[align=center]
سلمان بن يحي المالكي
[grade="0000FF 800080 008000 FF1493"]
يهدِف الإسلام إلى بناءِ مجتمعٍ إسلاميٍّ متراحمٍ متعاطِف ، تسودُه المحبّةُ والإخاء ،
ويهيمِن عليه حبّ الخيرِ والعَطاء ، والأسرةُ وِحْدةُ المجتمع ، تسعَد بتقوى الله ورعايةِ الرّحِم ، اهتمّ الإسلامُ بتوثيق عُراها وتثبيتِ بُنيانها ، فجاء الأمر برعايةِ حقّها بعدَ توحيد الله وبرّ الوالدين ،
قال جلّ وعلا {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} وقُرِنَت مع إفرادِ الله بالعبادةِ والصّلاةِ والزّكاة ،
فعن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال : جاء رجلٌ إلى النبيّ فقال : أخبِرني بعملٍ يدخلني الجنّة ، قال " تعبد الله ولا تشرِكُ به شيئًا ، وتقيمُ الصلاة ، وتؤتي الزكاةَ ، وتصِلُ الرّحم " [ متفق عليه ] [/grade]
[grade="0000FF FF1493 008000 800080"]
وقد أُمِرَت الأمم قبلَنا بصِلة أرحامِها ، قال سبحانه { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى }
ودَعا إلى صِلتها نبيُّنا محمّدٌ في مَطلعِ نُبوّته ، قال عَمْرُو بنُ عبَسَة : قدمتُ مكّةَ أوّلَ بعثةِ النبيّ فدخلتُ عليه فقلت : ما أنت ؟ قال " نبيّ " قلت : وما نبيّ ؟ قال " أرسَلَني الله " قلت : بمَ أرسلك ؟ قال " بصلةِ الأرحام وكسرِ الأوثان وأن يُوحَّد الله " [ رواه الحاكم ]
وسأل هِرقل أبا سفيانٍ عن النبيّ ما يقول لكم ؟ قال : يقول " اعبُدوا الله وحدَه ولا تشركوا به شيئًا " ويأمرنا
بالصّلاة والصِّدق والعَفاف والصّلَة [ متفق عليه ]
وأمَر بها عليه الصلاة والسلام أوّلَ مقدمِه إلى المدينة ، قال عبد الله بن سلام : لمّا قدم النبيّ المدينةَ انجفلَ
الناس إليه ـ أي: ذهَبوا إليه ـ فكان أوّلَ شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال "
يا أيّها الناس ، أفشوا السّلام ، وأطعِموا الطّعام ، وصِلوا الأرحامَ ، وصَلّوا بالليل والنّاس نِيام ، تدخلوا الجنّة بسلام " [ رواه الترمذيّ وابن ماجه ] [/grade]
[grade="0000FF FF1493 008080 800080"]
وهي وصيّة النبيّ قال أبو ذر: أوصاني خليلِي بصِلة الرّحم وإن أدبَرَت [ رواه الطبراني ]
فصِلةُ ذوي القربَى أمارةٌ على الإيمان " من كان يؤمِن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحِمَه " [ متفق عليه ] وقد ذمّ
الله كفّارَ قريش على قطيعةِ رحمِهم فقال عنهم { لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً }
* لقد خلق الله الرحمَ ، وشقَقَ لها اسمًا من اسمِه ،
ووعَد ربُّنا جلّ وعلا بوصلِ مَن وصلَها ، ومَن وصَله الرحيمُ وصلَه كلُّ خير ولم يقطَعه أحد ، ومن بَتَره الجبّار لم
يُعلِه بشرٌ وعاشَ في كَمَد { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } والله يُبقي أثرَ واصلِ الرّحم طويلاً ، فلا يضمحِلّ
سريعًا كما يضمحِلّ أثر قاطعِ الرّحم ، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام " قال الله للرّحم : أما ترضينَ أن أصلَ من
وصلك وأن أقطعَ من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاك لك " [ متفق عليه ] "والرحمُ معلّقة بالعرش تقول : مَن
وصلني [ وصله الله ] ومن قطعني [ قطعه الله ] " . [/grade]
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]
* صلةُ الرّحم تدفَع بإذن الله نوائبَ الدّهر ، وترفع بأمرِ الله
عن المرء البَلايا ، لمّا نزل على المصطفى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } رجع بها ترجِفُ بوادرُه حتّى دخل على
خديجةَ فقال : " زمِّلوني " فأخبرَها الخبَر ، وقال " قد خشيتُ على نفسِي " فقالت له : كلاّ والله ، لا يخزيكَ الله
أبدًا ؛ إنّك لتصلُ الرّحم ، وتحمِل الكَلَّ ، وتكسِب المعدومَ ، وتَقري الضّيف [ رواه البخاري ] . [/grade]
* صلةِ الرّحم أُسُّاس بِناء الحياة ؛
[grade="0000FF 8B0000 008080 800080"]
محبّةُ للأهل ، وبَسطُ الرّزق ، وبركةُ العُمر ، يقول " صِلة الرّحم محبّةٌ في الأهل ، مثراة في المالِ ، منسَأَة في الأثر" [ رواه أحمد ] وعند البخاريّ ومسلم " من أحبَّ أن يُبسَط له في رزقه ويُنسَأ له في أثَره فليصِل رحمَه " قال ابن التّين : "
صلةُ الرّحم تكون سببًا للتوفيقِ والطاعةِ والصيانةِ عن المعصيةِ ، فيبقى بعدَه الذكرُ الجميل فكأنّه لم يمُت " .
* ِصلة الحرم عبادةٌ جليلة مِن أخصِّ العبادات ،
يقول عمرو بن دينار: "ما مِن خَطْوةٍ بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خَطوةٍ إلى ذي الرّحم " ثوابُها معجَّل في الدنيا
ونعيمٌ مدَّخرَ في الآخرة ، قال " ليس شيء أُطِيعَ اللهُ فيه أعْجَل ثوابًا من صِلةِ الرحم " [ رواه البيهقيّ ] والقائمُ
بحقوقِ ذوي القربَى موعودٌ بالجنّة ، يقول عليه الصلاة والسلام " أهلُ الجنة ثلاثة : ذو سلطانٍ مُقسط ، ورجلٌ
رحيمٌ رقيقُ القلب بكلّ ذي قُربى ومسلم ، ورجلٌ غنيّ عفيف متصدِّق " [ رواه مسلم ] . [/grade]
* صلة الرحم تقوَي
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]
المودَّة وتزيدُ المحبَّة وتتوثَّق عُرى القرابةِ وتزول العداوةُ والشّحناء ، فيها التعارفُ والتواصلُ والشعور بالسّعادة . [/grade]
* صِلة الرّحم والإحسانُ إلى الأقربين
[grade="0000FF B22222 32CD32 800080"]
طُرقُها ميسَّرة وأبوابها متعدِّدة ، فمِن بشاشةٍ عند اللّقاء ولينٍ في المُعاملة ، إلى طيبٍ في القول وطلاقةٍ في
الوجه ، زياراتٌ وصِلات ، مشاركةٌ في الأفراح ومواساةٌ في الأتراح ، وإحسانٌ إلى المحتاج ، وبذلٌ للمعروف ،
نصحُهم والنّصحُ لهم ، مساندةُ مكروبِهم وعيادةُ مريضهم ، الصفحُ عن عثراتهم ، وترك مُضارّتهم ، والمعنى الجامِع
لذلك كلِّه : إيصالُ ما أمكَن من الخير ، ودفعُ ما أمكنَ منَ الشرّ . [/grade]
* صلةُ الرّحم
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]أمارةٌ على كَرَم النّفس وسَعَةِ الأفُق وطيبِ المنبَتِ وحُسن الوَفاء ، ولهذا قيل : مَن لم يَصْلُحْ لأهلِه لم يَصْلُحْ لك ،
ومَن لم يذُبَّ عنهم لم يذبَّ عنك ، يُقْدِم عليها أولو التّذكرةِ وأصحابِ البصيرة { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} . [/grade]
* الأرحام أمَرَ الله بالرّأفة بهم كما نرأَف بالمِسكين ،
[grade="FF4500 4B0082 0000FF 000000 0000FF"]
قال عزّ وجلّ { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } حقُّهم في البذلِ والعطاء مقدّمٌ على اليتامَى والفقراء ،
قال سبحانَه {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} والسخاءُ عليهم ثوابٌ مضاعفٌ من ربِّ العالمين ،
قال عليه الصّلاة والسّلام " الصدقةُ على المسكين صدقة ، وعلى القريب صدقةٌ وصِلة " [ رواه الترمذي ]
وأوّلُ مَن يُعطَى مِن الصدقة هم الأقربون مِن ذوي المَسكنَة ، تصدّق أبو طلحة رضي الله عنه ببستانِه ، فقال له النبيّ " أرَى أن تجعلَها في الأقربين " فقسمَها أبو طلحة على أقاربِه وبني عمّه [ متفق عليه ]
فالباذلُ لهم سخيُّ النّفس كريم الشّيَم ، يقول الشعبيّ رحمه الله " ما ماتَ ذو قرابةٍ لي وعليه دينٌ إلاّ وقضيتُ عنه دينه " .
* الجارُ من ذوي الأرحام أخصُّ بالرّعاية والعنايةِ مِن غيره
قال سبحانه {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}
فدعوتُهم وتوجيهُهم وإرشادهم ونُصحهم ألزمُ من غيرِهم ، [/grade]
قال جلّ وعلا {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}
وإكرامُ ذوي القراباتِ مأمور به على أن لا يكونَ في التّقديمِ بخسٌ لأحدٍ أو هضمٌ لآخرين ،
قال سبحانه {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } .
* إنّ ذوي الرّحِم غيرُ معصومين ،
[grade="0000FF FF1493 008000 800080"]
يتعرّضون للزّلَل ، ويقَعون في الخَلل ، وتصدُر منهم الهَفوة ، ويقَعون في الكبيرة ، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم ،
فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين ، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا ، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخطؤوا ،
ولك في يوسف القدوة والأسوة ، فقد فعل إخوةُ يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا ، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل ، ولم يوبِّخهم ،
بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم ، {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}
فغُضَّ عن الهفواتِ ، واعفُ عن الزّلاّت ، وأقِلِ العثرات ، تجْنِ الودَّ والإخاء واللينَ والصفاء ، وتتحقَّقُ فيك الشهامةُ والوفاء ،
وداوِم على صِلة الرّحم ولو قطعوا ، وبادِر بالمغفرة وإن أخطؤوا ، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا ، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين ، [/grade]
ولا تجعَل عِتابَك لهم في قطعِ رحمِك منهم ،
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]
وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء ، وجانبْ الشحَّ فإنّه من أسباب القطيعة ،
قال عليه الصلاة والسلام " إيّاكم والشّحَّ ؛ فإنّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم ؛ أمرهم بالبُخل فبخِلوا ، وأمرهم بالظّلم فظلموا ، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا " [ متفق عليه ]
واعلم أنّ مقابلةَ الإحسانِ بالإحسان مكافأةٌ ومجازاة ، ولكن الواصلَ من يَتفضَّلُ على صاحبِه ، ولا يُتَفضّلُ عليه ،
قال عليه الصلاة والسلام " ليسَ الواصلُ بالمكافئ ، ولكنّ الواصلَ مَن إذا قُطعَت رحمُه وصَلها " [ رواه البخاري ]
قيل لعبد الله بن مُحَيريز : ما حقّ الرّحم ؟ قال : " تُستَقبَل إذا أقبَلت ، وتُتْبَع إذا أدبَرت " وجاء رجلٌ إلى النبيّ
فقال : يا رسولَ الله ، إنّ لي قرابةً أصِلهم ويقطعونني ، وأُحسِن إليهم ويُسيؤون إليّ ، وأَحلِم عليهم ويجهَلون
عليّ ، فقال عليه الصلاة والسلام " لئن كان كما تقول فكأنّما تُسِفُّهم المَلّ ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمتَ على ذلك " [ رواه مسلم ] . [/grade]
* الروابطُ تزداد وُثوقًا بالرّحم ،
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]وقريبُك لا يَمَلّكَ على القرب ولا ينسَاك في البُعد ، عِزّهُ عزٌّ لك ، وذُلّه ذُلٌّ لك ، ومعاداة الأقاربِ شرّ وبلاء ، الرّابح فيها خاسِر ، والمنتصِر مهزوم ،
وقطيعةُ الرّحم مِن كبائر الذّنوب ، متوَعَّدٌ صاحبُها باللّعنةِ والثبور ،
قال تعالى {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}
فالتدابرُ بين ذوِي القربَى مؤذِنٌ بزوالِ النِّعمة وسوءِ العاقبةِ وتعجيلِ العقوبة ، قال عليه الصلاة والسلام " لا يدخل الجنّةَ قاطع " [ رواه البخاري ]
فعقوبتُها معجَّلة في الدّنيا قبلَ الآخرة ، يقول النبيّ " ما مِن ذنبٍ أجدر أن يعجِّلَ الله لصاحبِه العقوبةَ في الدّنيا مع ما يدَّخره له في الآخرة من البغي ـ أي : الظلم ـ وقطيعةِ الرحم " [ رواه الترمذي ][/grade]
* قطيعة الرحم سببٌ للذِلّة والصّغار والضّعفِ والتفرّق ،
مُجلَبةٌ للهمّ والغمّ ،
[grade="00008B FF6347 008000 4B0082"]
فقاطعُ الرّحم لا يثبُت على مؤاخاة ، ولا يُرجَى منه وفاء ، ولا صِدقٌ في الإخاء ، يشعر بقطيعةِ الله له ، ملاحَقٌ بنظراتِ الاحتِقار ، مهما تلقَّى من مظاهِر التبجيل ،
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستوحِشون مِن الجلوس مع قاطِع الرّحم ،
يقول أبو هريرة رضي الله عنه ( أُحرِّجُ على كلِّ قاطعِ رحمٍ لَمَا قام من عندنا )
وكان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا في حلقةٍ بعدَ الصبح فقال ( أُنْشِدُ الله قاطعَ رحمٍ لَمَا قام عنَّا فإنّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا ؛ وإنّ أبوابَ السماء مُرتَجَةٌ ـ أي: مغلقة ـ دونَ قاطِع الرّحم ) ومن كان بينه وبين رحمٍ له عداوة فليبادِر بالصّلة ، وليعفُ وليصفح
{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وإنّ لحُسنِ الخُلُق تأثيرًا في الصّلة ، والزَم جانبَ الأدَب مع ذوي القربَى ، [/grade]
فإنّ مَن حَفِظَ لسانَه أراح نفسَه ،
وللهديّةِ أثرٌ في اجتلابِ المحبّة وإثباتِ المودّة وإذهابِ الضغائن وتأليفِ القلوب .
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)