بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن شهر الله المحرم من الأشهر الحرم التي جعلها الله تعالى فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: )إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) متفق عليه. وهو من أعظم شهور السنة عظمه الله وشرفه من بين سائر الشهور وأضافه إلى نفسه تشريفا له وإشارة إلى أنه حرمه بنفسه وليس لأحد من الخلق تحليله.
والصوم في شهر محرم من أفضل التطوع فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل).
وهذا محمول على التطوع المطلق أما التطوع المقيد كصيام ست من شوال وغيره فهذا أفضل من صوم محرم لأنه يلتحق بصوم رمضان فهو بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة والسنة الراتبة مقدمة على النافلة المطلقة في باب العبادة. وكذلك صوم عرفة وغيره من السنن الرواتب
أفضل من التطوع في محرم.
وقد تأكد صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم والسنة أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. وقد ورد في صومه فضل عظيم .. عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامِ يومِ عاشوراء فقال:
(يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية)
سمَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم المحرَّم شهر الله. وإضافته إلى الله تدلُّ علىشرفه وفضله؛ فإنَّ الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواصَّ مخلوقاته،
ولمَّا كان هذا الشهر مختصَّاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصِّيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى؛ فإنَّه له من بين الأعمال، ناسب أن يختصَّ هذاالشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه، المختصِّ بهِ، وهو الصِّيام .
شهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونًُ *** والصَّومُ فِيهِ مضَاعَفٌ مَسنُون
وَثُوابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه *** فِيالخُلْدِ عِنْـدَ مَلِيكِه مخزون
الصِّيام سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: « كلّ عمل ابن آدم لهُ إلاَّ الصَّوم فإنَّهُ لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابهُ من أجلي » رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه ولهرواياتٌ عدّة .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إنَّ في الجنَّةِ باباً يُقالُ لهُ الرَّيان يدخلُ منهُ الصَّائِمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحدٌ غيرهم يقال: أين الصَّائِمون؟ فيدخلون منهُ فإذا دخل آخِرُهُم أغْلِقَ فلم يدخُل منهُ أحدٌ » رواه مسلم ( 1152 ) .
طوبى لِمن جوَّعَ نفسهُ ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن ظمَّأ نفسهُ ليوم الرِّيِّالأكبر، طوبى لِمن تركَ شهوةً حاضِرةً لِموعِدِ غيبٍ لم يره، طوبى لمن ترك طعاماً ينفَدُ في دارٍ تنفَدُ، لدارٍ (( أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا )).
مَنْ يُرِد مُلكَ الجِنَانِ *** فَليَدَع عَنهُ التَّوانـي
وليَصِلْ صَوماً بِصومٍ *** إنَّ هذا العيشَ فاني
وَليقُم فيظُلمةِ اللّـيـل إلى نور القرآن
[ في رواية لمسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة . فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا : هذا يوم عظيم . أنجى الله فيه موسى وقومه . وغرق فرعون وقومه . فصامه موسى شكراً . فنحن نصومه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فنحن أحق وأولى بموسى منكم " فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأمر بصيامه ] .
هذا ما كان عن رسولنا صلى الله عليه وسلم في أمر هذا اليوم وقوله بأحقيتنا به نحن المسلمين دون اليهود أصحاب موسى عليه السلام ..
فما هو حالنا الآن مع هذا اليوم العظيم ونحن نرى تسليط الإعلام بكل وسائله وقنواته الضوء كله على احتفالات الروافض به وكأنه يومهم هم .. لا يومنا نحن أهل السنة والجماعة المتبعين لهدي رسولنا الكريم السائرين على نهجه عليه الصلاة والسلام .
فالمتتبع للقنوات الإخبارية العالمية يرى كيف تسلط الضوء بشكل واضح على احتفلات الروافض بطقوسهم البعيدة كل البعد عن منهجية الإسلام ومعتقداته الداعية إلى حسن التعبد لله ..
فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم :
[وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] {الإسراء:70}
ولنتدبر قوله سبحانه :
[ كـرمـنــا ]
كان مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في يوم عاشوراء من شهر المحرم على المشهور. ( البداية والنهاية: (8/137) ). فانقسم الناس إلى طائفتين:
- طائفة تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية ... وإنشاد قصائد للحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين ... وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام. ( مجموع الفتاوى لابن تيمية: (25/165-166) ).
- وطائفة أخرى من الجهال تمذهبت بمذهب أهل السنة، قصدوا غيظ الطائفة الأولى، وقابلوا الفاسد بالفاسد، والكذب بالكذب، والبدعة بالبدعة، فوضعوا الأحاديث في فضائل عاشوراء، والأحاديث في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء. ( الموضوعات من الأحاديث المرفوعات: (2/567)؛ مجموع الفتاوى: (25/166) ).
*والطائفتان مبتدعتان خارجتان عن السنة. ونحن براء من الفريقين. فأهل السنة يفعلون في هذا اليوم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع. ( الموضوعات: (2/567)؛ المنار المنيف في الصحيح والضعيف: (89) ).
ما بين ألفاظ شركية بالله سبحانه وتعالى .. وطقوس فعلية يعذبون بها أنفسهم ويهينون الإنسان بداخلهم ..
مدعين في كل هذا أن عاشوراء ما شرع إلا ليكون ذكرى كربلائية لمقتل الحسين بن علي – رضي الله عنهما – على يد النواصب كما يزعمون . والذي قتل بأيديهم هم .. مهما زوروا من القصص وأدعو غير ذلك ..
فإذا كان حال الرافضة [ الشيعة الاثني عشرية ] في هذا اليوم كما نرى ..!
فما هو حالنا نحن معه أبناء أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
وهو كما قال اليهود عنه للرسول صلى الله عليه وسلم :
[ يوم عظيم . أنجى الله فيه موسى وقومه . وغرق فرعون وقومه ].
صامه نبي الله موسى – عليه السلام – شكراً لله أن أنجاه وقومه وأغرق فرعون وجنده ..
وصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم – تبياناً لفضله .
لـــــذا
فيوم عاشوراء لنا نحن أبناء خير أمة أخرجت للناس
وليس لأحد سوانا ..
فلنظهر حقنا فيه من خلال إتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
نصومه كما صامه ..
ونبين للناس فضله وأحقيتنا به ..
فهو كما قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم :
[ إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه و من شاء تركه ] [ رواه مسلم وغيره ، من حديث ابن عمر ] .
وصيامه يكفر ذنوب السنة الماضية كما في صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء ، فقال :
[ إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ]
لذا ينبغي لنا جميعاً صيام هذا اليوم وتذكير أهلنا ومعارفنا بصيامه وتبيان فضله وأجره ..
أولاً: صيام اليوم التاسع واليوم العاشر ، وهذا أفضل المراتب لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما - عند مسلم [ لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر ] .
ثانياً : صيام اليوم العاشر والحادي عشر ؛ لحديث ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم_قال: [ خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده ] . [ أخرجه أحمد وابن خزيمة ] .
ثالثاً : صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر ؛ لحديث ابن عباس مرفوعاً [ صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ] .
رابعاً: إفراد العاشر بالصيام ؛ لحديث أبي قتادة عند مسلم [ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صيام يوم عاشوراء : أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ] .
سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصوم يوم عاشوراء ويرغب الناس في صيامه ؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه ، وأهلك فيه فرعون وقومه ، فيستحب لكل مسلم ومسلمة صيام هذا اليوم شكرًا لله - عز وجل - ، وهو اليوم العاشر من المحرم ، ويستحب أن يصوم قبله يومًا أو بعده يومًا
قال شيخ الاسلام : صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم "الفتاوى الكبرى ج5 "
وفقنا الله جميعاً لصيام هذا اليوم متبعين سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ..
وتقبل عملنا هذا وجعله خالصاً لوجهه الكريم ..
منتديات برنامج الجواب الكافي
مواقع النشر (المفضلة)