الذاكر لله واصحب الزاهدين وعليك بالسنة وسيرة النبي وسيرة أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
4- ذكر عن شقيق البلخي أنه قال: الناس يقولون ثلاثة أقوال، وقد خالفوها في أعمالهم، يقولون: نحن عبيد الله، وهم يعملون عمل الأحرار، وهذا خلاف قولهم، ويقولون: إن الله كفيل بأرزاقنا، ولا تطمئن قلوبهم إلا بالدنيا وجمع حطامها، وهذا خلاف قولهم، ويقولون: لا بد لنا من الموت، وهم يعملون أعمال من لا يموت وهذا خلاف قولهم.
5- وقال عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا: وفي معنى ذلك قيل:
وقال علي : من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربًا أولهما: من عرف الله فأطاعه.
وعرف الشيطان فعصاه.
وعرف الحق فاتبعه.
وعرف الباطل فاتقاه.
وعرف الدنيا فرفضها.
وعرف الآخرة فطلبها.
7- وقال ابن مسعود: ما أصبح أحد إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة وفي ذلك قيل:
ولا بُدَّ يَوْمًا أنْ تُرَدَّ الوَدائعُ
وما المالُ والأهلونَ إلاَّ وَدِيْعَةٌّ
8- وقال بعضهم: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا فليصبر على معاشرة الكلاب، وفي ذلك يقول الشافعي:
عليها كِلابٌّ هَمُهُنَّ اجْتِذَابُهَا
وما هِيَ إلاَّ جِيْفَةٌّ مُسْتَحِيلةٌّ
9- وقال لقمان لابنه: يا بني إنك استدبرت الدنيا من يوم نزلتها واستقبلت الآخرة فأنت إلى دار تقرب منها أقرب من دار تباعدت عنها.
10- وقال الفضيل بن عياض: الدخول في الدنيا هين ولكن الخروج منها هو الشديد.
11- وقال آخر: عجبًا لمن عرف أن الموت حق كيف يفرح، وعجبًا لمن عرف النار وأنها حق كيف يضحك، وعجبًا لمن رأى تقلب الدنيا بأهلها كيف يطمئن إليها، وعجبًا لمن يعلم أن القدر حق كيف ينصب.
قال مالك بن دينار: اصطلحنا على حب الدنيا، فلا يأمر بعضنا بعضًا، ولا ينهى بعضنا بعضًا، ولا يدعنا الله على هذا فليت شعري أي عذاب الله ينزل علينا.
وقال آخر: لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله بالآخرة.
وقال آخر يعظ أخًا له في الله ويخوفه بالله، فقال: يا أخي إن الدنيا دحض مزلة، ودار مذلة، عمرانها إلى الخراب صائر، وعامرها إلى القبور زائر، شملها على الفرقة موقوف، وغناها إلى الفقر مصروف، الإكثار فيها إعسار والإعسار فيها يسار.
فافزع إلى الله وارض برزق الله، لا تتسلف من دار فنائك إلى دار بقائك فإن عيشك في الدنيا فيء زائل وجدار مائل أكثر من عملك وأقلل من أملك.
وقال يحيى بن معاذ: العقلاء ثلاثة من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله وأرضى خالقه قبل أن يلقاه.
وقال بندار: إذا رأيت أبناء الدنيا يتكلمون بالزهد فاعلم أنهم في سخرية إبليس.
مقتطفات من كتاب ارشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد
تاليف عبد العزيز بن محمد السلمان
منقول للفائدة
مواقع النشر (المفضلة)